شكلت القمة العالمية للحكومات على مدار دوراتها الماضية منصة جامعة لاستشراف مستقبل التعليم، وركزت على أولوية تطوير التعليم والتعلم والعمل كأمر أساسي في تحقيق التغييرات للأجيال القادمة، وأهمية تكيف الحكومات مع الظروف والتغيرات السريعة في القوى العاملة والقطاعات التعليمية لدعم الفكر الجديد ونماذج العمل والتنمية الوطنية وتطوير المهارات.

وأكدت القمة أهمية بناء نظم تعليم أكثر مرونة ورشاقة، تتجاوز مفاهيم القرن الماضي، وأن تتبنى الحكومات وقادة التعليم العالي نظرة بعيدة المدى، تحقق فيها أنظمة التعليم توازنا بين المتطلبات التكنولوجية والمهنية الحالية والمهارات الدائمة مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والابتكار والذكاء العاطفي والقدرة على التكيف والقيادة.

وحرصت القمة على تعزيز الحوار الدولي حول أبرز التوجهات العالمية في القطاعات الحيوية التي تسهم في بناء توجهات المستقبل، ووضع سياسات واستراتيجيات وخطط مستقبلية تعزز جاهزية الحكومات ومرونتها للمرحلة التالية من التطور، بمشاركة نخبة من القادة والخبراء والمتخصصين، في مختلف جوانب تطوير مستقبل التعليم وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتطوير المنظومة، بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل الحالي والمستقبلي.

من جانبهم، أفاد تربويون بأن القمة العالمية للحكومات ناقشت 8 محاور رئيسية خلال السنوات العشر الماضية في قطاع التعليم كان لها الأثر الكبير في قيادة قاطرة تطوير التعليم والنهوض بالقطاع من أجل بناء الغد، وتتمثل هذه المحاور في رؤية القيادة الرشيدة للدولة التي دعمت تحول التعليم، والاستثمار الكبير في التكنولوجيا لتعزيز تجربة التعلم.

وتعزيز التعليم الشامل والشمولي لضمان وصول جميع الطلاب إلى فرص التعلم، وتطوير مهارات المستقبل التي تساعد الطلاب على التكيف مع سوق العمل المتغير، وتشجيع الابتكار والبحث والتطوير في مجال التعليم، وتعزيز التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات التعليمية والأكاديمية العالمية، وتحفيز الشغف والرغبة في التعلم لدى الطلاب، بالإضافة إلى التحول الرقمي الشامل في نظام التعليم.

ومن خلال هذه المحاور الرئيسية، سعت الإمارات إلى تعزيز التعليم ركيزة أساسية لبناء المستقبل وتحقيق رؤيتها في تحويل البلاد إلى مركز عالمي للمعرفة والتعليم، ومن المتوقع أن يسفر هذا التركيز القوي على التعليم في دورتها عن تحسين جودة التعليم وتمكين الأجيال القادمة من مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة وثقة.

محور استراتيجي

وقال الدكتور خليفة السويدي، الأمين العام المدير التنفيذي في مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية والتربوية: إن القمة العالمية للحكومات كان لها أكثر من هدف، واتخذت قطاع التعليم كمحور استراتيجي منذ بدايتها، وتعتبر اليوم الإمارات بشكل عام، ودبي تحديداً، نموذجاً للحكومة المستقبلية، إذ يتم التركيز على الحاضر ومراقبة المستقبل.

وأشار إلى الأولوية المُعطاة للتعلم والعمل في تحقيق التغييرات للأجيال القادمة وتطويرها، وتكيف الحكومات مع الظروف والتغيرات السريعة التي تحدث في العالم، والتي بلا شك، ستؤثر على العملية التعليمية بشكل عام، حيث أصبح التعليم مرتبطاً بالتكنولوجيا، بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي ومهن المستقبل، نظراً لتلاشي بعض المهن القديمة وارتباطها بالاقتصاديات المستقبلية.

لذلك حرصت القمة على مناقشة العديد من المهارات التي يجب أن يتم تضمينها في المناهج الدراسية أو في المنظومة التعليمية ككل وذلك لضمان مواكبة التطور المستمر.

وتابع: «من أهم الأشياء التي أضافتها القمة العالمية للحكومات للزائر هي رؤية حكومات المستقبل وتفكير جديد وتقديم خدمات جديدة لم تكن متاحة من قبل في سوق العمل. وبالتالي فإن الزائر ليس مجرد مستمع لعبارات وشعارات، بل يعيش تجربة حقيقية لحكومة شابة تعرف كيف تتعامل مع المستقبل».

من جانبه، قال الدكتور عيسى صالح الحمادي، مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج: إن القمة العالمية للحكومات تعتبر ملتقى سنوياً لأبرز الأفكار الريادية والابتكارية في العالم، بهدف بناء الحضارة الإنسانية بفكر عصري يلبي احتياجات المستقبل، ومن هنا تأتي أهمية ومكانة هذه القمة، التي أصبحت منصة عالمية لتبادل الأفكار الابتكارية في جميع المجالات التي تسهم في تطوير وتحسين جودة الحياة.

وأوضح الدكتور الحمادي أن دولة الإمارات وضعت سياسات الابتكار لتعزيز ثقافة الابتكار وتشجيع الاستثمار في الطاقات البشرية الإماراتية، وتعزيز القدرات التنافسية العالمية، وتسعى الإمارات لتحويل مفهوم الابتكار إلى واقع عملي وجزء من الثقافة المؤسسية وأسلوب حياة في حكومتها، وتولي القيادة الرشيدة في الإمارات الأولوية لتشجيع وترسيخ ثقافة الابتكار في النشء.

وأشار الدكتور الحمادي إلى أن الإمارات أطلقت العديد من المبادرات والاستراتيجيات لتعزيز الابتكار، مثل الاستراتيجية الوطنية للابتكار وإعلان 2015 عاماً للابتكار، وذلك بهدف مراجعة السياسات الحكومية وخلق بيئة محفزة للابتكار، وتشمل هذه المبادرات شهر الإمارات للابتكار وأسبوع الإمارات للابتكار.

بالإضافة إلى سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار التي تحظى بالاهتمام الكبير من الحكومة الإماراتية، وتشمل أكثر من مئة مبادرة وصندوق محمد بن راشد لدعم الابتكار، ومبادرة أفكاري ومسرعات دبي المستقبل وهاكاثون الإمارات.

منصة استشرافية

بدورها، قالت التربوية بدرية الياسي: حققت الإمارات تقدماً ملحوظاً في مجال التعليم على مدار السنوات الماضية، وذلك بفضل توجهات ورؤى القيادة الرشيدة، موضحة أن الدولة ماضية في تطوير تلك المنظومة التعليمية، ما يشكل إشارة إيجابية لمستقبل التعليم في الإمارات ومساهمتها في بناء الغد الواعد.

وأوضحت أن القمة العالمية للحكومات المنصة الكبري التي تجمع القادة وخبراء التعليم من جميع أنحاء العالم، لعبت دوراً مهماً في طرح قضايا حيوية في مجال التعليم كانت بمثابة بوصلة للحكومات والقائمين على التعليم لتطويره واستشراف مستقبلة، وأفرزت الدورات العشر الماضية نقاش تحديات التعليم وتعزيز جودته وتعميق الفهم لكيفية تحقيق تعليم شامل ومبتكر يلبي احتياجات العصر الحديث، كانت بمثابة خارطة طريق أسهمت في تحول التعليم إلى تعليم ابتكاري.

تكنولوجيا لتحفيز التعليم

من جهتها، اعتبرت التربوية هيام الحمادي، أن التكنولوجيا أداة حيوية لتحفيز التعليم وتعزيز التعلم النشط والتفاعلي في العصر الحديث، وهذا المحور كان أحد أهم المحاور التي ناقشتها القمة العالمية منذ بداية انطلاقها، ما أسهم في تسريع استخدامها في الميدان التربوي.

فمن خلال استخدام التكنولوجيا في المجال التعليمي، أصبح هناك فرص أوسع للتعلم الفردي وتخصيص الدروس وفقاً لاحتياجات الطلاب، وعلى سبيل المثال، يمكن استخدام البرامج والتطبيقات التعليمية لتقديم محتوى تفاعلي ومرئي يساعد الطلاب على فهم المفاهيم بشكل أفضل وتحفيزهم للمشاركة النشطة في عملية التعلم، وتسعى الإمارات إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز ومنصات التعلم عبر الإنترنت لتعزيز الوصول إلى التعليم وتحسين جودته.

وقالت الحمادي: إن دولة الإمارات تدرك أهمية تكامل التكنولوجيا في العملية التعليمية، وتعتبرها وسيلة فعالة لتحقيق التكافؤ وتقليل الفجوة التعليمية بين الطلاب، ومن خلال توفير منصات التعلم عبر الإنترنت وتطبيقات التعليم المتقدمة، يمكن للطلاب الوصول إلى موارد تعليمية متنوعة ومحاضرات مباشرة من خبراء في مجالات مختلفة، ما يساعدهم على تطوير مهاراتهم وتحقيق نتائج أفضل.

تبادل الأفكار

من جانبها، ذكرت التربوية فاطمة الظاهري، أن القمة العالمية للحكومات وفرت منصة لتبادل الأفكار والممارسات المبتكرة في مجال التعليم، خلال دوراتها السابقة، إذ نجحت في استعراض النماذج الناجحة والخبرات المستفادة من مختلف الدول، ما ساعد على تحفيز الابتكار وتبني مقاربات جديدة للتعليم.

وذكرت أن التعليم الابتكاري خطى طريقة بعدما ناقشت القمة أهمية استبدال التعليم التقليدي بالتعليم الابتكاري ومطالبتها بتبني هذا النموذج الجديد القائم على استخدام التكنولوجيا والتعليم القائم على المشاريع والتفاعل الفعال بين الطلاب و المعلمين.

وأشارت إلى أنها أسهمت في تعزيز التعاون بين الحكومات والمؤسسات التعليمية والمنظمات الدولية لتبادل الخبرات والممارسات الناجحة في مجال التعليم الابتكاري، كما وفرت القمة الفرصة للحكومات للتعاون في تطبيق سياسات تعليمية مبتكرة وتبني الأدوات والتقنيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

من جهتها، قالت التربوية ياسمين زهرة: «لعبت القمة العالمية للحكومات دوراً حيوياً في تعزيز التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والمؤسسات التعليمية والأكاديمية العالمية، من خلال كافة الفئات، التي استضافتها على مدار دوراتها السابقة، وناقشت تحقيق تطور مستدام في نظام التعليم، من خلال توفير بيئة تعليمية، تشجع على الابتكار والريادة، ما فتح الباب أمام المؤسسات التعليمية والشراكات مع القطاع الخاص، لتعزيز نقل المعرفة وتبادل الخبرات، وتوفير فرص تعليمية متميزة للطلاب».

وأوضحت أن دولة الإمارات طرحت العديد من أدوات التحفيز والشغف والرغبة في التعلم لدى الطلاب عن طريق توفير بيئة تعليمية محفزة، ومليئة بالفرص الابتكارية.

بالإضافة إلى ذلك توفر الإمارات برامج تعليمية متخصصة، وتدريباً عملياً لتنمية مواهب الطلاب، وتمكينهم من مواجهة التحديات المستقبلية. ولفتت إلى أن القمة العالمية للحكومات لعبت دوراً رائداً في التحول الرقمي الشامل في نظام التعليم، وباتت مدارس دولة الإمارات تستخدم التكنولوجيا الحديثة في التعليم، من خلال تطبيق التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والتعلم الذاتي.

ووفرت بنية تحتية قوية وموارد تكنولوجية متقدمة في المدارس والجامعات، مما عزز تجربة التعليم، وساعد الطلاب على اكتساب المهارات الرقمية الحديثة، التي يحتاجون إليها في سوق العمل المتغير بسرعة.

تحديات وفرص

وقالت الدكتورة مروة علي، مدربة تربوية: إن القمة العالمية للحكومات لعبت دوراً مهماً في استشراف مستقبل التعليم، من خلال توفير منصة عالمية لتبادل الأفكار والتجارب والمعرفة بين الحكومات والقادة التعليميين، إذ تضم ممثلين من مختلف الدول حول العالم، وتركز على تحديات وفرص التعليم الحديثة والمستقبلية.

وأوضحت أن القمة العالمية للحكومات قادت قاطرة استشراف مستقبل التعليم، من خلال توفير منصة لعرض الأفكار المبتكرة والتكنولوجيا التعليمية الحديثة، إلى جانب عرض دراسات الحالة الناجحة والابتكارات التعليمية، التي تم تطبيقها في مختلف البلدان، مما يساعد في تعزيز التفكير الابتكاري والتبادل المعرفي بين الحكومات.

قضايا وتحديات

وعلاوة على ذلك، توفر القمة منصة لمناقشة قضايا التعليم الرئيسية والتحديات، التي تواجهها الأنظمة التعليمية في العالم، ويتم من خلالها طرح المواضيع المتعلقة بالتعليم الرقمي، وتطوير المناهج الدراسية، والتعلم على مدار الحياة، وغيرها من المجالات الحيوية، وتعزز هذه المناقشات التفكير الاستراتيجي وتوجه السياسات والإجراءات المستقبلية في مجال التعليم.

وتعد القمة العالمية للحكومات مناسبة مهمة للتعلم من تجارب الآخرين وتبادل الأفكار والمعارف حول مستقبل التعليم، يمكن أن تسهم في تعزيز التعاون الدولي، وتحفيز الابتكار في مجال التعليم، وتساعد على تحقيق رؤية تعليمية مستدامة ومتطورة للأجيال القادمة.