الإمارات وفرنسا.. رؤى مشتركة وتعاون استراتيجي

تشكل زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، اليوم إلى الجمهورية الفرنسية الصديقة انعكاساً واضحاً للرؤى المشتركة بين البلدين، والعلاقات الثنائية القوية والمتوازنة، التي حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على تعزيزها مع القوى العالمية الكبرى والمؤثرة في العالم، ومن بينها فرنسا، التي ترتبط مع الإمارات بعلاقات ثنائية، تتجاوز العلاقات التقليدية إلى علاقات تحالفية استراتيجية، تقوم على المصالح المتبادلة، وعلى التعاون في القضايا الإنسانية، في إطار من علاقات التعاون والتحالفات، التي تخدم البشرية، من خلال تبني قيم مشتركة لخدمة الإنسانية، والقيام بدور قيادي عالمي في قضايا العصر، في ظل ما يميز البلدين من تجارب ثرية وطموح وعلم ومعرفة، للبحث عن حلول جماعية تضمن مستقبلاً أكثر أمناً للأجيال، وتؤكد الزيارة قوة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين الصديقين، ودفعها إلى آفاق أرحب، بما يعزز مسارات التعاون الثاني في مختلف المجالات والقطاعات، ويخدم أهدافهما التنموية الحالية والمستقبلية، ويحقق المزيد من الإنجازات.

وترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية بعلاقة صداقة طويلة الأمد وتعاون استراتيجي في شتى المجالات، وحرصت قيادتا البلدين على بذل جهود كبيرة، خلال السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات الثنائية، بما يحقق مصالح الشعبين الصديقين، إذ شهدت هذه العلاقات خطوة كبيرة نحو الأمام في السنوات الأخيرة، وذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين والاهتمام المشترك، وتتخطى العلاقات الثنائية الجوانب الثقافية إلى القطاعات العسكرية والسياسية والتعليمية والقانونية والتعاون في مجال الآثار والطاقة والسياحة والقطاع الطبي وغيرها.

وتقوم العلاقات الثنائية، التي تجمع البلدين على مبادئ التعاون والاحترام المتبادل وتستمد العلاقات الإماراتية- الفرنسية قوتها من دعم ومتابعة وتوجيهات قيادة البلدين ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية، والتي أسهمت في الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون والتنسيق في كل المجالات.

 حوار استراتيجي

وأقرت دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا، في عام 2020، خلال الحوار الاستراتيجي الإماراتي- الفرنسي السنوي خريطة الطريق للعقد القادم 2020-2030، من خلال تحديد الطموحات والمبادرات المشتركة، لا سيما في القطاعات الرئيسية للتعاون الثنائي، مثل: الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والنفط والغاز والطاقة النووية والمتجددة والتعليم والثقافة والصحة والفضاء والأمن.

علاوة على ذلك تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا بتعزيز روح التعاون الدولي والسعي لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار في جميع أنحاء العالم، وعملت الدولتان معاً على دفع عمليات السلام، للمساهمة في تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي.

بداية

وتعود العلاقات ما بين البلدين إلى ما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات، إذ إن بعض الشركات الفرنسية النفطية مثل «توتال» كانت تمارس أعمالها في التنقيب عن النفط في الإمارات، وحينما قام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 بدأت العلاقات الثنائية بين الدولتين، حيث أرسى المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان لبنات قوية لعلاقات صداقة متينة بين البلدين، وتعززت هذه العلاقات بعد الزيارة الأولى للشيخ زايد لفرنسا في العام 1975، وبادرت فرنسا بتعيين أول سفير لها لدى دولة الإمارات بول كارتون بتاريخ 19 أبريل 1972، وكان في الوقت نفسه سفيراً لدى الكويت، كما عينت دولة الإمارات في الفترة نفسها أول سفير لها لدى فرنسا، مهدي التاجر، والذي كان في الوقت نفسه سفيراً لدى المملكة المتحدة.

زيارات متبادلة

وعلى مدار السنوات الماضي تميزت الزيارات المتبادلة، التي يقوم بها كبار المسؤولين في البلدين بأهمية خاصة، من خلال تناول ملفات مختلفة في المنطقة والعالم، ما أعطى هذه العلاقات طابعاً مميزاً يدفعها إلى مستوى متقدم من التفاهم المشترك حيال القضايا السياسية العالمية والإقليمية، وتنسيق مواقف الدولتين حولها في المحافل الدولية، وشهدت العلاقات الثنائية بين البلدين تطوراً كبيراً في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية، وأثمرت إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم في شتى المجالات، من بينها: اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي واتفاقية الخدمات الجوية، والتي تكللت بافتتاح فرع جامعة السوربون، وإنشاء متحف اللوفر في أبوظبي.

مركز إقليمي

وتدرك القيادة الفرنسية أن الاهتمام في تطوير علاقاتها مع الإمارات ينبع من إيمانها الكامل بأن دولة الإمارات تمثل مركزاً إقليمياً مهماً لحركة التجارة والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط ومركز جذب لرؤوس الأموال من مختلف أنحاء العالم، علاوة عن ذلك ما تتميز به من أمن واستقرار في كل المجالات، وتعود العلاقات التجارية بين البلدين إلى العام 1958، حيث كانت شركة توتال الفرنسية إحدى الشركات العاملة مع شركة تطوير نفط أبوظبي المحدودة، وأولى شركات التنقيب عن النفط في الإمارات، إلى جانب أن الجمهورية الفرنسية تعتبر أحد الشركاء لدولة الإمارات في مجال التعاون النفطي.

مجلس

وثمة طموحات مشتركة بين البلدين حول مواصلة توسيع الشراكة الاقتصادية المتميزة بينهما، وذلك بناء على الشراكة الاستثمارية الواعدة، التي تم إطلاقها في ديسمبر 2021، حيث يحرص الجانبان على الاهتمام بتطوير التعاون الثنائي في المجالات ذات المصالح والقدرات المشتركة، ويشكل مجلس رجال الأعمال الإماراتي- الفرنسي، الذي أطلق خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى فرنسا في يوليو الماضي، تتويجاً لجهود القطاع الخاص في كل من دولة الإمارات، والجمهورية الفرنسية، ودليلاً على رغبة البلدين الصديقين في تطوير علاقتهما الاقتصادية، إذ يهدف المجلس إلى فتح آفاق جديدة، ورفع مستوى التعاون الثنائي في عدد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، بما يخدم أسواق البلدين، ويعد المجلس إحدى القنوات المهمة لتوسيع التعاون البناء بين مجتمعات الأعمال في البلدين.

وخلال الزيارة وقعت دولة الإمارات والجمهورية الفرنسية عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية، وتنمية آفاقها في مختلف المجالات الحيوية.

25 ألفاً

وتعد الجالية الفرنسية في دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر جالية فرنسية في دول الخليج العربي، حيث تضمّ أكثر من 25 ألف فرنسي مسجلين في سجل الفرنسيين المقيمين في الخارج، ويوجد 60 ألف طالب يدرسون اللغة الفرنسية في الدولة، يشكلون 12% من مجموع طلبة المدارس، وتم تشييد 6 مدارس فرنسية في دولة الإمارات، يدرس فيها ما يزيد على 10 آلاف طالب.

كما تعد فرنسا البلد المصنف في المرتبة الرابعة لاستقبال الطلبة الإماراتيين الدارسين فيها، فضلاً عن ذلك تضم الإمارات العديد من المنظمات المجتمعية والمدارس والمطاعم والأكاديميات الفرنسية في جميع أنحاء الدولة، ويمكن لمواطني دولة الإمارات دخول فرنسا بدون تأشيرة، ويسمح لهم بالبقاء فيها لمدة تصل إلى 3 أشهر.

التزام

ويواصل البلدان التزامهما تجاه توسيع وتطوير التعاون التاريخي بينهما، وفتح آفاق جديدة للتعاون في جميع المجالات، لتعزيز دورهما في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها.

الأكثر مشاركة