لم يتخيل يوماً رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي أن يحقق حلمه في الوصول للفضاء وأن يرفع اسم الإمارات والعرب عالياً على نطاق عالمي كما فعل اليوم بعد نجاح رحلته العلمية التي استغرقت 180 يوماً على متن محطة الفضاء الدولية، وحظيت بمتابعة دولية كأطول رحلة من نوعها لعالم عربي بالفضاء.  

وُلد النيادي في 23 مايو 1981 بمنطقة أم غافة التابعة لمدينة العين بأبوظبي، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي، ليكمل بعد ذلك دراسته بالمملكة المتحدة، ولحبه الشديد لوالده الذي يعمل بالقوات المسلحة، حرص النيادي على أن يسير على نفس خطى والده ليلتحق بالقوات المسلحة التي ابتعثته لدراسة هندسة الاتصالات، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في هندسة الاتصالات وتقنية المعلومات من جامعة برايتون. 

عاد النيادي لأرض الوطن ليبدأ مشواره المهني بين صفوف القوات المسلحة كمهندس اتصالات، إلا أن شغفه بالعلم والمعرفة دفعه للسفر إلى استراليا للحصول على شهادة الماجستير في العام 2008 في تخصص أمن المعلومات من جامعة "غريفيث" الأسترالية، ليعود مجدداً للعمل بصفوف القوات المسلحة مهندساً لأمن الشبكات.

لم يكتف النيادي بذلك بل حرص على استكمال دراسته في أمن المعلومات عائداً إلى استراليا في مهمة علمية استغرقت تلك المرة 5 أعوام، نجح في نهايتها في الحصول على الدكتوراه في تخصص منع تسريب المعلومات، ليتمكن بعد ذلك من نشر 6 أبحاث علمية في مواقع دولية. 

ووسط رحلاته العلمية والأكاديمية لم ينس سلطان النيادي شغفه بالفضاء وحلمه بتمثيل الإمارات في المحافل الدولية، ليتقدم بعد ذلك لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" في العام 2017 بهدف تدريب وإعداد فريق من رواد الفضاء الإماراتيين وإرسالهم إلى الفضاء للقيام بمهام علمية مختلفة.

وبموجب اتفاقية مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الروسية لتدريب رواد الفضاء الإماراتيين، تلقى النيادي تدريبات مكثفة بمركز "يوري جاجارين" لتدريب رواد الفضاء ليتم اختياره بعد ذلك من بين 4022 متقدمًا بعد اجتيازه سلسلة من الاختبارات الذهنية والجسدية في الإمارات وروسيا.

بعد ذلك خضع لتدريبات مكثفة لأكثر من 55 ساعة في مختبر الطفو المحايد التابع لوكالة ناسا بمركز جونسون للفضاء في هيوستن، بولاية تكساس، استعدادًا لمهمات السير في الفضاء، وخلال الفترة التي قضاها في مختبر الطفو المحايد، خضع النيادي لـ 9 جولات تدريبية، امتدت كل واحدة منها لنحو 6 ساعات، حيث قام بالتدرب على محاكاة السير في الفضاء تحت الماء باستخدام النموذج الكامل لمحطة الفضاء الدولية.

كما تمكن سلطان النيادي من اجتياز عدة تدريبات واختبارات بمختبر الطفو المحايد، وتقييمًا حول استخدام بدلة السير في الفضاء، وكيفية صيانة محطة الفضاء الدولية، إلى جانب تدريبات متخصصة في عمليات إنقاذ رواد الفضاء، وكذلك حصصاً تدريبية في كيفية التعامل مع حالات الطوارئ، ليحصل بعد ذلك على شارة رواد الفضاء من مركز جونسون للفضاء التابع لوكالة ناسا بعد إتمامه التدريبات العامة التي استمرت نحو 20 شهرًا. 

وفي صباح يوم 28 أبريل 2023 انطلق النيادي مع طاقم مهمة"كرو6" باتجاه محطة الفضاء الدولية، لتقلع مركبة الإطلاق "سبيس إكس"، التي تتكون من صاروخ فالكون 9 تعلوه كبسولة "كرو دراجون" من مركز كنيدي للفضاء التابع لوكالة الفضاء العالمية ناسا في كيب كنافيرال بولاية فلوريدا، لتبدأ رحلته مع عالم الفضاء ليشارك بنحو 200 تجربة علمية، خلال تواجده على متن محطة الفضاء الدولية ضمن رحلته التي استمرت ستة أشهر، حيث  جرت تلك التجارب العلمية بالتعاون مع وكالات فضاء عالمية وجامعات إماراتية.

 وتنوعت مجالات تلك التجارب على مجالات مختلفة، كزراعة النباتات، والعلوم الإنسانية، وتقنيات استكشاف الفضاء وسلوكيات السوائل وعلم المواد وإنتاج البلورات، وغيرها من التجارب العلمية المميزة، التي تفيد المجتمع العلمي العالمي والباحثين والطلاب داخل الإمارات وحول العالم.  

وفي صباح اليوم الرابع من سبتمبر 2023 عاد رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي في تمام الساعة 8:13 صباحاً بتوقيت الإمارات إلى الأرض بسلام داخل المركبة "دراجون" التي هبطت بالماء في جاكسونفيل بولاية فلوريدا الأمريكية، بعد رحلة ناجحة امتدت 6 أشهر بمحطة الفضاء الدولية ليسجل التاريخ اسم الإمارات بأطول مهمة فضائية في تاريخ العرب.