تغنى شعراء الجاهلية بالمطر في قصائدهم، فهم كانوا يلاحظون البرق، ويراقبون الغيم، ويتتبعون حركات الرياح، ومشاهد المطر عندهم كانت توحي بأشياء لا يراها المشاهد العادي.
فالمطر رحمة، وحباته درر في قلب الصحاري القاحلة، وحياة العرب قديماً كانت تتوقف على الرعي والكلأ وغدران المياه العذبة. ومن فرح العرب قديماً بمقدم السحاب في موسم الشتاء، نراهم وقد اختاروا له أسماء كثيرة، منها الغمام والوكاف ومنها الديم والدجن، وما عشقت أمة المطر كما عشقت العرب المطر، والسبب أنه لا يزورهم إلا لماماً، أي من سنة إلى سنة. ولعل من أجمل القصائد في وصف البرق والمطر قصيدة امرئ القيس التي يقول فيها:
أصاح ترى برقاً أُريك وميضَه
كلمع اليدين في حَبيّ مكلّل
يضيء سناه أو مصابيحُ راهب
أمال السليطَ بالذُبال المُفتَّلِ
فأضحى يسُحّ الماءَ حول كُتَفيةٍ
يكُبّ على الأذقان دوحَ الكنَهبَل
وتيماءُ لم يترك بها جِذع نخلة
ولا أطُما إلا مَشيدا بجَندل
كأن ثَبيرا في عرانين وَبلهِ
كبيرُ أناس في بِجادٍ مُزمّلِ
كأن ذُرى رأس المُجيمِر غُدوةً
من السيل والأغثاءِ فَلكةُ مِغزل
نعم... ولا يزال المطر مُلهم الشعراء والأدباء، فلا غرابة إذا قرأنا لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قصيدة في يوم مطير، والقصيدة فيها من الوصف الجميل لخصال جميلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد شاعر فحل، وسموه يحب البر ويعشق الصحراء، لذلك فإن منطقة المرموم أحب إلى قلبه من أي مكان آخر، ويقضي فيها وفيما حولها معظم وقت فراغه وراحته.
لكن المفاجأة في هذه القصيدة «ودقْ وبرَدْ»، أن سموه في جو شاعري جميل وبينما أمطار الخير تنسكب وفيرة، تذكر أحب الناس إلى قلبه أيضاً، فبدأ يراقب حبات المطر ومواقع تساقطها، وصار يقارن بين تسلسل قطراتها الندية المتدفقة، وبين الفكرة عندما يسترسل الشاعر في استعراضها في ذهنه كحبات الغمام النازلة من السحب المتراكمة، فهناك سحايب فكر وسحايب رحمة وسحايب كرم. لذلك عبّر سموه بالقول:
الفكرَهْ تبدا مثِلْ نفِّهْ إنزلتْ في مطَرْ
وسحايبْ الفكرْ مجراها كمجرىَ السَّحابْ
ذكرني اليومْ هذا الجوْ وقتٍ عبَرْ
أشريهْ بالعمرْ لو ينباعْ وإلاَّ يجابْ
يتخيل الشاعر هنا في هذا الوقت، تدفق حبات المطر وتعاقبها بتدفق الأفكار أو الفِكَـــــر عند الكاتب أو الشاعر، وربما غلبته الفكرة تلو الفكرة إذا اشتد تدفقها فلا يستطيع أن يسجلها لأنها تمر مر السحاب.
ثم إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والشاعر والمثقف المتفرد، في ذهنه الكثير مما أنجزه أخوه «بوخالد»، ومما يريد أن ينجزه.
ويتذكر أن دولة الإمارات قدّمت وأنجزت عبر الخمسين سنة الماضية سحائب مرسلات من الخير والمساعدات إلى دول العالم، والخمسون سنة مرّت كلمح البصر، عامرة بالنجاحات والعطاءات الوفيرة. لذلك يؤكد أنه دوماً في شغف واستعداد لأن يقدم المزيد والمزيد، في كل السنوات والعقود، مستثمراً كل دقائقها وساعاتها في سبيل مصلحة هذا الوطن المعطاء. وتبدو الغيوم المتراكمة أمام عيني سموه، كما يوصف في رائعته الشعرية، مثل سنوات دولة الإمارات، في كل منها الخير الدفّاق. ويشير سموه إلى أنه كلما نظر إلى الغيوم وتساقط المطر، تذكر سخاءات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عمّر هذه الأرض القاحلة، وأيضاً تذكر فضاءات أفكار المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، الذي طور وأبدع في إعمار دبي. ولذلك فإن سموه يقول:
ياغيمْ هوِّنْ علىَ قلبٍ يحسْ الإثَرْ
وإنتهْ عطاياكْ تشبِهْ عاليينْ الجنابْ
ذكرتْ محمد ترىَ يمناهْ مثلِكْ بحَرْ
ويزيدْ معطاهْ عنْ معطاكْ مليونْ بابْ
ومنْ شافْ بوخالد ترىَ حظَّهْ بمحمد كبَرْ
وأمطارْ كفِّينْ محمد ماتمَلْ إنسكابْ
وهنا يلتفت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الشاعر المجيد، إلى الغيم، ويطلب منه أن يأخذه بالهويناء، فهو اليوم أمام هاطلين: هاطل السماء وهاطل الأرض، فيقول للغيم صحيح أن عطاياك كثيرة، لكن بين ظهرانينا من يشبهك في سخائه وعطائه، بل أكثر. بل من شدة إعجاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، يكاد ينظر إلى عطاياه ويعتبرها أكثر من عطايا السحاب، ولا غرابة في تعبيرات سموه، فمن قبله ذهب شعراء آخرون كالمتنبي وغيره هذا المذهب في وصفهم لفعال قادة كرام أماجد، والشعر ميزته خصوبة أغراضه وتنوع مجالات الخيال فيه. ويذكر فارس العرب في قصيدته، مواقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الشهامية، وسخاءه في وقت السخاء، ويشبهه بالبحر، وهذا غاية في الوصف إذا أردت أن تذكر كرم إنسان، وقد قيل في حاتم الطائي:
هو البحر من أي الجهات أتيته
فلُجته المعروفُ والجود ساحلُه
وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، شاعر متمكن يعلم كيف يدير دفة القصيدة في وصف نبل وكرم القادة المتفردين، لذا نجده في رائعته يقارن بين الغيم وبين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يرى فيه عطاءً غير عادي، ويصف من يلتقي بسموه وينال حظوة عنده، بأنه ذو حظ عظيم، ولا يكتفي بذكر يُمناه في البذل كعادة الشعراء، بل يشبه كفّيه بسحائب هاطلة، فكأن كلتي يديه يمنى. ثم يعود الشاعر الكبير، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى نفسه، فيصف نفسه بأنه في مثل هذه الساعات يسرح بفكره الذي يذهب به إلى الزمن بعيداً، فيتذكر الماضي ويفكر في الحاضر ويستشرف المستقبل.
أجل، وسموه في طريقة أفكاره لا يشبه أحداً ولا أحد يشبهه، فهو بحر فكر لا قاع له، وجموع مواهب ولا تتوقف إبداعاته عن التوقد، وهو في النهاية كتاب لا يستطيع إنسان أن يقف على آخر صفحاته لأنه لايزال مفتوحاً، ومن حقه أن يكون كذلك لأنه لا يتوقف عن الفكر.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدّ في عمر سموهما، ليُسعِدا شعب دولة الإمارات بالعطاء والبذل، وهما في أتم الصحة، ودام الأمن والأمان في بلد الأمان.