الدرعي: نتبنى سياسة جادة في ترسيخ الأخلاقيات وعلى رأسها الفتوى

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد سعادة الدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة أن آفاق الفتوى أصبحت أرحب اليوم ومعاييرها يقتضي السياق الراهن أن تكون أوسع، فينبغي أن نجعل من أولى أولوياتنا فهم واقعنا الراهن، وتصوره تصورا حقيقيا..وقال :"إننا في دولة الإمارات - بتوجيه ودعم من قيادتنا الرشيدة - نتبنى سياسة جادة في ترسيخ الأخلاقيات في جميع المجالات، وعلى رأسها الفتوى، ولا سيما في المؤسسات الإفتائية الرسمية، التي تمثل الاجتهاد الجماعي المؤسسي، وعليها المعول في تحمل هذه الأمانة، وأداء هذه الرسالة".

جاء ذلك في كلمة قدمها في المؤتمر العالمي التاسع الذي تنظمه الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع» يومي 29 و30 يوليو الجاري بالقاهرة برعاية الرئيس المصري وبمشاركة أعضاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.

وقدم الدرعي في بداية كلمته خالص الشكر لدار الإفتاء المصرية، والجهات واللجان المنظمة لهذا المؤتمر النوعي، ولكل الحضور ناقلا لجمهورية مصر العربية تحيات دولة الإمارات.

وقال سعادته :"إن عنوان هذا المؤتمر ينبئ بدقة ووضوح عن أضلاع وأركان هذا المشروع المتكون من ثنائية "الفتوى والأخلاق"، في سياق عالمي يتصف بسمتين "العالمية والسرعة"، ويأتي مصطلح "البناء الأخلاقي" بما يدل عليه من بذل الجهد والعمل، والسعي والتكلف، والملاحظة والمواكبة، والتفاعل مع الواقع، وتطلب الحلول؛ ليوحي بوعورة المهمة، وشساعة مجالاتها، وضخامة شبكتها، وعويص تداخلاتها، فالبناء كما هو معهود؛ إنما يحصل بإمعان، ويحتاج إلى وضع لبنة فوق لبنة بإتقان، ففيه حاجة لكثير من التراكم والاعتدال بالميزان، كما أنه يحتاج التريث والتعاون، وهذا ما سيسعى هذا المحفل المبارك إلى تقديمه وإنجازه".

وأضاف الدكتور الدرعي: " قد ألفت أطراف ورقتي هذه حول هذا الموضوع ضمن أربعة أسئلة كاشفة محددة، راجيا أن تسهم في هذا البناء الذي انعقد له الأمر، واجتمع عليه الشركاء: أما السؤال الأول؛ فهو: ما الدور الضروري للأخلاقيات في فن الفتوى المعاصرة؟

هو سؤال الشرعية والمشروعية، وذلك أن المستقريَ لمعالم الإفتاء في القرآن الكريم، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ سيجد أنها لا تنفصل عن الضمير الأخلاقي، ولم يكن لدى علمائنا السابقين أي التباس في هذا: ف"الشريعة كلها إنما هي تخلق بمكارم ‌الأخلاق".

"واستقراء الشريعة أيضا يرشد إلى طلب مكارم ‌الأخلاق بأمور كلية، والنهي عن سفسافها"، فسؤال العلاقة بين الأخلاق والفتوى؛ لم يكن يرد على هذا المحل، لأن وظيفة المؤسسة الإفتائية كانت دائما تهدف لترسيخ الأخلاق والفضائل، وتعزيز القيم الإنسانية، وهي اليوم بما توفر لها من الدعم والمساندة من حكوماتنا وقياداتنا أكثر قدرة على أداء هذا الدور الأخلاقي، لا سيما أن كثيرا من المستجدات والتطورات بحاجة إلى التكاتف بين الموقف الديني والأخلاقي والقانوني في شتى مجالات الحياة، فالهدف اليوم أعلى وأغلى وأكثر إلحاحا، وهو أن يكون لدينا سقف أخلاقي تستظل به الفتوى، وهذا يؤدي بنا إلى السؤال الثاني: وهو سؤال الراهنية: ماذا تحمل لنا التطورات المعاصرة من مستجدات؟ وكيف نضبطها؟.

وفي إجابته على السؤال الثاني قال الدرعي: إن المقاربة الإفتائية التقليدية؛ تكاد تصبح من الماضي، فآفاق الفتوى أصبحت أرحب، ومعاييرها يقتضي السياق الراهن أن تكون أوسع، فنحن اليوم - بصفتنا مؤسسات دينية وإفتائية - ينبغي أن نجعل من أولى أولوياتنا فهم واقعنا الراهن، وتصوره تصورا حقيقيا، والخروج من أوهام التصورات المغلوطة، والأخذ بوصية سيد الخلق صلى الله عليه وسلم "بأن لا نحجر واسعا" فالحقائق يصعب إنكارها، وها هي التطورات المتسارعة، والذكاء الاصطناعي، والاختلاط بين الثقافات، والعوالم الرقمية، تحيط بنا من كل جانب، وتحمل لنا الكثير من الإيجابيات والتحديات والإكراهات، وتجر إلينا كثيرا من الأسئلة الملحة؛ الشرعية والقانونية والأخلاقية والاجتماعية، التي قد تؤثر على هوياتنا الثقافية، ومبادئنا وقيمنا، إضافة إلى أنها تحتاج إلى تكييف شرعي، يتماشى مع الواقع، ويستجيب لحاجات العصر، ويواكب عقول هذا الجيل، فلا مناص من الاستثمار في هذا المجال، وتطويق سلبياته، وهذا يدعونا إلى استدعاء سؤال الكونية، وهو السؤال الثالث ضمن الأسئلة المؤطرة لهذه الكلمة، وهو: أي مستقبل للإنسانية المتجردة من الأخلاقيات في خضم هذه القفزات الصناعية؟.

واستعرض سعادة رئيس الهيئة تعليقه على السؤال الثالث بقوله: "إن جميع الأديان والثقافات والفلسفات؛ تؤكد أن القيم الإنسانية هي المنجى والملجأ، وهي السد الواقي من المخاطر، الذي يحفظ للبشرية إنسانيتها، ولهذا كان تعزيزها في الأساس مقصدا مشتركا من المقاصد العليا للأديان، فالأخلاقيات والقيم ثوابت لا تتغير، أما الفتوى فتتغير بحسب الزمان والمكان والحال، كما هو معروف لديكم، والثابت يراعى على كل حال، ومن هنا فإن "معيار الأخلاق" في الفتوى أضحى متطلبا إنسانيا وكونيا وحضاريا قبل أن يكون دينيا، وبه يتم التواصل الحضاري، وبناء العلاقات الإنسانية، وتتحقق المنافع والمصالح البشرية، والانفتاح على العلوم الكونية والطبيعية. وإن المحتويات الإفتائية خاصة، والدينية عامة؛ لقادرة على أن تسهم في الحد من كثير من تلك التحديات، والذهاب بعيدا في مشاريع السلم والسلام العالمي، وترسيخ قيم الرحمة والاعتدال والتعايش والتسامح والتنمية، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بخارطة طريق عملية، وبرامج واضحة المعالم، وهذا ما تناولته في السؤال الرابع وهو: سؤال الكيفية: أعني: كيف نزود كفاءاتنا ومؤسساتنا الإفتائية بالقدرات الأخلاقية، والمؤهلات العلمية المتطورة؟ التي يواجهون بها التحديات المعاصرة؟.

وفي تناوله للإجابة عن السؤال الرابع أكد الدكتور الدرعي أن المحدد الأخلاقي من المحددات الرئيسة للفتوى في المستجدات الراهنة، وقد اعتمده العلماء والخبراء ضمن محددات "وثيقة أبوظبي، للمستجدات العلمية "وإن واجب الوقت هو تأهيل الكفاءات الشرعية، وتطوير قدراتها الرقمية والإنسانية معا، والتشابك الإيجابي مع الواقع، مع التأكيد على ضرورة التعلم المستمر، وأخص هنا بالذكر تلقي العلوم الكونية والطبيعية والإنسانية، وامتلاك القدرة على التواصل الإيجابي، واكتساب أدوات التأثير والإقناع؛ من أجل إحداث آثار واضحة في مجال القيم والأخلاق عن طريق الإفتاء، إضافة إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات الإفتائية والدينية، متمنيا لهذا المؤتمر النجاح والتوفيق، وأن يحقق أهدافه المرجوة.

Email