تنطلق فعاليات الدورة الحادية عشرة من القمة العالمية للحكومات في دبي، اليوم، الثاني عشر من فبراير، تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل»، برؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.
وفي الواقع، تمثل القمة العالمية للحكومات منذ أن أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في العام 2013، رؤية إماراتية لإيجاد منصة مستدامة لصياغة مستقبل العالم، وهذا أمر يخبرنا عن ثلاثة أشياء رئيسية:
أولاً:- إن هذه «القمة»، التي تشكل واحدة من أبرز مبادرات دبي العالمية، تحظى برعاية إماراتية رسمية على أعلى مستوى. وتأتي هذه الرعاية لتعبر عن انسجام قيم «القمة» مع النهج القيادي في الدولة، الذي يعتمد التخطيط واستشراف المستقبل في إدارة العمل الحكومي.
ثانياً:- إن هذه القمة، تطلق في هذا العام دورتها الحادية عشرة، وفي هذا ما يثير المرء لاستعراض ثمار تجربة عشر دورات سابقة تمكنت من إثارة اهتمام عالمي واسع، وناقشت أهم القضايا والتحديات التي واجهت وتواجه وستواجه الحكومات؛ ففي مثل هذا الاستعراض تقييم لتجربة فريدة، تعد المنصة العالمية الأهم من نوعها.
ثالثاً:- إن هذه القمة، التي تصل اليوم إلى دورتها الحادية عشرة، تختار أن تعقد تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل»، وتضع في أولوياتها بحث واستشراف سبل نمو الحكومات وتغيرها. وبكلمات أدق، إنها ترى أن تطوير وتحديث العمل الحكومي يسير في خطين متوازيين: الأول، زيادة كفاءة العمل الحكومي وتحديث أدواته. والثاني، ضمان التجدد في الأفكار والأساليب والمقاربات والمعالجات عبر ضمان آلية تغير الحكومات.
من المهم الإشارة، هنا، إلى أن الرؤية الإماراتية، التي تقع في جوهر القمة العالمية للحكومات تتواصل متماسكة عبر إحدى عشرة دورة، وتقدم لليوم مسارات هامة في «استشراف حكومات المستقبل»، وسط اهتمام عالمي. كما أن هذه الرؤية تجد لنفسها شركاء عالميين من بين الدول والمنظمات والمؤسسات والشركات ومراكز الأبحاث المهتمة بمجال الابتكار واستشراف المستقبل.
الرعاية الإماراتية
تمثل القمة، كما هو معروف، مبادرة إماراتية بامتياز، وهي من هنا تعبر عن الفكر الجديد في الدولة، الذي يبني على إرث الآباء المؤسسين، وتقاليد العمل الحكومي في الإمارات.
ولا تنسجم هذه المبادرة مع النهج القيادي في الدولة وحسب، ولكنها أيضاً تعكس روح التعاون الدولي التي تتمتع بها الدولة، منطلقة من أن التحديات التي تواجه دول العالم هي واحدة، وتتعلق بالبشرية جمعاء.
وهنا، تقوم الرؤية الإماراتية على أن الحكمة تدعو دول العالم، رغم أنها تختلف في أنظمتها، وتتنوع في سياساتها، وتتعدد في ثقافاتها، إلى التعاون في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، وإيلاء اهتمام كاف للقضايا المشتركة التي تمس وتتعلق بالمجتمع البشري عموماً، ومنها قضايا لا تتعلق بالعلاقات الثنائية بين الدول، ولكن بالقضايا الاستراتيجية التي تتعلق بالكوكب وعلاقة الإنسان بالتكنولوجيا وقضايا المرض والفقر والتعليم والشباب والثقافة.
وتتميز الرؤية الإماراتية، التي أطلقت مبادرة «القمة العالمية للحكومات»، بالروح الاستباقية، التي تذهب إلى استشراف التحديات من خلال تبادل التجارب والرؤى في مختلف المجالات، التي تتعلق بعمل الحكومات، كما أنها ترى أن الدور العالمي الذي يمكن أن تلعبه الحكومات في عالم اليوم والغد لا يقوم فقط على المشاركة في صياغة موقف دولي من التحديات الراهنة، والأحداث الجارية، ولكن أكثر من ذلك عبر المساهمة الفاعلة في وضع الرؤى المشتركة لمواجهة التحديات المستقبلية.
وهنا، فإن هذه «القمة» التي فتحت أبوابها طوال كل دوراتها السابقة، أمام مشاركة رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والوفود الحكومية والنخب العالمية من قادة الفكر والخبراء ورواد الأعمال، تؤمن فرصة تاريخية للتقريب بين وجهات النظر، وتوفر منصة تتيح معرفة ونظرة أقرب على مختلف التجارب الحكومية، لا يمكن أن تتوفر عبر أية وسائل أخرى.
وإلى جانب ذلك، فإن النهج القيادي الإماراتي، الذي يركز على جودة الإدارة الحكومية، وكفاءة أدائها، وضمان قدرتها على رصد المستجدات والتعامل معها، يقدم اليوم مثالاً على القدرة الفذة في الموازنة بين الوظيفتين السياسية والإدارية للحكومات.
وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة هنا إلى أن العديد من دول العالم تعاني اليوم من وطأة تغليب الوظيفة السياسية للحكومات على ما سواها. وهو ما يعني إهمال الدور التنموي المنوط بها. وهو ما قاد إلى التعثر في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك في المجال التنموي.
وبالتالي، فإن أحد أهم جوانب أهمية هذه «القمة» أنها تمثل فرصة للفت أنظار دول العالم إلى أهمية توجيه العمل الحكومي نحو الاهتمام بالتنمية وتطوير العمل والأداء الحكومي، بما يضمن إعادة الاعتبار لقيم الرخاء والازدهار والرفاه، وهو ما يقود بالضرورة إلى توطيد التعاون الدولي، وتعزيز العلاقات بين الدول والحكومات.
وعلى مستوى ما، واضح، فإن هذه رؤية تقود إلى إرساء أسس وطيدة للاستقرار العالمي، وتعزيز قيم التعاون والإخاء بين أبناء البشرية جمعاء، ونبذ عوامل الاضطراب وزعزعة الاستقرار.
ومما لا شك فيه أن «القمة» تستلهم الرؤية السديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والفكر الاستثنائي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.
ثمار التجربة
ما يلفت الاهتمام بتجربة القمة العالمية للحكومات هو نجاحها في تقديم سياق متسق لعملها وجهودها، وكذلك تمكنها من تطوير ذاتها دورة بعد دورة، ما سمح لها بترسيخ مكانتها منصة عالمية رائدة لاستشراف مستقبل العمل الحكومي وتبادل المعارف والتجارب المُلهمة بين حكومات العالم، بما يجسد رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، الهادفة إلى إيجاد حلول مبتكرة للتحديات العالمية، وتصميم التوجهات الجديدة بما يسهم في صياغة مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وعبر دوراتها المتلاحقة، تمكنت «القمة» من استقطاب اهتمام عالمي كبير، مكنها من ممارسة تأثير ملحوظ على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وذلك من خلال تبنيها مواضيع تتعلق باستشراف التوجهات والتحولات المستقبلية العالمية الكبرى. ولقد تعزز هذه التأثير مع تعاظم المستجدات على الصعيد التكنولوجي والرقمي وظهور أشكال جديدة من التعاملات الدولية، وكذلك مع التغيرات الجيوسياسية التي عاشها العالم خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويسجل لـ«القمة» أنها تمكنت من أن تكون عبر دوراتها المتتالية منصة لإبرام العديد من اتفاقيات التعاون بين الحكومات والمؤسسات والجهات الخاصة المشاركة من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى أنها قدمت مكتبة من المعطيات الهامة للفكر الإنساني من خلال عشرات التقارير التي أطلقتها بالتعاون مع كبرى المؤسسات والشركات الاستشارية والمراكز البحثية العالمية حول أحدث التحولات والتحديات الحالية والمقبلة واستشراف مستقبل مختلف القطاعات الحيوية. وبهذا، فقد تحولت إلى مركز بحثي معرفي حكومي يصدر الدراسات والأبحاث والتقارير على مدار العام؛ فأصدرت أكثر من 20 تقريراً في إطار دورها كمرجعية عالمية لشؤون المستقبل، منها أول تقرير للسعادة في العالم.
وقد نجحت «القمة»، منذ انطلاق دورتها الأولى في عام 2013، في خلق مسارات للحوار بين مختلف قيادات العمل الحكومي، وكذلك بين ممثلي مختلف القطاعات الحيوية.
وفي مجال بناء عقل حكومي جديد، تمكنت «القمة» من أن تضع على جدول أعمال حكومات العالم الكثير من المفاهيم والأفكار والمواضيع الملحة الجديدة، المتعلقة بالحاضر والمستقبل، مثل استشراف حكومات المستقبل ومستقبل الخدمات الحكومية والاستفادة من التجارب المتميزة في القطاع الخاص، والذكاء الاصطناعي وقضايا البيئة والمناخ والاستدامة واستكشاف الحدود واستيطان الفضاء وغيرها.
ومن جانب آخر، واكبت «القمة» أبرز القضايا التي تواجه الحكومات والدول عبر العالم، مثل تحدي التكنولوجيا وسيكولوجيا التطرف والمفهوم الجديد للتعليم ومستقبل السعادة وشكل حكومات المستقبل، ومستقبل الطاقة ومسار الرعاية الصحية وجودة الحياة، والتجارة والتعاون الدولي، والتعليم وعلاقته بسوق العمل ومهارات المستقبل، والإعلام والاتصال بين الحكومات والشعوب، ومستقبل الأفراد والمجتمعات والسياسات.
وقد توجت «القمة» نجاحاتها بتوجيه عقل الحكومات نحو مفهوم «تصميم المستقبل» وهو ما يشمل: السياسات التي تقود التقدم والتنمية الحكومية، وتصميم مستقبل أنظمة الرعاية الصحية، وبناء مدن المستقبل، ومستقبل الأنظمة التعليمية والوظائف وتمكين المرونة الاجتماعية.
وفي جانب آخر، أطلقت «القمة» عدداً من الجوائز المرموقة، من بينها جائزة سنوية بعنوان «جائزة أفضل وزير على مستوى العالم» لتكريم أفضل وزير قام بقيادة مشروع حكومي نوعي جديد وناجح. كما نظمت 15 منتدى عالمياً تعنى بابتكار الحلول للتحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية.
ولا ينسى المهتمون ومتابعو «القمة» أنها شكلت منصة أطلق من خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» دعوته إلى استئناف الحضارة.
مستقبل الحكومات
يحدد مستقبل الحكومات مستقبل المجتمعات والدول. ومن هنا، فإن طبيعة أداء الحكومات وكفاءتها في التعامل مع التحديات الراهنة والمستقبلية أمر حيوي وبالغ الأهمية، إذ به يتحدد رخاء المجتمعات، ويتحقق استقرار الدول.
وباعتبار أن الحكومات تعتبر جهاز إدارة سيادياً، فقد تمتعت وأعضاؤها، على الدوام، بالحصانة السياسية. ولكن هذه الحصانة، التي كانت تذهب إلى تمكينها من ممارسة صلاحياتها، قادت في كثير من الحالات إلى تمكينها من حماية نفسها من التأثر بضرورات التحديث وعوامله، وجعلها تعتقد أنها معفاة من مواكبة العصر ومستجداته، ومكنها من تعطيل آليات التغيير الدستورية.
مثل هذا الوضع، أوصل كثيراً من المجتمعات إلى صدام مع حكوماتها الخاصة، وحرمها من إمكانيات التطوير والتحديث والتغيير التلقائي الطبيعي؛ وبالنتيجة، لم يبق أمام تلك المجتمعات سوى أساليب التحديث والتغير القسرية، بكل ما في ذلك من مخاطر وآثار مدمرة.
هنا، تأتي «القمة» لتضع بين يدي حكومات العالم خيارات أخرى، وتفتح أمامها فرصاً لمواكبة مستجدات العصر، من خلال تبادل الخبرات، والمساهمة الجماعية في صياغة الحلول والتوجهات المشتركة لمواجهة التحديات المستقبلية.
إن المسارات، التي تقدمها «القمة» في هذا السياق، متعددة ومتنوعة، منها: مسار استطلاع أهم التحديات المستقبلية وسبل مواجهتها، ومسار استكشاف الأداء الحكومي ومستقبله، وأفضل السبل المتاحة لتمكينه من تحقيق أهدافه. وفي هذا فرصة كبيرة لتجنيب الحكومات من الوصول إلى مرحلة من الجمود، التي يمكن أن تعرضها إلى هزات اجتماعية، أو تغييرات قسرية تلقي بظلالها السوداء على المجتمعات والدول.
أي أنها تفتح أمام الحكومات فرصاً للتحديث والتطوير، وتمكن المجتمعات والدول من مواكبة مستجدات العصر، وإحداث التغيير متى ما أصبح منشوداً بسلاسة، وعبر مسارات الخبرة المشتركة واستلهام التجارب الناجحة، وكذلك عبر الإفادة من الفكر الإنساني في السياسة والاقتصاد وغيرهما.
ومن هنا، فإن المشاركين في القمة العالمية للحكومات يتنوعون على نحو ثر، ففيهم رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والوفود الحكومية والنخب العالمية من قادة الفكر والخبراء ورواد الأعمال، وغيرهم من الشركاء في المجتمعات الإنسانية.
وفي الواقع، تمثل مثل هذه الفرصة، التي تقدمها «القمة»، قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة لحكومات العالم، لا تفيد فقط في تحقيق الاستقرار في العمل الحكومي، ولكن أيضاً تدفع باتجاه تحسينه، وجعله صديقاً للمجتمعات، قريباً من حاجات الإنسان، فعالاً في الاستجابة لمتطلبات الدول.
هنا، يدور الأمر حول زيادة قدرة الحكومات على التكيف مع مختلف الظروف الطارئة، ومواكبة مستجدات العصر، وتوظيفها بما فيه خير المجتمعات. وذلك دون الحاجة إلى تحولات قسرية أو هزات اجتماعية وسياسية.
وهنا، تأتي التجربة الإماراتية في العمل الحكومي، لتمثل نموذجاً فريداً، يلبي حاجات العصر، وطموحات الدولة والمجتمع. وهي تجربة تقوم على الإيمان بحتمية وضرورة التحديث والتطوير والتغيير. أي:
أولاً:- ضرورة تحديث العمل والأداء الحكومي على نحو مستمر ومتواصل، بالاستفادة من أحدث المنجزات العلمية، وآخر ما توصل إليه الفكر القيادي والسياسي والإداري في العالم، وتمكين الحكومة من تجويد عملها، وتحسين أدائها، من خلال تحديث أدواتها وأساليبها.
ثانياً:- تطوير الحكومات نفسها من حيث شكلها وتركيبتها ووظيفتها، وإكسابها المرونة الكافية للتعامل مع مختلف التحديات والتوجهات العالمية. وكذلك من خلال تطوير العامل البشري، والارتقاء بكفاءته، وتعزيز قدراته، وإكسابه الخبرات اللازمة، والعناية بصياغة علاقتها مع المجتمع.
ثالثاً:- حتمية التغيير الحكومي بما يتلاءم مع الأهداف والطموحات المنشودة، انطلاقاً من حقيقة أنه ليس هنالك حكومة صالحة للتعامل مع كل الظروف والتحديات. والسعي المتواصل لاختيار وتشكيل حكومات قادرة على الاستجابة لحاجات الشرائح الاجتماعية الفاعلة، مثل الشباب ورواد الأعمال والقطاع الخاص والمستفيدين من القطاع الحكومي وغيرهم.
هذه الأسس الثلاثة، تمثل مسارات أساسية لضمان استقرار العمل الحكومي، وتمكينه من القيام بمهامه، وتحقيق أهدافه. وهي تتحقق من خلال استشراف التوجهات والتحولات والتحديات المستقبلية العالمية الكبرى، واستطلاع التجارب الناجحة في مجال العمل الحكومي على المستوى الدولي، واستكشاف سبل الإفادة من التطورات في مجال العلوم والتكنولوجيا والفكر الإنساني، وكيفية خلق الفرص الجديدة أو استبيان الفرص الموجودة فعلاً.
دور ريادي عالمي
من هنا، فإن القمة العالمية للحكومات، منذ أن أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تؤدي دوراً ريادياً عالمياً يصب في تحديث وتطوير العمل الحكومي على المستوى العالمي، وتعزز استقراره. كما أنها تمثل منصة هامة لبناء الشراكات والتعاونات الفريدة بين الحكومات والدول.
ومثل هذا الدور الفريد يجعل من دولة الإمارات العربية المتحدة مساهماً فاعلاً في صياغة مستقبل العالم، ومشاركاً رئيسياً في بناء عالم الغد، وبيت خبرة في مجال تطوير العمل والأداء الحكومي والتعامل مع التحديات العالمية.