تناقش القمة العالمية للحكومات 2024 محاور عدة تهدف جميعها إلى تشكيل مستقبل أفضل للبشرية وضمن هذه المحاور التوسع الحضري وأولويات الصحة العالمية، إذ أصبح التوسع الحضري المتسارع والأولويات الصحية العالمية حاجة أساسية في إنشاء مدن مستدامة، صحية وشاملة.
كما تستطيع الحكومات خلق بيئات حضرية تتميز بأنظمة تنقل مبتكرة، وسهلة الوصول، وذات تأثير فعال، من خلال تحديد المدن لتكون مراكز ديناميكية للنمو والابتكار المستدام، ومن خلال دمج حلول التنقل المبتكرة واعتماد التصاميم الحضرية الجديدة، وكيف يمكن للمجتمعات تعزيز هذه التطورات للارتقاء بجودة حياة السكان، وتحويل المدن إلى مراكز مستقبلية للعيش والازدهار.
وتسهم القمة العالمية للحكومات من خلال مخرجاتها الإبداعية المستقبلية في تسريع عملية التحول الرقمي لأنظمة الرعاية الصحية، الأمر الذي يؤكد دور القمة العالمية للحكومات في استشراف المستقبل وصولاً إلى أفضل الخطوات والحلول التي تلبي حاجة المتعاملين وترتقي بجودة الحياة عبر بيئة صحية.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن التوسّع الحضري هو أحد أبرز الاتجاهات العالمية في القرن الحادي والعشرين التي أثرت تأثيراً كبيراً على الصحة، إذ يعيش أكثر من 55 % من سكان العالم في المناطق الحضرية وهي نسبة يتوقع أن ترتفع إلى 68 % بحلول عام 2050.
وأنه بالنظر إلى أن معظم النمو الحضري في المستقبل سيحدث في البلدان النامية، فإن أمام العالم اليوم فرصة فريدة لتوجيه التوسّع الحضري وأبرز اتجاهات التهيئة العمرانية الأخرى على نحو يكفل حماية الصحة وتعزيزها وتعزى أهمية ذلك إلى أسباب ليس أقلها أن صحة السكان ورفاههم قد يكونان أهم رصيد للمدينة.
ونوهت المنظمة في تقريرها بأن معظم سكان المدن البالغ عددهم 4.2 مليارات نسمة يعانون من عدم ملاءمة السكن ووسائل النقل، ورداءة خدمات الصرف الصحي وإدارة النفايات وجودة الهواء التي لا تفي بالمبادئ التوجيهية للمنظمة، وتفاقم هذه الأوضاع لأشكال أخرى من التلوث، مثل الضوضاء وتلوث المياه والتربة وما يسمى بجزر الاحترار الحضرية والافتقار إلى فضاءات للمشي وركوب الدراجات والحياة النشطة، فتجعل المدن بؤراً لأوبئة الأمراض غير السارية وعوامل مساهمة في تغير المناخ.
استشراف المستقبل
وحرصت دولة الإمارات على استشراف المستقبل في مختلف القطاعات ومنها القطاع الصحي، حيث شهد طفرة كبيرة تتماشى مع أحدث ما توصل إليه الطب والعلم والمعرفة البشرية على المستوى العالمي، إلى جانب تقديم خدمات طبية ذكية ومتخصصة في كافة أنحاء الدولة وبطريقة عادلة، محققة معدلات وصول قياسية للمرضى وتهيئة النمو الحضاري ليكون في بيئة معيشية صحية وفقاً لأعلى المعايير العالمية، كما حرصت على تعزيز مكانتها كمنصة عالمية لصياغة مستقبل أكثر استدامة من خلال الاستفادة من التجارب العالمية لتشكيل واعتماد رؤية موحدة لمواجهة التحديات الصحية المستقبلية، في خطوة تعكس التقدير العالمي لدور الإمارات في بناء نظام صحي مرن ومستدام بيئياً.
وشهد قطاع الخدمات الصحية في الدولة قفزات نوعية وإنجازات كبيرة، تتناسب مع التحديات الصحية المتجددة ومواكبة المستجدات العالمية، وذلك انطلاقاً من إدراكها أهمية توفير جميع الوسائل والإمكانات المتطورة في هذا القطاع الحيوي وضرورتها، مع توفير بيئة صحية مناسبة، إذ إن الإنسان هو هدف التنمية ومحورها الرئيسي، كي يتمكن من أداء مسؤولياته الوطنية والعملية، والإسهام بفاعلية وكفاءة عالية في مسيرة التنمية والتطوير.
ويعد القطاع الصحي من أكثر القطاعات نمواً في دولة الإمارات، والتي تحتل المركز الأول عالمياً في عدد المنشآت الصحية المعتمدة، بفضل تطبيق نظام صحي يستند إلى أعلى المعايير العالمية، من خلال تطوير جاهزية النظام الصحي للتعامل مع الأوبئة والمخاطر الصحّية، لتكون الإمارات من أفضل الدول في جودة الرعاية الصحية، حيث يشهد نمواً بنسبة تفوق 5 % كل عام.
وقد حرصت الجهات الصحية في الدولة بتوجيهات ودعم القيادة الحكيمة على تبني وإطلاق العديد من المبادرات والمشاريع والبرامج المبتكرة، التي تهدف من خلالها إلى تعزيز صحة المجتمع عبر خدمات صحية شاملة ومبتكرة بمعايير عالمية، وإيلاء المريض أهمية كبيرة ومحورية، وفق منهجية تطبق أعلى معايير التميز والاحتراف، من خلال بناء المستشفيات المجهزة بأحدث المعدات ونشرها في مختلف أنحاء الدولة.
والحرص على امتلاك كادر طبي على أعلى مستوى، وإطلاق حملات التوعية المستمرة لنشر الوعي الصحي بين المواطنين والمقيمين، بهدف بناء مجتمع صحي خالٍ من الأمراض. ويظهر اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالقطاع الصحي أيضاً، من خلال الاستراتيجية الصحية التي تتبناها الدولة.
كما سعت الجهات الصحية إلى تطوير نظم المعلومات الصحية وتطبيق معايير عالمية في إدارة البنية التحتية في المنشآت الصحية، وبناء أنظمة الجودة والسلامة العلاجية والصحية والدوائية وفق المعايير العالمية، وتوفير إطار تشريعي حيوي وحوكمة، وتقديم خدمات تنظيمية ورقابية متميزة للقطاع الصحي.
بالإضافة إلى توجّه الإمارات نحو الذكاء الاصطناعي والخدمات الطبية الرقمية وجعلتها حجر الزاوية في أي تطوير وتحديث تجريه في أي مرفق طبي أو خدمة من خدماتها، حيث وضعت وزارة الصحة ووقاية المجتمع خطة شاملة لدمج الذكاء الاصطناعي بنسبة 100 % في الخدمات الطبية، تنفيذاً لاستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، بما ينسجم ومئوية الإمارات 2071 لإحداث تحول في مجال الرعاية الصحية المقدمة للمرضى.
أهداف تنموية
ويعتبر برنامج المدن الصحية من أهم البرامج التي تم إطلاقها والذي يربط المدن الصحية بالأهداف التنموية التي تضمن الحصول على أغذية مأمونة ومغذية وكافية من خلال اعتماد تدابير سياسية مبتكرة لتحسين البيئة الغذائية.
ويعمل برنامج المدن الصحية على تطبيق عوامل تحسين البيئة السكنية والحد من الازدحام وتطوير الأحياء الفقيرة كأولويات للصحة العامة، ويشجع على التخطيط الحضري بشكل أفضل لزيادة فرص الوصول إلى وسائل النقل الآمنة والأماكن الخضراء، ومن مؤشرات تطبيق برنامج المدن الصحية: بناء الوعي والقدرات للتقليل من حوادث الطرق والتأهب للطوارئ والتخطيط لنظم الاستجابة التي يمكن أن تقلل من الإصابات والوفيات، وتتضمن أيضاً مؤشرات وخصائص المدن الصحية: مراقبة وتحسين نوعية الهواء وتعزيز النشاط البدني.
وأن المدن الصحية هي المدن المستدامة من خلال بناء الشراكات والتعاون بين القطاعات، ودعم المجتمع، لتبني ممارسات مستدامة من أجل الصحة والحفاظ على الموارد الطبيعية، حيث يولي البرنامج اهتماماً خاصاً للظواهر الجوية الشديدة التي قد تؤثر بشكل كبير على الصحة بسبب تعطيل الزراعة والإمدادات الغذائية، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض والتأثير سلباً على الصحة.
وعهدت الجهات الصحية في الدولة على تكثيف جهودها لتشكيل خارطة طريق مستقبلية لدولة الإمارات في مسار الصحة، من خلال استشراف المتغيرات العالمية المؤثرة على القطاع الصحي، مع إشراك المجتمع من خلال الآراء والمقترحات التطويرية في التصور المستقبلي لخدمات الرعاية الصحية لتحديد الفرض والتحديات وحددت خمسة مستهدفات رئيسية وهي:
خلق مجتمع إماراتي صحي ونشط، والريادة في المجال الصحي، ومنظومة علاجية ذكية، والانتقال من نموذج الرعاية الصحية التقليدي إلى نموذج الرعاية الصحية الشخصي، وتعزيز الصحة النفسية وتطوير منظومة صحية وقائية يقظة لتطور الأمراض والأوبئة ومراقبتها والتنبؤ بها.
وتتضمن الخطط التطويرية إطلاق مشاريع مبتكرة ترتكز معظمها على تقنيات الجيل القادم من الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي مع التركيز على الرعاية الصحية الوقائية والخدمات الذكية على مدار الساعة من دون تدخل بشري، وتقديم خدمات صحية مبنية على العلوم الطبية الحديثة مثل علم الجينوم وتكنولوجيا النانو، وتعزيز البحوث الصحية.
إضافة لتطوير خدمات التطبيب عن بعد وترسيخ الابتكار في مجال استخدام البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء، وتطوير مبدأ أطباء المستقبل وتقديم خدمات صحية وعلاجية مصممة حسب خصائص الأفراد، والتي تسهم مجتمعة بتحقيق منظومة فريدة لتكون الإمارات الدولة الأكثر تميزاً والأفضل في جودة الحياة على مستوى العالم.
كذلك تمثلت التوجهات المستقبلية الرئيسية للقطاع الصحي في الدولة تلبية احتياجات السكان من الخدمات الصحية الأساسية المستقبلية تماشياً مع الزيادة السكانية المستمرة، وتركيز الجهود لسد الفجوة في بعض التخصصات الطبية الرئيسية، ومهنة التمريض مع جعل التوطين في جميع المهن الطبية أولوية قصوى، والاهتمام بالبيانات الضخمة من خلال الربط مع الجهات المحلية والاتحادية لتفعيل دور البحوث الطبية والصحية.
والتحول من التركيز على الخدمات الصحية العلاجية إلى الصحة الوقائية لتقليل كلفة الإنفاق الصحي، وتعزيز البنية التحتية لخدمات الصحة النفسية والارتقاء بدور أطباء الأسرة في تحسين صحة المجتمع من خلال تبني وزيادة منصات خدمات الصحة الرقمية والتوسع في تقديم خدمات الصحة المنزلية، بالتركيز على فئات كبار المواطنين وأصحاب الهمم.
كما ضاعفت الجهود عبر سبل تعزيز التكامل والتعاون بين الجهات الصحية على المستويين الاتحادي والمحلي، بما يضمن تطوير نموذج حكومي تكاملي يقدم خدمات صحية شاملة، تسهم في رفع كفاءة قطاع الرعاية الصحية وتدعم الجهود الوطنية للاستعداد للخمسين عاماً المقبلة، انطلاقاً من أهمية تعزيز أسلوب حياة صحي رياضي نشط في مجتمع دولة الإمارات، وتعزيز المبادرات الحكومية في الصحة النفسية عبر تقديم خدمات متطورة، وضرورة تقديم خدمات صحية شاملة تعتمد على العلوم الحديثة، التي تشمل الجينوم وتكنولوجيا النانو.
إضافة إلى تعزيز المشاركة الفاعلة في الأبحاث الصحية والطبية، واعتماد منهج علمي متكامل يسهم في رفع كفاءة المؤسسات الصحية في مجالات الطب البديل، وطب الشيخوخة، إضافة إلى دراسة التأثير المباشر للقطاع الصحي على الاقتصاد والبيئة، والإنجازات التي حققتها الدولة وأثرها في تعزيز تنافسيتها ما نتج عنه تقدمها في المؤشرات الصحية العالمية التي شملت مؤشر الازدهار العالمي، كما عملت حكومة دولة الإمارات خلال الفترة الماضية على استقطاب أهم المؤسسات العالمية للأدوية والمستلزمات الصحية والخدمات الصيدلانية.
المدن المستدامة تعزز جهود التنمية
تعتبر المدن المستدامة من أبرز جهود التنمية المستدامة، التي تجمع في حدودها أهم الأهداف السبعة عشر لخطة التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة وتبنتها دولة الإمارات منذ العام 2016، وقد قفزت كل من إمارتي أبوظبي ودبي 14 مركزاً على مستوى العالم خلال عام واحد، إذ حازت كل منهما على الترتيب 28 و29 عالمياً على التوالي في قائمة ضمت 118 مدينة ذكية، وتصدرتا المركز الأول والثاني كأذكى مدينتين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعامين متتاليين (2020، 2021) وفق مؤشرIMD السنوي للمدن الذكية.
والمدينة المستدامة الذكية هي المدينة التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية حياة المقيمين بها، ولرفع كفاءة العمليات والخدمات الحضرية، وتعزيز القدرة على المنافسة، وهي تلبي في الوقت نفسه احتياجات الأجيال الحالية والقادمة، اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً، وثقافياً.
ومن الأمثلة الرائدة للمدن المستدامة التي تحرص حكومة الإمارات على تطويرها وتصميمها باحترافية مدينة مصدر، والتي تم التخطيط لها منذ العام 2006، وتعتبر من أولى المدن المستدامة في الشرق الأوسط، تم في تصميمها تبني توفير بصمة خضراء، واستيعاب التوسع الحضري السريع، وخفض استهلاك الطاقة والمياه، والحد من التلوث والنفايات، ومشروع زايد للمدينة الذكية ومدينة دبي المستدامة، وواحة دبي للسيليكون ومدينة زهرة الصحراء والتي تقع في منطقة الروية.
وتعتمد على دعم تطبيق التقنيات الخضراء والنظيفة، وهو تطبيق يتميز بالتخفيف من درجات الحرارة وتنقية الهواء من الملوثات، وستعتمد المدينة أيضاً على الطاقة المتجددة، وتدوير النفايات الذاتية، وستكون المباني متوافقة بما يخفض درجة الحرارة ويقلل استهلاك الكهرباء، ومدينة الشارقة المستدامة والتي تهدف إلى إيجاد مجتمع عالمي المستوى ومستدام وسعيد في دولة الإمارات، وتعتبر أول مجتمع متكامل في إمارة الشارقة يستهلك الطاقة بنسبة 0 %.