تعتبر منطقة «وم» واحدة من أهم المناطق في إمارة الفجيرة لكونها زاخرة بالآثار، حيث لا تزال مساكن الأجداد التي تعود لمئات السنين شاهداً على استراتيجية الدولة بشكل عام، وإمارة الفجيرة بشكل خاص، في الحفاظ على الكنوز التاريخية والتراثية.

ويحرص الأهالي على إبقاء المنطقة بشكلها الأصلي لكونها موروثة من آبائهم، خصوصاً تلك المنازل التي تجاوز عمرها 400 عام، وهي شاهد على همة القدماء والصعاب التي واجهوها في بنائها من الصخور الجبلية والطين، وكذلك الصاروج، وهو المادة القوية التي تحفظ المكان لمئات السنين وتصنع من مواد من البيئة المحيطة، وكانت المنطقة تتمتع بجمال خلاب.

حيث النخيل والأفلاج التي تجري فيها المياه العذبة، بالإضافة إلى الآبار، لذلك كانت المنطقة غنية بزراعة التمور والقمح والشعير وتربية النحل، كما كان الأهالي يستفيدون من الحطب في صنع الفحم.

عبق الماضي

هزاع بن علي الحفيتي، أحد أبناء تلك المنطقة، وقد ورثت أسرته بيتاً أثرياً من تلك المساكن التي بنيت بعد مشقة كبيرة، ولذلك يحرص على الحفاظ ليس فقط على منزلهم، وإنما على تلك المنطقة لأنها بنيت في زمن لم تكن تتوفر فيه وسائل حديثة تسهل عملية البناء.

وهو يرى أن عبق الماضي هو عطر الحاضر، ورغم انتقال الأهالي لمساكن حديثة، إلا أن تلك المنطقة غالية على نفوسهم ويفخرون باستدامة التراث فيها، ولا يزال هزاع يسكن بالقرب من مساكن الأجداد، ويجد نفسه شغوفاً ومسؤولاً عنها، كما كان جده من طرف والده مسؤولاً في المنطقة، حيث اعتاد على توافد الأهالي إلى منزله للضيافة والاستشارات ونقل مطالبهم إلى الحكومة.

وقد كبر الحفيتي وهو يلتقط تلك الأخبار والمعلومات التاريخية، وبما أن الأهالي يحرصون على عاداتهم الأصيلة المتوارثة، وجد نفسه حريصاً أيضاً على تتبع تاريخ المنطقة وحفظ ما يروى عنها، كما أصبح عاشقاً للمقتنيات التراثية مذ كان صغيراً، خصوصاً أن تاريخ المنطقة يعود بحسب علماء الآثار إلى 700 عام.

ولذلك هو محتفظ بقطع تعود إلى جيل الأجداد ولا يمكن أن يفرط فيها، حتى تستمر في المنطقة ذاتها ولا تنتقل إلى مكان آخر، وهو يحاول دائماً أن يستشعر معيشة الأهالي وظروفهم الحياتية.

حفظ الموروث

يقول هزاع الحفيتي إن الأهالي ما زالوا يزورن تلك المساكن، خصوصاً في ظل اهتمام حكومة دولة الإمارات بكل ما يتعلق بالتراث والماضي من خلال الكثير من المساعي وبرامج الاستدامة، وكذلك تحث إمارة الفجيرة أبناءها على الحفاظ على ما توارثوه من الأجداد.

ويضيف الحفيتي: لذلك يحرص الآباء اليوم على تعريف أبنائهم وأحفادهم بتاريخ المنطقة وما تزخر به من جمال، ليشعروا بالفخر بما أنجزه الأجداد من أجل العيش والشعور بالأمان وسط الجبال عندما لم تكن هناك طاقة كهربائية أو طرق معبدة أو وسائل تواصل، فكل شيء كان صعباً، ولكن كان الرضا بالحياة والافتخار بالموروث هو ما يشكل حلقات من التماسك المجتمعي والتكافل في سبيل حفظ المكتسبات.