استشراف الإمارات للمستقبل يعزز ريادتها في الذكاء الاصطناعي

يشكل الذكاء الاصطناعي والآفاق المستقبلية الجديدة في القمة العالمية للحكومات 2024 محوراً أساسياً للنقاش، وينسجم ذلك مع توجه دولة الإمارات العربية المتحدة وإنجازاتها المتفردة في هذا المجال التقني.

فاستشراف الإمارات للمستقبل عزز ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تصدرت عربياً وحلت في المركز الثامن والعشرين عالمياً حسب تصنيف «تورتواز ميديا»، وهذا الإنجاز وغيره من الإنجازات كان ثمرة استراتيجية متكاملة تركز على تطوير الكفاءات، والبنية التحتية المتقدمة، وإنجاز بيئة تشغيلية محفزة، إضافة إلى الدعم القوي للبحث والتطوير، ما مكن الدولة من تبوؤ مكانة ريادية في هذا المجال الحيوي.

فرص هائلة

ويوفر الذكاء الاصطناعي فرصاً هائلة للنمو والتطور في مختلف القطاعات من الرعاية الصحية والخدمات المالية والتصنيع وصولاً إلى الترفيه والطاقة والنقل، كما تتيح تقنياته المختلفة إمكانات جديدة لتحسين المنتجات والخدمات، وتخصيصها وفق مختلف الاحتياجات، ما يؤدي إلى تحقيق مكاسب كبيرة وخفض تكلفتها، وزيادة معدل استخدامها بحلول عام 2030.

وبحسب التقرير الصادر عن مؤسسة دبي للمستقبل خلال أعمال القمة العالمية للحكومات 2023، «الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023»، فإنه من المتوقع أن تبلغ قيمة سوق الذكاء الاصطناعي، بما فيها سوق البرمجيات والأجهزة والخدمات، نحو 900 مليار دولار بحلول عام 2026، أي بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 19 %، مع العلم أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومشاريع تطويرها واختبارها واعتمادها، تحقق ثالث أعلى معدل نمو سنوي، بعد خدمات تقنية المعلومات.

ووفقاً للتقرير يعد التمويل من أهم العوامل التي تساعد في دعم الابتكار، وتوسيع أعمال الشركات الناشئة وصولاً لتحول بعضها إلى شركات مليارية (أي تتجاوز قيمتها المليار دولار)، سواء كان مصدر التمويل الشركات الاستثمارية أو التمويل الجماعي أو التبرعات أو صناديق الاستثمار المجتمعية، وقد أفاد التقرير أن أكثر من 1150 شركة مليارية توجد واحدة منها على الأقل في 47 دولة حول العالم، بينما تحتل الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند المراتب الثلاث الأولى من حيث عدد الشركات المليارية، إذ تمتلك الولايات المتحدة 612 شركة، والصين 174 شركة، بينما توجد 65 شركة مليارية في الهند.

استراتيجية واعدة

وتأسيساً على هذه الركائز، أطلقت حكومة الإمارات في أكتوبر 2017 «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي»، التي جاءت بوصفها خطوة مهمة نحو تحقيق أهداف «مئوية الإمارات 2071»، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100 % بحلول عام 2031.

والارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة، وأن تكون حكومة الإمارات الأولى في العالم في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، وخلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية.

إضافة إلى دعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، إضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير واستثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى، واستثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة.

قطاعات حيوية

وشملت الاستراتيجية قطاعات حيوية في الدولة، منها قطاع النقل من خلال تقليل الحوادث والتكاليف التشغيلية، وقطاع الصحة من خلال تقليل نسبة الأمراض المزمنة والخطيرة، وقطاع الفضاء بإجراء التجارب الدقيقة وتقليل نسب الأخطاء المكلفة، وقطاع الطاقة المتجددة عبر إدارة المرافق والاستهلاك الذكي، إلى جانب قطاع المياه عبر إجراء التحليل والدراسات الدقيقة لتوفير الموارد.

وقطاع التكنولوجيا من خلال رفع نسبة الإنتاج والمساعدة في الصرف العام، وقطاع التعليم من خلال التقليل من التكاليف وزيادة الرغبة في التعلم، وقطاع البيئة عبر زيادة نسبة التشجير وزراعة النباتات المناسبة، وقطاع المرور عبر تطوير آليات وقائية كالتنبؤ بالحوادث والازدحام المروري، ووضع سياسات مرورية أكثر فاعلية.

وحملت الاستراتيجية جملة أهداف، أبرزها تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، بما يشمل النقل، والصحة، والفضاء، والطاقة المتجددة، والمياه، لتحسين الخدمات وزيادة الكفاءة، إضافة إلى ذلك تستهدف الاستراتيجية تسريع الإنجازات الحكومية، وخلق بيئات عمل مبتكرة، وتحقيق الريادة العالمية في استثمار الذكاء الاصطناعي.

بينما غطت محاورها الخمسة بناء فريق عمل الذكاء الاصطناعي، وتشكيل مجلس الذكاء الاصطناعي للدولة، وإنشاء فرق عمل مع الرؤساء التنفيذيين للابتكار في الجهات الحكومية، وتفعيل العديد من البرامج والمبادرات وورش العمل في جميع الجهات الحكومية حول الآليات التطبيقية للذكاء الاصطناعي، وتنظيم قمة عالمية سنوية.

وإطلاق المسرعات الحكومية للذكاء الاصطناعي، وتنمية قدرات القيادات الحكومية العليا في مجال الذكاء الاصطناعي، ورفع مهارات جميع الوظائف المتصلة بالتكنولوجيا، وتنظيم دورات تدريبية للموظفين الحكوميين، وتوفير 100 % من خدمات الخط الأول للجمهور من خلال الذكاء الاصطناعي، ودمج الذكاء الاصطناعي بنسبة 100 % في الخدمات الطبية، والأمنية الخاصة بتحديد الهوية، وزيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الوظائف الروتينية.

محطات محورية

وجاء اعتماد مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لاستراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 مكملاً للنهج الذي اختطه لجعل دولة الإمارات رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2031، ساعية بذلك لتطوير منظومة متكاملة توظف الذكاء الاصطناعي في المجالات الحيوية للدولة.

8 أهداف استراتيجية

وتضم الاستراتيجية الوطنية ثمانية أهداف استراتيجية وعدداً من المبادرات والتوجهات الهادفة لتوظيف الذكاء الاصطناعي وإسهامه في تطوير مجالات حيوية مثل التعليم والاقتصاد وتطوير الحكومة وسعادة المجتمع، بينما يشرف على تنفيذ الاستراتيجية مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية بالتعاون مع الشركاء والجهات المحلية والاتحادية في دولة الإمارات.

وتشمل أهداف الاستراتيجية ترسيخ مكانة الدولة بوصفها وجهة للذكاء الاصطناعي وزيادة تنافسيتها في القطاعات ذات الأولوية عبر تطوير الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطوير منظومة خصبة للذكاء الاصطناعي، واعتماده في مجال خدمات المتعاملين وتحسين مستوى المعيشة وأداء الحكومة.

واستقطاب وتدريب المواهب على الوظائف المستقبلية التي سيمكنها الذكاء الاصطناعي واستقطاب القدرات البحثية الرائدة عالمياً للعمل في القطاعات المستهدفة، وتوفير البيانات والبنية التحتية الأساسية الداعمة لتصبح بمثابة منصة اختبار للذكاء الاصطناعي، إلى جانب ضمان الحوكمة الفعالة والتنظيم الأمثل.

وترتكز الاستراتيجية ضمن توجهاتها على الاستفادة في المرحلة المقبلة من الأصول المادية والرقمية في إطار اعتماد واختبار الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عدد من القطاعات ذات الأولوية في المرحلة الحالية، والمتمثلة في الموارد والطاقة، والخدمات اللوجستية والنقل، والسياحة والضيافة، والرعاية الصحية، والأمن الإلكتروني، التي يتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق مكاسب وتغييرات جذرية بها.

كما تضمنت الاستراتيجية خطة لبناء علامة تجارية راسخة لدولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال أنشطة الذكاء الاصطناعي التي ستؤدي لجعل دولة الإمارات منصة اختبار لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتقديم خدمات معززة بتكنولوجيا متطورة، إلى جانب برامج للتدريب والتأهيل وتبني المواهب والأبحاث وتطوير البيانات والحوكمة.

وجاء إنشاء مجلس للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة بهدف تطوير السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بمجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في أبوظبي، ودعم استراتيجية أبوظبي الهادفة إلى جعل الإمارة مركزاً جاذباً للاستثمارات والشراكات والكفاءات المتميزة في هذا القطاع.

كما يضطلع المجلس بمهام وضع خطط وبرامج تمويلية واستثمارية وبحثية مع شركاء محليين وعالميين، لتعزيز مكانة أبوظبي في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وذلك لغايات تعزيز وضمان مسيرة التطور والازدهار في اقتصاد مرحلة ما بعد النفط والهيدروكربونات.

ولا شك أن توجه القيادة الرشيدة يعكس رؤيتها الاستشرافية من خلال تعيين المجلس الاستشاري للذكاء الاصطناعي، وإصدار قانون حكومي بشأن الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي، وتطوير أول وثيقة عالمية لتحديد الضوابط الضامنة للاستخدام الآمن والسليم للذكاء الاصطناعي.