يشهد العالم تقدماً متسارعاً في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ غدت ركائز أساسية لتقدم البشرية، ويتجلى تقدم هذه التقنيات والابتكارات في مختلف جوانب حياتنا، ومنها الطب والرعاية الصحية، فما نشهده اليوم ليس مجرد تقدم مؤقت أو طفرة عابرة في العلوم الطبية، حيث إن فعالية هذه التقنيات وعمق تأثيرها يرسمان مساراً جديداً لمستقبل القطاع، بفضل الإمكانات اللامتناهية، التي تتخطى حدود القدرة البشرية. 

وأدت الابتكارات التكنولوجية إلى تحسين دقة التشخيص ورعاية المرضى، وتحسين نتائجهم العلاجية بشكل ملموس، ومهد دمج التكنولوجيا في القطاع الطبي الطريق نحو عصر جديد يتسم بالدقة والسرعة والكفاءة غير المسبوقة في تقديم خدمات الرعاية الصحية، ويعد دمج الروبوتات في العمليات الجراحية من أبرز التطورات، التي شهدها القطاع.

فعلى سبيل المثال أحدثت الجراحة بمساعدة الروبوتات تحولاً جذرياً في دقة وسلامة العمليات الجراحية المعقدة، وتسمح الأنظمة الروبوتية المتطورة للجراحين بإجراء العمليات بدقة غير مسبوقة، ما يقلل أوقات التعافي ويحسن النتائج العلاجية للمرضى، إذ أدى الدمج بين الخبرة البشرية وبراعة ودقة هذه الأنظمة الروبوتية إلى إحداث نقلة نوعية في هذا المجال.

تحولات نوعية

شهد مجال التشخيص تحولات نوعية مع ظهور أجهزة المراقبة الصحية المبتكرة وتقنيات التصوير المتقدمة، وتراقب هذه الأجهزة المرضى في الوقت الفعلي، كما توفر أيضاً بيانات معقدة ودقيقة تساعد في فهم حالة المريض بشكل شامل. وبفضل القدرة على الاستجابة بسرعة للتغيرات في الحالة الصحية للمرضى أدت هذه التقنيات إلى تحسينات ملموسة في جودة الرعاية الصحية.

وإضافة إلى ذلك أسهم التقدم في التصوير الطبي في تمكين المتخصصين في الرعاية الصحية من اكتشاف الأمراض في مراحل مبكرة، ما يتيح إجراء تدخلات في الوقت المناسب، ووضع خطط علاجية أكثر فعالية.

ويمتد تأثير هذه الطفرات التكنولوجية إلى ما هو أبعد من الإجراءات أو التشخيصات المعزولة، فقد غدت جزءاً لا يتجزأ من النهج الشامل للرعاية الصحية، بفضل دمجهما بسلاسة في مختلف جوانب الممارسات الطبية، وبدءاً من العمليات الجراحية الأكثر دقة وانتهاء بالمراقبة في الوقت الفعلي والكشف المبكر عن الأمراض، تعمل هذه الابتكارات معاً على تعزيز الجودة الشاملة للخدمات الطبية. 

الذكاء الاصطناعي

أدَى ظهور الذكاء الاصطناعي إلى إعادة تشكيل ملامح قطاع الرعاية الصحية، بفضل قدرته على معالجة كميات ضخمة من البيانات الطبية، وعليه فقد غدا عامل تمكين لا غنى عنه لمتخصصي الرعاية الصحية، ما أحدث نقلة في سبل إجراء التشخيص والعلاج ورعاية المرضى.

وأثبت دمج الذكاء الاصطناعي في القطاع الطبي جدواه في مساعدة الممارسين الطبيين على اتخاذ قرارات مدروسة، وبفضل قدرتها على التنقل بين مجموعات هائلة من البيانات الطبية بكفاءة غير مسبوقة تمكن هذه التقنية الأطباء من تمييز الأنماط المعقدة والعلاقات المتبادلة، التي قد تستعصي على الملاحظة البشرية، ويؤدي ذلك إلى زيادة دقة التشخيص وتحسين استراتيجيات العلاج، ما يؤدي إلى رعاية صحية أكثر دقة وتخصيصاً.

وتكمن أهمية الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية في نجاحه بتوظيف تقنيات التعلم الآلي للتنبؤ بالأمراض بدقة ملحوظة، والكشف عن شبكة معقدة من العوامل، التي تؤثر في انتشارها وتطورها، ويتيح ذلك تقديم رعاية صحية شخصية ومستهدفة، حيث يمكن تخصيص العلاجات بناء على استجابة الفرد وخصائصه الفريدة.

مستقبل مستدام

يتشابك المسار نحو مستقبل مستدام وصحي بشكل معقد مع تطور التكنولوجيا، وظهور الذكاء الاصطناعي، وتؤدي هذه الابتكارات بشكل متزايد أدواراً محورية في إعادة تشكيل مختلف المجالات، وفي مقدمتها الرعاية الصحية والطب، وتسهم في رسم معالم مستقبل واعد للبشرية.

ومع ذلك، وبينما نمضي بخطى متسارعة نحو هذا المستقبل من الضروري أن ننسج توازناً دقيقاً بين التكنولوجيا وجوهر الطبيعة البشرية، فلا يمكننا تصور مستقبل صحي مستدام دون التركيز على التكامل الأخلاقي للتكنولوجيا والاستخدام المسؤول لإمكاناتها. 

ونظراً للدور الجوهري للمعرفة في تقدم البشرية يسهم اكتساب وتراكم المعارف في دفع عجلة التطور التكنولوجي وتعزيز دور التكنولوجيا في القطاع الطبي، ويسهم ذلك في رفع جودة الرعاية الصحية وتعزيز الصحة العامة، ويضع الأساس لمستقبل صحي مستدام. ومن شأن دمج التكنولوجيا والخبرة الطبية أن يفضي إلى تحسين العلاجات وإتاحتها لجميع فئات المجتمع بصورة تتخطى الحدود الجغرافية والفوارق الاقتصادية.

وبينما نخطو نحو هذا المستقبل من المهم أن نتذكر أن الهدف النهائي ليس مجرد التقدم التكنولوجي، بل تحسين حياة البشر. إن تحقيق هذا التوازن المتناغم بين الابتكار والتعاطف في الرعاية الصحية سيحدد المسار نحو مستقبل لا تكون فيه الرفاهية مجرد امتياز، بل حقاً عالمياً للبشرية جمعاء.

تحديات وفرص

تشكل مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة شعلة تنير الدرب نحو نشر المعرفة ودفع عجلة الابتكار، ويعد تركيز المؤسسة على البحث العلمي بناء أساسياً للتقدم في مختلف التخصصات، من التكنولوجيا إلى الرعاية الصحية، والاستدامة، وغيرها، ومن خلال تعزيز بيئة ملائمة للبحث والتطوير فإنها تدفع إلى إيجاد حلول رائدة للتحديات الأكثر إلحاحاً في العالم.

ويتجلى تفاني مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في تمكين التغيير، من خلال المعرفة في دعمها للباحثين والعلماء والمبتكرين، وتشكل المؤسسة منصة تشجع التعاون والمشاركة ونشر المعلومات وتسهيل تبادل الأفكار والخبرات.

أطلقت المؤسسة مجموعة من الجوائز، أبرزها جائزة محمد بن راشد للمعرفة، بهدف تشجيع المعنيين والعاملين في مجال المعرفة، وتحفيزهم على الإبداع والابتكار في تطوير مسارات نقل ونشر وتنمية المعرفة حول العالم، وتعد هذه الجائزة المرموقة شهادة على التزام مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بتكريم الأفراد والمنظمات والمبادرات، التي تتفوق في المجالات المرتبطة بالمعرفة.

حيث تسير هذه الجائزة على نهج الرؤية السديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. وتشكل الجائزة إحدى المنصات الرائدة عالمياً للاحتفاء بالتميز المعرفي والعلمي والبحثي، حيث تعنى بتكريم الإنجازات المعرفية العالمية، وتشجيع البحث العلمي والتطوير والابتكار، ويغطي نطاقها عدة فئات، ومن ضمنها العلم والتعليم والتكنولوجيا، والابتكار، والمعرفة.

قصص نجاح

وتسلط الجائزة الضوء على قصص نجاح مختلف المؤسسات والأفراد، الذين أثرت إنجازاتهم البشرية جمعاء، وارتقت جهودهم الدؤوبة بالمعرفة على مستوى العالم، وتعد الجائزة اليوم أحد أبرز المحافل العالمية لتكريم أصحاب الإنجازات المعرفية المشهودة، وإلهام أجيال جديدة من رواد العلم والمعرفة للمضي قدماً في مواجهة تحديات اليوم ورسم ملامح الغد.

وفي سياق التزامها بتشجيع السعي وراء المعرفة وتشجيع البحث العلمي وتوظيف التكنولوجيا كرمت الجائزة ثلاثة علماء رائدين، تقديراً لجهودهم وإسهاماتهم المميزة في مجال إنتاج ونشر المعرفة على مستوى العالم، لا سيما دورهم البارز في تطوير لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال ولقاحات فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة النوع 2 (SARS-COV-2).

ويمتد تأثير مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية، وقد حظيت مبادراتها بتقدير دولي واسع، وجذبت اهتمام ومشاركة القادة والخبراء والرواد العالميين في مختلف المجالات، ومن خلال إنشاء شبكات وشراكات في جميع أنحاء العالم تعمل المؤسسة على تضخيم تأثيرها، والمساهمة بشكل كبير في تقدم المعرفة الإنسانية.