يمثل العمل قيمة مهمة للأفراد، لأنه يتيح للشخص الاستقلالية الاقتصادية، كما يمنحه الشعور بقيمته وكرامته، عبر حصوله على التقدير من قبل المجتمع، لمساهمته في تطويره وتنميته، وبالنسبة للأشخاص ذوي الهمم، تكون حالتهم الصحية أكثر حاجة للحصول على فرصة العمل.

ولا شك أن قضية تشغيل أصحاب الهمم، تطرح نفسها دوماً على بساط البحث، ليس بالنظر لأهميتها فحسب لجهة صياغة مرتكزات مجتمع مستقر ومتوازن، يمنح أفراده كامل حقوقهم، دون تمييز أو إقصاء، بل للاستفادة من الطاقات الكامنة لأصحاب الهمم في تعزيز عملية التنمية.

تحديات رئيسة

وزارة تنمية المجتمع، مظلة أصحاب الهمم، حددت 4 تحديات رئيسة، تواجه تشغيل أصحاب الهمم، تصدرها عزوف معظم أصحاب الهمم عن استكمال دراستهم، والاكتفاء بالثانوية العامة، والضعف في إتقان اللغة الإنجليزية، وهو تحدٍ اعتبرته الوزارة كبيراً، لكونه أمراً ضرورياً، ومتطلباً رئيساً من قبل معظم الجهات والشركات.

وذكرت أن قلة وعي الجهات المشغلة بطرق التعامل مع أصحاب الهمم، أو ذوي الإعاقة السمعية تحديداً، يشكل تحدياً كبيراً، موضحة أنهم ينفذون ورش ودورات للجهات المستهدفة لتهيئة الموظفين، ورفع سقف وعيهم في كيفية التعامل مع زملائهم من ذوي الإعاقة، متطرقة إلى تحدٍ يتعلق بتوفير البيئة المناسبة لدعم توظيف أصحاب الهمم، وتعزيز فرص النجاح والمواصلة في العمل والوظيفة.

إجراءات خاصة

وأوضحت الوزارة، أنها تعمل في سياق توفير الوظائف لأصحاب الهمم على مواجهة التحديات التي تحيط ببيئة العمل، ومدى ملاءمتها، وتوفر وسائل أو تقنيات وبرامج مناسبة لهم، ليتم إنجاز العمل بطرق أسهل وأسرع، مستعرضة بعض الإجراءات الخاصة التي أطلقتها كحقيبة التوظيف الدامج، التي تعتبر من أهم المبادرات الداعمة لتشغيل أصحاب الهمم.

حيث تقوم فكرتها على تدريب الموظفين الزملاء لأصحاب الهمم في بيئات العمل، نظراً لأن دعم التشغيل لا يقتصر على مرحلة ما قبل الحصول على الوظيفة، وإنما بعدها أيضاً، لما يواجه أصحاب الهمم من تحديات في بيئات العمل، قد تقود إلى تسربهم الوظيفي.

موضحة أنه تم تدريب مجموعة كبيرة من الموظفين في المؤسسات الحكومية الاتحادية والمحلية والخاصة، على هذه الحقيبة، بما يسهل اختيار موظفين أكفاء في كل مؤسسة، من شأنهم دعم استقرار الموظفين أصحاب الهمم، وضمان تكيفهم الوظيفي على المدى البعيد.

وأفادت بأن تجاوب القطاع الخاص بات ملموساً خلال الفترة الحالية، مشيرة إلى أن ضعف الرواتب، هو سبب إحجام أصحاب الهمم للعمل في القطاع الخاص، لافتة إلى أنه تم تدارك هذه المعضلة، من خلال زيادة المخصصات المالية من قبل برنامج نافس الحكومي وتعديله، ما رفع نسبة العاملين في القطاع الخاص.

وذكرت أن بعض الشكاوى ترد لهم من موظفين من أصحاب الهمم، حول عدم ترقيهم، وبالمقابل، يواصل آخرون للحديث عن ترقيات حصلوا عليها بحكم نجاحهم في العمل، موضحة أن الترقيات تعطى حسب مجهود الشخص في مجال عمله، ولكن حين تصلنا ملاحظات أخرى، يتم التعامل معها بشكل فوري، بالتواصل مع جهة الشخص أو مديره المباشر، ومناقشة الموضوع، لمحاولة الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف.

ترسانة قانونية

وأكد الدكتور أحمد العموش، أن دولة الإمارات تبذل جهوداً رائدة لدعم وتمكين أصحاب الهمم في شتي المجالات، ما جعل لها الريادة والسبق على مستوى المنطقة العربية والعالم، حيث سنت القوانين والتشريعات التي ضمنت حقوقهم في التعليم والصحة والتوظيف والحياة الكريمة لهم، دون تمييز، ووقعت في 8 فبراير 2008، على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

وصادقت عليها في 2010، وكانت الإمارات من أوائل الدول التي وضعت الاتفاقية حيز التنفيذ، فقد وضعت الإمارات القانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2006، الذي يضمن حقوقهم في كافة المجالات الصحية، والتعليمية، والمهنية، والاجتماعية، كما أطلقت السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم، لتحقيق مشاركتهم الفاعلة، والفرص المتكافئة لهم في ظل مجتمع دامج.

فضلاً عن سياسة حماية أصحاب الهمم من الإساءة، والتي تهدف إلى مكافحة جميع أشكال الإساءات التي قد يتعرض لها أصحاب الهمم، مثل حرمانهم من أساسيات الرعاية والتأهيل والعناية الطبية، أو الترفيه والدمج المجتمعي، أو استغلالهم في جلب المنافع المادية.

حق أصيل

وحول حقهم في الحصول على وظائف، أفاد الدكتور العموش بأن الدولة أقرت القانون الاتحادي 2006، الذي يؤكد حقهم «الأصيل» في العمل، مع ضرورة توفير بيئة عمل داعمة وميسرة الوصول لهم، فقد أكد قرار مجلس الوزراء رقم 43 لسنة 2018، في شأن دعم عمل أصحاب الهمم، إلى دعم حقوق أصحاب الهمم في مجال العمل.

وتمكينهم من الوصول إلى الفرص المتاحة، على النحو الذي يكفل ممارسة حقوقهم في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين، وتوفير الدعم اللازم لهم، للبحث عن فرص عمل متساوية في مختلف القطاعات، ودعم الراغبين منهم في تأسيس عمل خاص، ممن هم على رأس عملهم، إلى جانب بيان الالتزامات التي تقع على الجهات المعنية لإعمال حقوقهم، وفقاً لما تنص عليه التشريعات المعمول بها في الدولة.

فيما يلزم القرار الجهات المعنية، بحماية أصحاب الهمم في كفالة حق العمل لهم، على قدم المساواة مع الآخرين، وضمان حصولهم على فرص عمل متكافئة، على الوجه الذي يحقق تمتعهم بأعلى قدر من العدالة والإنصاف.

وقد نص القرار على أن تتولى وزارة تنمية المجتمع، التنسيق مع وزارة الموارد البشرية والتوطين، والهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، لوضع أنظمة تحدد طبيعة الترتيبات التيسيرية المعقولة التي يحتاجها أصحاب الهمم في بيئة العمل.

وأكد القرار على ضرورة توفير ظروف عمل صحية لأصحاب الهمم، وعلى عدم إنهاء خدماتهم، أو إحالتهم للتقاعد بسبب الإعاقة، أو حدوثها بعد التعيين، إلا في حال بلوغ سن التقاعد، أو صدور قرار من اللجنة الطبية المختصة بعدم اللياقة للعمل.

ونص القرار على تشجيع القطاع الخاص على إدماج أصحاب الهمم في مؤسساته، ومنحهم الإعفاءات والامتيازات الخاصة بهم، وعلى وجه الخصوص، تلك التي تلزم بتشغيلهم، وتوفير الترتيبات التيسيرية المعقولة، بشرط أن يكون التعيين فعلياً، وليس شكلياً.

نموذج متميز

وذكر أن جامعة الشارقة تشكل نموذجاً فريداً في دعم الطلبة ذوي الإعاقة أكاديمياً ونفسياً واجتماعياً ومهنياً، حيث تسعى من خلال مركز الموارد لذوي الإعاقة، على تيسير كافة السبل، ووفق خطة الجامعة الاستراتيجية، بكونها صديقة لذوي الإعاقة، كما تضمنت جهود الجامعة رعاية الخريجين بالتنسيق مع إدارة الموارد البشرية بحكومة الشارقة، والعديد من مؤسسات القطاع الخاص، لخلق فرص عمل مناسبة لهم، وسعت إلى تكريم المتميزين منهم، بإتاحة الفرصة لهم للعمل داخل الجامعة كمساعدي تدريس، وحصولهم على منح دراسية شاملة لدراسة الماجستير أو الدكتوراه.

مشيراً إلى مساعي الجامعة في رفع الوعي بقضايا أصحاب الهمم داخل الجامعة وخارجها، للحد من النظرة السلبية التي يتبناها البعض حول قدرات ذوي الإعاقة في سوق العمل، والتي تمثل عائقاً أساسياً في توظيفهم أو تمكينهم في بيئات العمل، وتعد من أهم الأخطاء التي يقع فيها المجتمع، والتي تنشأ من عدم تيسير بيئات العمل لاستقبال ذوي الإعاقة، وما يترتب على ذلك من عوائق فيزيقية ونفسية واجتماعية.

ودعا الدكتور العموش كافة القطاعات لإجراء دراسات شاملة، تتسق مع رؤية دولة الإمارات لتذليل كافة العقبات، وتحقيق التنفيذ الأمثل لمفهوم الوصول الشامل في بيئات العمل، تيسيراً لفرص النجاح لذوي الإعاقة، وتأكيداً على قدراتهم المميزة، والتي بدت واضحة، من خلال العديد من النماذج الناجحة في بيئات عمل حققت لهم فرص النجاح، من خلال التأهيل البيئي والنفسي داخل مؤسساتهم.

الأسئلة المعقدة

ودعا دليل تشغيل أصحاب الهمم، الذي أصدرته وزارة تنمية المجتمع، إلى تجنب الأسئلة التقنية المعقدة لأصحاب الهمم الباحثين عن وظائف، محذراً من استخدام العبارات والمصطلحات، مثل «معاق»، في بيئة العمل.

وأهابت الوزارة بالأشخاص من أصحاب الهمم، التقدم للوظائف التي يرون أنفسهم قادرين على القيام بها، ويرغبون بها، موجهة النصائح لأصحاب العمل وأولياء الأمور، الذين عليهم الالتزام ببعض الضوابط والمحاذير والمقترحات، لتعزيز عمل أصحاب الهمم بصورة إيجابية، وبرؤية دامجة، محذرة من الأحكام المسبقة، والاتجاهات السلبية في الأذهان حيال هذه الفئة.

المضايقة والإساءة

وأفاد الدليل بأن الحد من إجراءات المضايقة والإساءة للشخص من أصحاب الهمم في بيئة العمل، يبدأ بالوقاية، ووضوح سياسة المؤسسة نحو أي موظف يقوم بمضايقة أي موظف آخر من أصحاب الهمم، لضمان أن الموظفين قد فهموا هذه السياسة، وأهميتها بالنسبة للمؤسسة، والحرص على تقديم التدريب للموظفين على أساسيات التعامل والتواصل مع أصحاب الهمم، وتزويدهم بمعلومات أساسية عن كل إعاقة، من حيث سمات أصحابها وخصائصهم، والحفاظ على بيئة عمل خالية من المضايقة على أساس الإعاقة.

لأصحاب الهمم كلمتهم

الوقوف على تجارب أصحاب الهمم، مسألة تقتضي الاستماع إلى وجهة نظرهم تجاه قضاياهم المختلفة، قد تنجح الدراسات المختلفة في الاقتراب من الحقيقة، ولكن تبقى دوماً منقوصة إذا لم نستمع إليهم، لأنهم ينطلقون من تجاربهم الخاصة، التي لا تخضع نتائجها للتأويل.

وقال محمد الغفلي الناشط الاجتماعي في مجال أصحاب الهمم: إن أبرز ما يواجه أصحاب الهمم في البحث عن وظيفة، هو أن موقف المؤسسات يكون غير واضح في رغبتها بتوظيف هذه الفئة، وتوفير الفرص الوظيفية المناسبة لهم، فهناك من يوظفهم من أجل تحسين صورتهم، ويكتفي بعدد معين، وهناك من يلزم نفسه بوظائف معينة، ما يقلل فرصاً أكبر للتوظيف.

معارض التوظيف

وأضاف الغفلي: معارض التوظيف لا تراعي احتياجاتهم، ولا تلبي رغباتهم، لكون الوظائف المطروحة يتم التقديم عليها عن طريق المواقع الإلكترونية، ومعظم هذه المواقع غير مهيئة لإمكانية الوصول الشامل، ما يجعلهم يواجهون صعوبة في التقديم، مشيراً إلى أن عملية التوظيف لا تزال تخضع لمفهوم مبادرات مجتمعية، لا ينظر لها كحق ملزم للتوظيف.

إضافة إلى أنه لا يوجد إحصاءات دقيقة تدعم سوق العمل بعدد الطالبين للوظائف، كما أن التركيز في البحث عن وظيفة، متمركز حول الدوائر والهيئات والمؤسسات الحكومية، ولا توجد جدية لدى القطاع الخاص في دعم توظيف أصحاب الهمم، متحدثاً عن غياب الحملات الإعلامية، التي تبرز قصص النجاح للمؤسسات التي نجحت في توظيف أصحاب الهمم، وكونت قصص نجاح، من شأنها تعزيز توظيف هذه الفئة.

توظيف صوري

وتجد مريم الحفيتي، أن صاحب الهمة يواجه صعوبات عدة خلال رحلة بحثه عن الوظيفة، تتمثل في عدم ثقة بعض المؤسسات في قدراته، حتى إنهم يأخذون السيرة الذاتية، وفقاً للحفيتي «من باب جبر الخواطر»، بيد أنه لا يجد أي صدى لطلبه بعد ذلك، ومن المؤسسات من توظف أصحاب الهمم في مسار غير تخصصهم الدراسي، ما يسبب بعض الإشكالات للموظف في بداية مسيرته العملية.

إضافة إلى قيام بعض الشركات بتوظيف أصحاب الهمم توظيفاً صورياً، دون أن تعطيهم أي مهام ومسؤوليات، لأنهم يرون أن ذلك الشخص لا يقدر على المهام المطلوبة، لافتة إلى معضلة تواجه صاحب الهمة الكفيف، تتمثل في تلقيه رسائل عبر البريد الإلكتروني، على هيئة صور، ما يصعب عليه قراءتها.

إضافة إلى بيئات عمل تكون مرافقها غير مهيئة، مطالبة بتكثيف الحملات التوعوية عن أصحاب الهمم الموظفين، ليتسنى للشركات الخاصة وغيرها، الإيمان بقدراتهم، وتوظيفهم في الأماكن التي تناسبهم، مع مراعاة إعطائهم الفرصة كاملة، ليظهروا قدراتهم.

وتحدثت مريم حاجي عن بعض المعوقات من واقع خبرتها وتجربتها، مشيرة إلى أن أول ما يصطدم به صاحب الهمة، هو عدم توفر البيئة المناسبة والحوافز، والدعم، ونقص فرص البرامج والتعليم لهم، وعدم وجود جهات مختصة، تلبي احتياجاتهم في بيئات العمل المختلفة، متمنية أن يكون هناك مزيد من التمكين الوظيفي، من خلال توفير فرص عمل لهم في القطاعين الخاص والحكومي، وإجراء دراسات حول أوضاع أصحاب الهمم في بيئات العمل، من خلال الاستبيانات، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة لأصحاب الهمم على مستوى الدولة.

ويرى عادل البلوشي أن ما يحتاجه صاحب الهمة، الدعم والثقة من زملائه، مشيراً إلى ضرورة قبول طلبات أصحاب الهمم من الراغبين بالالتحاق بالعمل، والبت فيها بسرعة، لافتاً إلى عمله في بنك المشرق، والدعم الذي يحظى به من الكادر العامل فيه.