تنال قضايا التغيّر المناخي وتداعياته على العالم حيزاً مهماً من فعاليات القمة العالمية للحكومات، وذلك استمراراً لجهود الدورات السابقة من القمة في أهمية الارتقاء بالجهود.

وحشد الرأي العالمي، للمحافظة على استدامة الموارد، خصوصاً في ظل ما يواجه عالمنا المعاصر من تحديات غير مسبوقة نتيجة الظواهر المناخية التي باتت أكثر تطرفاً في العالم.

وتوضح القمة خلال مناقشاتها لقضايا التغير المناخي أن هذه الظواهر غدت واحدة من أصعب التحديات العالمية على المدى الطويل، ويكمن تعقيد هذه الظواهر في كونها ناتجة عن تفاعلات معقدة بين العوامل البيئية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وغيرها، مع الإشارة إلى أن العالم يعيش مرحلة حاسمة، تفرض اتخاذ إجراءات إيجابية للتصدي للآثار الضارة للتغيّر المناخي..

كارتفاع درجات الحرارة عالمياً، وتغير أنماط الطقس، وارتفاع مستوى البحار والفيضانات والجفاف والتصحر وغيرها، وأمام هذه التداعيات ليس أمام المجتمع الدولي سوى تضافر الجهود والعمل يداً بيد، وفق رؤية عالمية مشتركة لإيجاد حلول عملية لهذه المشكلة، التي تهدد الكوكب بأكمله.

أزمة المناخ

وأطلقت القمة العالمية للحكومات في تقرير نشرته إنذاراً عاجلاً حول أزمة المناخ القادمة، مشيرة فيه إلى أنه على الرغم من الانخفاضات الزمنية في انبعاثات الكربون خلال جائحة «كوفيد 19»، إلا أن العالم يقترب بسرعة من نقطة لا رجعة فيما يتعلق بالاحتباس الحراري العالمي، إذ حذرت لجنة الأمم المتحدة لتغير المناخ وغيرها من الجهات من أن الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية يتدهور، وأن هناك ميزانية محددة من الكربون متبقية حتى عام 2050، والوضع يبدو محطماً.

وأوضح التقرير أنه على الرغم من تدهور الأوضاع إلا أن هناك شعاعاً من الأمل، فالعديد من البلدان، التي تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وانبعاثات الكربون، قد التزمت بتحقيق صافي الصفر من الانبعاثات بحلول نهاية عام 2022، وهناك أيضاً تركيز متزايد على تنفيذ حلول التغير المناخي.

حيث دأبت أكثر من 700 شركة مدرجة عامة رئيسية على تحقيق صافي صفر من الانبعاثات، من خلال اتباعها نهجاً متعدد الجوانب، بما في ذلك اعتماد التكنولوجيا الجديدة، وتأمين التمويل لمشاريع الحد من الانبعاثات، وبناء القدرات الضرورية، وإظهار القيادة الجريئة، وسلط التقرير الضوء على الحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات سريعة ومنسقة على الصعيدين العالمي والمحلي لمكافحة تغير المناخ، وتحقيق مستقبل مستدام بصافي الصفر.

تكاليف الطاقة

وسلطت القمة العالمية للحكومات الضوء على مجموعة من الحلول للوصول للحياد المناخي في مختلف المجالات، فعلى مستوى المنشآت أكدت أنه ينبغي على المنشآت تطوير قدراتها الخاصة بالنقل والتوزيع، وكذلك تطوير منتجاتها وخدماتها حتى تواكب النطاق الأوسع للتحول الأخضر، وعلى سبيل المثال سيتعين على المرافق أن تقوم بتخطيط برامجها الخاصة بالبنية التحتية لتناسب التوسع في استخدام السيارات الكهربائية وأجهزة المنازل الذكية.

كما ستحتاج المنشآت إلى المناورة في طريقها نحو تعويض الانبعاثات الكربونية، بينما تتعامل مع الوقت نفسه مع تحدي التغير المناخي، الذي يختبر مدى تحمل الأنظمة، والضغوط من جانب المتعاملين فيما يتعلق بالقدرة على تحمل تكاليف الطاقة وتوافرها وتقلب الأسعار، ولدعم الشركات في هذه المرحلة المكلفة والمعقدة يجب أن تقوم الحكومات والمؤسسات المالية بوضع سياسات تساعد على تسهيل عملية التحول نحو الحياد المناخي.

وعلى سبيل المثال تعمل الحكومة الهندية على وضع مجموعة من السياسات الخاصة بالهيدروجين الأخضر وطاقة الرياح البحرية والسيارات الكهربائية وشراء الطاقة الخضراء، وفي الوقت نفسه توقفت بعض البنوك مثل بنك التنمية الأسيوي عن تمويل المشاريع، التي تعمل بالفحم في جنوب شرق آسيا.

وسائل النقل

أما في قطاع الصناعة فبدأت العديد من شركات التصنيع الكبرى رحلتها نحو إزالة الكربون، إذ وضعت الشركات الرائدة أهدافاً جريئة لخفض الانبعاثات، واتبعت نهجاً شاملاً للنظام البيئي الكامل، وشجعت نمو الأعمال الجديد ومن بين الشركات البارزة في هذا القطاع شركة شنايدر إلكتريك الفرنسية متعددة الجنسيات، وعملاق التصنيع الألماني سيمنز.

ويعتبر تطبيق التكنولوجيا المناسبة عبر سلسة القيمة الصناعية أمراً بالغ الأهمية من أجل الوفاء بالتزامات تحقيق الحياد المناخي، التي وضعتها الشركات الصناعية الكبرى، وبشكل أدق يعتبر التميز التشغيلي واستخدام تقنيات خفض البصمة الكربونية عاملين أساسيين لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة في عمليات التصنيع، التي تشكل نحو 23% من إجمالي إنتاج الغازات الدفيئة في هذا القطاع.

وأشارت القمة العالمية للحكومات إلى أن قطاع النقل يشكل 16.2% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، خاصة تلك الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري المستخدم في تشغيل وسائل النقل، علاوة على ذلك لا يزال القطاع يعتمد على المنتجات النفطية للحصول على 91% من احتياجاته النهائية من الطاقة النهائية بانخفاض ثلاث نقاط مئوية فقط عن النسبة في أوائل السبعينات.

قطاع الطاقة

وكانت جائحة «كوفيد 19» بمثابة هدنة قصيرة، لكن في عام 2021 أشارت الوكالة الدولية للطاقة إلى أن انبعاثات ثاني الكربون من قطاع النقل قد زادت عالمياً لتقترب من 7.7 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون في 2020، ينتج 78% منها من النقل البري، و65% منها من سفر الركاب و35% من الشحن البحري، بينما تشكل صناعة الطيران 9.5% من إجمالي انبعاثات قطاع النقل، يأتي 81% منها من سفر الركاب، و19% من الشحن الجوي.

ويشكل النقل البحري والسكك الحديدية 11.2% و1.2% من الانبعاثات على التوالي، وسيكون الخفض الكبير للانبعاثات الناتجة عن قطاعات الطرق والنقل البحري والجوي في قطاع النقل عاملاً أساسياً للوصول إلى تحقيق أهداف الحياد المناخي.

وذكرت القمة أن قطاع النفط والغاز يعتبر المساهم الأكبر في انبعاثات الغازات الدفيئة، وأشارت تقديرات حديثة صادرة عن وكالة الطاقة الدولية إلى أن انبعاثات الناجمة عن إنتاج ونقل ومعالجة النفط والغاز وصلت إلى 5.1 مليارات طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2019.

وبنفس القدر من القلق بلغت انبعاثات الغاز الدفيئة غير المباشرة الناتجة عن عمليات النفط والغاز حالياً نحو 5200 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون أو ما يعادل نحو 15 % من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن قطاع الطاقة، ولتحقيق الحياد المناخي ينبغي خفض الانبعاثات الناتجة عن صناعة النفط والغاز بنسبة كبيرة جداً تتراوح بين 45% و50% بحلول 2030، وهو تحد هائل، لكن هناك العديد من مبادرات إزالة الكربون، التي يجري تنفيذها بأساليب استراتيجية مختلفة.

جهود رائدة

ويأتي تركيز القمة العالمية للحكومات على قضايا التغير المناخي والاستدامة انسجاماً مع جهود دولة الإمارات، والأولوية التي منحتها للحفاظ على البيئة، والإسهامات التي تقوم بها محلياً ودولياً لتقليل آثار التغير المناخي، حيث وعت هذا التأثير مبكراً، وبذلت جهوداً رائدة عالمياً في العمل من أجل المناخ بشكل عام، وهو ما أكسبها ثقة العالم وجعلها تقود جهوداً طموحة لحشد الرأي العالمي وتحقيق نتائج تاريخية من أجل المناخ في مؤتمر «كوب 28»، الذي استضافته مؤخراً.

ومحلياً أسهمت المبادرات والسياسات، التي أطلقتها حكومة دولة الإمارات في تحقيق العديد من المنجزات البيئية، والتي يأتي على رأسها خفض انبعاثات الغازات الدفيئة عبر مختلف القطاعات خلال الأعوام من 2019 وحتى 2021 بنسبة 10%، وخفض كثافة انبعاثات الغازات الدفيئة على أساس الفرد، خلال الفترة ذاتها بنسبة 11%.

الحياد المناخي والتوسّع في الطاقة المتجددة من أهم الأهداف البيئية للقمة

55 %

أوضحت القمة العالمية للحكومات أن التمويل الخاص يمثل نحو 55% من الاستثمارات السنوية اللازمة لتمويل عملية التحول إلى الحياد المناخي، التي تبلغ 6.500 مليون دولار، وستكون البنوك التجارية من أكبر المساهمين فيه.
 
وذلك وفقاً لسيناريو الحياد المناخي لعام 2050 الخاص بشبكة النظام المالي الأخضر الدولية، ومن المعتقد أنه قد تم توزيع ما يقل عن 5% من هذا المبلغ اليوم، وتخطط أكثر السيناريوهات تفاؤلاً إلى توزيع 70% فقط من التمويل المطلوب على الإطلاق.

30 %

أشارت القمة العالمية للحكومات إلى أن التدابير التحفيزية التي تقدمها البنوك المركزية، مثل خفض التكلفة الرأسمالية للتمويل الأخضر، لا تحقق تأثيراً ملموساً، ولن تصبح مستدامة إذا تم تطبيقها على السوق بأكملها، ومن أجل موازنة الصورة القاتمة ينبغي أن نضع في الاعتبار أنه من المتوقع أن يمثل التمويل اللازم لتحقيق الحياد المناخي ما يقرب من 30% من التمويل المصرفي بحلول 2050، وربما أكثر من ذلك بالنسبة لبعض القطاعات مثل قطاع الطاقة النقل.
 
39

حازت دولة الإمارات المركز الأول إقليمياً في مؤشر الأداء البيئي لعام 2022، متقدمة إلى المرتبة 39 عالمياً، مقارنة بالمرتبة 77 في عام 2018، كما حققت الدولة المركز الثاني عالمياً في تحول الطاقة في مؤشر المستقبل الأخضر العالمي 2023 «GFI»، والسادس عالمياً في معدل استهلاك الطاقة الشمسية للفرد وفق تقرير المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية الصادر عن معهد الطاقة بالمملكة المتحدة، واستثمرت الإمارات أكثر من 50 مليار دولار في مشروعات الطاقة النظيفة في 70 دولة خلال المرحلة الماضية.

62 %

تسعى دولة الإمارات إلى تعزيز النتائج الإيجابية في مجال البيئة والتغيّر المناخي، من خلال مستهدفاتها الوطنية الطموحة الرامية إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 19% في العام 2030، وبنسبة 62% العام 2040، وصولاً إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول العام 2050، كما تستهدف الدولة مضاعفة مساهمة الطاقة المتجددة بـ (3) أضعاف، وضخ استثمارات وطنية تتراوح بين 150 و200 مليار درهم في قطاع الطاقة المتجددة، خلال السنوات الـ7 المقبلة.