القمة تجسّد رؤية محمد بن راشد وفكره القيادي

تمثل «القمة العالمية للحكومات» جزءاً من الفكر القيادي لمطلقها وراعيها، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بل إنها تمثل تجسيداً حياً لهذا الفكر القيادي في ترجمته على أرض الواقع، كما أنها كانت، من جانب آخر، منصة فريدة عبّر من خلالها، سموه، عن مفاصل مهمة من رؤيته وفكره القيادي.

وبهذا شهدت دورات «القمة العالمية للحكومات» المتعاقبة مشاركات لا تنسى لسموه، شهدت إطلاق العديد من الأفكار الاستثنائية، التي وجدت طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع، وأضحت مفرداتها برامج عمل واستراتيجيات حكومية، وشعارات يتبناها الجميع بوصفها مبادئ حياة وعمل.

وفي هذا السياق، لا يزال في الذاكرة، الحوار الذي أجراه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مع المواطنين وزوار الدولة العرب، في الدورة الأولى لـ«القمة» (2013)، حيث أجاب سموه عن أكثر من أربعين سؤالاً، من بين آلاف الأسئلة، التي وردت إلى اللجنة المنظمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر التسجيل التلفزيوني، طرحها على سموه عدد من المواطنين والزائرين العرب، خلال جلسة حوارية خاصة.

وهكذا فإن «القمة العالمية للحكومات» بدوراتها المتعاقبة تمثل شاهداً على رؤية سموه وفكره القيادي، وهنا في السطور القليلة التالية سنستعرض بعض الأفكار الدالة، ذات المغزى العميق، التي عبر عنها سموه من خلال منصة «القمة».

1 لعل من أول وأبرز هذه الأفكار، التي تعطي صورة واضحة عن الفكر القيادي لسموه، حديثه عن «الخدمات الحكومية الرقمية 100%»، حينما قال سموه في الدورة الأولى: «أنا أريد للإنسان والمواطن أن ينهي معاملاته على جهازه المحمول».

يجدر القول إن هذه الكلمات الواضحة المباشرة لم تلبث أن تحولت إلى استراتيجية حكومية، تحمل عنوان «استراتيجية الحكومة الرقمية لدولة الإمارات- 2025»، تهدف إلى إنشاء التزام حكومي واسع عبر القطاعات كافة، لتضمين الجوانب الرقمية في الاستراتيجيات الحكومية.

وبطبيعة الحال فإن الفكر القيادي الذي يؤشر على الاتجاهات المستقبلية لا يلبث أن يتحول إلى استراتيجيات محددة الخطوات والأهداف، وهكذا فإن المرء يستطيع بمراجعة هذه الاستراتيجية أن يرى أنها صممت وفقاً لـ 8 أبعاد هي: تعزيز الشمولية وعدم ترك أحد يتخلف عن الركب، المرونة، التناغم مع العصر الرقمي، التركيز على احتياجات المتعاملين، استخدام التقنيات الرقمية في تصميم الخدمات وقنوات الخدمة، الاعتماد على البيانات، وتعزيز مبدأ الحكومة المفتوحة، والاستباقية.

وهذه كلها أهداف استراتيجية، نرى الكثير منها متحققاً على أرض الواقع اليوم!

وفي الواقع هذه واحدة من ميزات فكر سموه القيادي، الذي لا يلبث أن يتحول إلى مشاريع واستراتيجيات وطنية، تتطلب وقتاً وفرق عمل وتعاوناً من مختلف الجهات الحكومية لتنفيذها وتطبيقها، وتحويلها إلى واقع ماثل للعيان.

وهنا يجدر القول إن الفكر القيادي يجد مكانه على الدوام في تحديد الأهداف والأولويات، وهذا ما تضمنته هذه الاستراتيجية، التي وضعت لها أهدافاً وأولويات متمثلة في توفير بنية تحتية رقمية عالمية المستوى، ومنصة رقمية موحدة وممكنات رقمية مشتركة، وكذلك خدمات رقمية متكاملة وسهلة وسريعة، ورفع مستوى القدرات والمهارات الرقمية، وضمان جاهزية التشريعات، بما يكفل تحولاً رقمياً مرناً وشاملاً، وبالتالي رفع كفاءة العمل الحكومي.

2 في قاموس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تمثل «القمة العالمية للحكومات» منصة لأفضل الأفكار والتجارب. لهذا لم يكن غريباً أن يطلق من خلالها، سموه، دعوته الشهيرة إلى «السعي لتحقيق المركز الأول»، في كل شيء.

وهذا في الواقع العنوان الثاني من الفكر القيادي لسموه، وقد عبر عنه من خلال منصة «القمة»، حيث قال: «أنا أريد من الجميع أن يسعى إلى المركز الأول، لأنه ليس هناك بديل».

لقد جاءت هذه الدعوة لتصنع ما يمكن أن نسميه اليوم بفلسفة الرقم «1»، التي يتبناها المواطنون والمقيمون في الإمارات على حد سواء، باعتبارها منهاج عمل، لا غنى عنه لكل من أراد السير على طريق النجاح، وتحقيق إنجاز في حياته.

وهنا يجدر القول إن الفكر القيادي المتميز يؤشر دائماً على الخيارات الأولى، لا الثانية أو الثالثة، وهذه ميزة الفكر القيادي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. إنه لا يؤشر على الخيارات السهلة، ولكن يوجه نحو تحقيق النتائج والأهداف الأفضل على الإطلاق.

يتضح ذلك من كلمات سموه، حيث قال: «أنا لا أريدكم أقل من الرقم واحد، لأن الرقم واحد هو من يعرف فقط، وما بعد الـ«واحد» ما حد يعرفه. الرقم واحد هو دائماً الأفضل، وإذا حط الإنسان في باله أنه لا يستطيع الوصول إلى الرقم واحد، يكون قد حكم على نفسه بالفشل، لذلك يجب أن نكون الأول في كل شيء».

وسموه يوضح هذا بجلاء: «دائماً اطلبوا المركز الأول، أنا وشعبي بنحب المركز الأول، وأنا أسألكم من هو ثاني شخص صعد إلى قمة جبال الهملايا، ومن هو الثاني الذي نزل القمر. لا أحد يعرف، فخلينا نسعى للمركز الأول».

3 وتقترن فلسفة الرقم «1» مع مبدأ «اللامستحيل»، الذي يعتبر واحداً من أرسخ المبادئ في الفكر القيادي لسموه، ويعرف متتبعو هذا الفكر القيادي، والعارفون بمسيرة دولة الإمارات أن هذا المبدأ حاضر بقوة في الحياة، وفي التجربة التنموية، إلى جانب أنه بات مبدأ يسكن في قلوب وعقول أبناء الإمارات.

وقد وجد هذا المبدأ طريقه إلى الحياة، حينما أطلقه سموه عبر منصة «القمة»، حيث قال: «الكل يسعى، وأريد من الجميع أن يسعى للمركز الأول، وألا يعرف المستحيل، لأن كلمة «مستحيل» غير موجودة في قاموسنا في دولة الإمارات».

وأكد سموه ذلك في سياق آخر، حيث قال: «إذا شك الإنسان في نفسه، هذه تحديات لدينا دائماً، الحياة كلها تحديات، وكلمة مستحيل ليست في قاموسنا في دولة الإمارات».

وللتذكير لم يبق مبدأ «اللامستحيل» فكرة مجردة، بل جرى تطبيقه عملياً من خلال إحدى التشكيلات الوزارية، من خلال استحداث وزارة «اللامستحيل»، التي شملت مهماتها في مرحلة أولى: إدارة الخدمات الاستباقية والمكافآت السلوكية واكتشاف المهارات ومنصة المشتريات الحكومية.

وقد أراد سموه لوزارة «اللامستحيل» أن تمثل الجيل القادم من الممارسات الحكومية، التي تعمل على ملفات وطنية مهمة تتطلب معالجات سريعة وجريئة وقرارات فاعلة، وتتضمن مهامها تطوير حلول استباقية وجذرية لمواضيع معينة، ضمن فترة زمنية محددة.

وجاءت هذه المقاربة بتشكيل هذه الوزارة مبنية على التجربة الإماراتية، حيث أكد سموه أن «واقعنا الذي نعيشه اليوم في الإمارات هو نتاج أفكار غير تقليدية لقادة غير تقليديين»، و«طموحاتنا للمستقبل ليست تقليدية.. ونحتاج لمنظومات غير تقليدية لجعلها واقعاً ملموساً»، كما تنسجم هذه المقاربة مع الفكر القيادي لسموه، الذي يرى أن «المستحيل ليس في قاموسنا.. وليس جزءاً من تفكيرنا.. ولن يكون جزءاً من مستقبلنا».

وفي الواقع لم يأت مبدأ «اللامستحيل» من فراغ، ولا يؤسس لمفهوم جديد بالمطلق، فدولة الإمارات عانقت ثقافة «اللامستحيل»، منذ قيامها كمشروع وحدوي وتنموي هو الأقوى والأكثر تقدماً، وكمنظومة عمل وبناء هي الأكثر ابتكاراً وتطوراً في المنطقة، وكفكر مستقبلي هو الأكثر استشرافاً واستباقية.

وقد جاء تأكيد سموه في فكره القيادي، على هذا المبدأ، ليجسد الحرص على غرسه في الوعي الإماراتي، في ميادين العمل والحياة؛ إذ يجب ألا يقف شيء أمام الطموحات والتطلعات اللامحدودة.

4 ويتطلب مبدأ «اللامستحيل» فرق عمل مليئة بالعزيمة والجد والاجتهاد، وهنا يشير سموه إلى ذلك فيقول عبر منصة «القمة»: «نحن أكبر فريق عمل واحد»، و«دولة الإمارات لديها أكبر فريق عمل واحد، وأفضل فريق عمل واحد».

وهنا يجري الحديث عن أهم القدرات، التي يمكن أن تتوافر في القائد، وهي تشكيل فرق العمل الكفؤة، وقيادتها بفعالية، وقد أكد سموه هذا المبدأ، مبدأ «التخطيط وفرق العمل»، ضمن وسم «ومضات قيادية»، الذي أطلقه سموه وشارك من خلاله جانباً من خبراته الحياتية والعملية وتجاربه ورؤيته القيادية، حيث قال: «حركة الزمن هي التي تجعل الإنسان يعمل ويبدع وينجز، فتبدأ حركة الحياة وتبدأ المشاريع صغيرة ثم تكبر وتنمو متفردة، مشروعاً إثر آخر، ومن ينظر إلى المشاريع منفردة كل على حدة، فإنه لا يدرك أن تلك المشاريع منظومة متكاملة متداخلة العناصر، ضمن رؤية استراتيجية واضحة المعالم».

كما أكد سموه: «هناك من يعتقد أن ما أنجزناه عبارة عن أحلام لم يكن من الممكن تخيلها، وأنا أقول إن ما أنجزناه تطلعات خططنا لها وأطلقناها بعد دراسة وافية».

كما أكد: «دولة الإمارات العربية المتحدة لديها أكبر فريق عمل واحد، وأفضل فريق عمل واحد، طلابه رجاله، وموظفوه قادته، هدفهم الأساسي صناعة الأمل وصناعة الحياة، وصناعة المستقبل، وإسعاد الناس».

وهذه صفات فريق العمل الأكبر والأفضل، وهذه هي معايير عمله!

وفي هذا السياق فإن المرء يستطيع أن يلاحظ لدى الفكر القيادي لسموه، في محطاته المختلفة، أن مبدأ «التخطيط وفرق العمل»، حاضر على الدوام، ويحظى بكل الاهتمام، ويجدر القول هنا إن «القمة العالمية للحكومات» نفسها، بنجاحاتها، وبالمكانة العالمية التي تتبوأها تعد مثالاً قوياً على أهمية هذا المبدأ.

5 لقد قطعت الإمارات شوطاً كبيراً في مجال تمكين المرأة، حتى باتت «مكانة المرأة في الإمارات.. مختلفة»، وهذا لم يأت من فراغ، بل هو مبدأ أساسي من مبادئ الفكر القيادي لسموه، وقد عبر عنه كذلك من خلال منصة القمة العالمية للحكومات، حيث قال: «المرأة نصف المجتمع. إن كنت تعمل، هل يمكنك التنفس برئة واحدة؟ هل يمكنك المشي برجل واحدة؟ هل يمكنك العمل بيد واحدة؟ اليوم إذا كان الثلث نساء، فأنا أبشركم أنه في السنوات المقبلة سيكون هناك 50% من النساء في مجلس الوزراء».

ويقول سموه: «المرأة أخذت مراكز قيادية، 70% من الخريجين من العناصر النسائية، 65% من العاملين في الحكومة نساء، و30% في المراكز القيادية، العنصر النسائي يجتهد ويتعلم أكثر، لهن مستقبل كبير، 85% من العاملين في مكتبي من العنصر النسائي».

ويضيف سموه: «عشمي فيهن زين وواضعين خططاً لهن في المستقبل».

هذه الحقائق، أكدها سموه بالقول: «اليوم.. ثلثا موظفي الحكومة نساء، وثلثا خريجي جامعاتنا الوطنية نساء، وثلث مجلس الوزراء نساء.. نحن لا نمكن المرأة.. نحن نمكن المجتمع بالمرأة».

 الفكر القيادي لسموه شدد على أهمية تحقيق مستوى متقدم في التوازن بين الجنسين وتحويله إلى ثقافة عمل ونهج مؤسسي في الإمارات، مؤكداً أن المرأة شريك رئيسي في التنمية، لا سيما مع العديد من التشريعات والتعديلات القانونية والسياسات الداعمة للتوازن بين الجنسين، الملف الذي حققت فيه الإمارات نقلات نوعية، خلال السنوات الماضية.

وقد تمت ترجمة الفكر القيادي لسموه، في هذا المجال، من خلال مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، الذي ينشط في مجال تحويل مفهوم التوازن إلى عمل مؤسسي، من خلال مبادرات نوعية، من بينها تطبيق مؤشر التوازن بين الجنسين.

6 «المؤسسية».. ملمح آخر مهم في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهذا ما يمكن رصده بما يتعلق بالقمة العالمية للحكومات.

لقد كانت «القمة» مبادرة أطلقها سموه تحت عنوان «القمة الحكومية»، ولكن ما إن وصلت إلى دورتها الرابعة، حتى وجه سموه بتحويلها من حدث سنوي إلى مؤسسة عالمية، تعمل على مدار العام، وتركز على استشراف مستقبل البشرية في كافة القطاعات، إضافة إلى إنتاج المعرفة لحكومات المستقبل، وإطلاق التقارير والمؤشرات التنموية العالمية، وبناء شراكات مع أهم المنظمات الدولية.

وبهذا فقد أخذ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، القمة الحكومية لمستوى عالمي جديد، تستشرف فيه المستقبل، وتجيب اليوم عن أسئلة الغد، وتعمل على إنتاج المعرفة اللازمة لتعزيز جاهزية حكومات العالم لتحديات المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، ومنصة تعمل على مدار العام لتحسين الخدمات المقدمة لـ7 مليارات إنسان حول العالم. وبهذا فقد تحولت القمة إلى مركز بحثي معرفي حكومي يصدر العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير على مدار العام، كما أنيط بها إطلاق المؤشرات التنموية العالمية، تجسيداً لدورها في استشراف المستقبل، بالتعاون مع مؤسسات علمية محايدة ومعتمدة عالمياً. وتغطي القمة العالمية للحكومات بالبحث والدراسة قطاعات عدة هي: مستقبل التعليم والرعاية الصحية والعمل الحكومي والعلوم والابتكار والتكنولوجيا والاقتصاد وسوق العمل وإدارة رأس المال البشري والتنمية والاستدامة ومدن المستقبل.

7  واحد من أهم المبادئ التي يؤكدها الفكر القيادي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هو «أولوية الاقتصاد». هذا المبدأ برز في مداخلات سموه في دورات القمة العالمية للحكومات، حيث أكد: «الدولة القوية اقتصادياً قوية سياسياً، والضعيفة اقتصادياً لن يكون لها نصيب بالسياسة».

إن هذا المبدأ، على وجه الخصوص، يستلهم تجربة دبي وقادتها من الأجداد الأماجد، حيث تتردد في كلمات سموه أصداء سيرة المغفور لهم الشيخ مكتوم بن حشر، والشيخ سعيد بن مكتوم، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهم الله.

يقول سموه في كتاب «قصتي»، موضحاً مبدأ «أولوية الاقتصاد»: «المال والاقتصاد هما اللذان يحركان السياسة»، درس ثالث استلهمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، من إجابة والده، عن سؤال ألقاه عليه يوماً ما، حيث يقول: «سألته من هم القادة الحقيقيون في العالم؟ أجاب: القادة الحقيقيون اليوم ليسوا كالماضي، لقد تغير العالم. القادة الحقيقيون هم العمالقة الصامتون الذين يمتلكون الأموال، وليس الساسة الذين يصدرون الكثير من الضوضاء».

ويضيف سموه: «هذه الإجابة ما زالت تذهلني حتى اليوم، إن الاقتصاد دائماً هو ما يحرك السياسة»، ويضرب لنا سموه في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، حيث يقول: «الدولة العظمى اليوم الولايات المتحدة الأمريكية هي الأولى عالمياً ليس بسبب قوتها العسكرية فقط، بل بسبب قوتها الاقتصادية».

ويضيف سموه: «تختصر هذه الإجابة الكثير من فكر دبي وفلسفتها، والكثير الكثير من مواقف الشيخ راشد. كان يفضل دائماً الابتعاد عن ضوضاء السياسة وتشابكاتها، ومعاركها الصفرية، ويقول إنها لم تصنع لنا نحن العرب شيئاً. كان كل تركيزه وطاقته ووقته منصباً على المشاريع والاقتصاد، وكان يتجنب أي شيء يمكن أن يجر بلادنا إلى مستنقعات السياسة».

8 في الحوار الذي أجراه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مع المواطنين وزوار الدولة العرب، في الدورة الأولى للقمة العالمية للحكومات (2013)، تناول سموه مفهوم الإنجاز ومعاييره، و«معيار الإنجاز» ركن من أركان الفكر القيادي لسموه، وله معادلته الخاصة.

في فكر سموه لا يتعلق «معيار الإنجاز» بمقدار ما تحقق من الطموحات، والخطط الموضوعة، ولكن بنسبة كل ذلك إلى مدى الاتساع، الذي بلغته الرؤية، وقت تحقق الإنجاز.

وفي توضيح هذا المبدأ يروي سموه في ذلك الحوار قصة لافتة، فيقول: «اعتدت في رمضان على أن أدعو الصحافيين إلى القصر، بعد صلاة التراويح نناقش ونتكلم بدون رسميات، وقبل سنتين أو ثلاث سألتني صحافية، كم حققت حتى الآن من رؤيتك؟ قلت لها بعد تفكير كبير 10%، وبعدها بسنتين وفي المكان والزمان نفسيهما، بعد ما انتهينا من برج خليفة والفنادق، والمدينة المجاورة، وأنجزنا مترو دبي ومشروع الميدان، جاءت الصحافية نفسها، وسألتني بعد هذه المشاريع الضخمة، ما النسبة التي وصلت إليها من رؤيتك؟ قلت لها بعد تفكير ما تم تحقيقه حتى الآن يعادل 7%، فاستغربت، وقالت لي من سنتين كانت 10%، فقلت لها: عندما نطلع على ما هو جديد ونتعلم من الأخطاء تكون رؤيتنا أوسع، وأبعد، ولهذا أشوف طريقه ثانية غير السابقة».

وبهذا فإن الإنجاز يلاحق الرؤية، التي تصبح أكبر مع مرور كل يوم. وبهذه المعادلة الفريدة لـ«معيار الإنجاز» تصبح نسبة 7% منسوبة إلى رؤية متحركة، تتسع وتكبر، أكبر بكثير من نسبة 10% منسوبة إلى رؤية ثابتة، لم تتجاوز حدودها الأصلية.

وهذا يعني شيئاً: إن الإنجاز الحقيقي يكون في رؤية حيوية تتجاوب مع الطموحات الجديدة، فتصبح أوسع، وتقود إلى تعظيم الطموحات، وتجترح المزيد من المشاريع والأهداف، وفي هذا لفتة كبيرة تضع الفكر والأفكار المبدعة والرؤى الثاقبة بمثابة المحرك الأساس.

9 يتركز جزء كبير من الفكر القيادي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على الحكومات، بعدة اتجاهات منها «شكل حكومة المستقبل»، والحكومات بوصفها محركاً للإنجاز، وكذلك باعتبارها جهاز إدارة سيادي.

وهنا يحدد سموه شكل حكومة المستقبل، التي يريدها بدقة. لقد وصفها في واحدة من مشاركاته في القمة العالمية للحكومات فقال: «أريد لحكومة المستقبل أن تكون محراباً مثل الفنادق، تعمل 24 ساعة مثل الخطوط الجوية، يعني أريد نقل الخدمات كلها لمركز واحد، وأن تكون الحكومة الجديدة إن شاء الله قريبة من الناس، تسهل الأمور عليهم، حكومة المستقبل يجب أن ينجز الإنسان كل معاملاته في مكان واحد، وأريد المواطن أن ينجز كل معاملاته الحكومية على جهازه المحمول».

وفي مداخلة مماثلة يصف سموه الحكومات بـ«محرك الإنجازات» كلها، ويجيب عن سؤال طرحته موظفة حكومية، خلال الحوار الذي أجراه سموه مع المواطنين وزوار الدولة العرب، في الدورة الأولى للقمة العالمية للحكومات (2013)، فيقول: «أنتم الطاقة، أنتم المحرك لهذه الإنجازات كلها، ونريد منكم الاستمرار في التميز والابتكار، لا بد من الاستمرار في التميز والابتكار».

ويرى سموه أن الحكومات يجب أن تتعامل مع التحديات، مهما بلغت، وألا تتوقف تحت تأثيرها عن العمل، حتى وإن حولت التحديات في العمل إلى نوع من المخاطرة، فيقول: «لا يوجد مشروع ما فيه مخاطرة، حتى عمل البنوك، فهل نتوقف لأنه فيها مخاطرة، الحياة فيها تحديات في كل خطوة، فكيف نقوي اقتصاد بلدنا ونوصل لسعادة المواطن، فإذا قلنا لا تسير إلى شغلك، السيارة ممكن تصطدم، ولا تذهب إلى أوروبا بالطيارة، ممكن «تطيح» فهل نتوقف لأجل ألا نفكر في المخاطر، أبداً لا، التحديات لا تتوقف. التحديات والمخاطر دائماً موجودة، لكن من يريد أن يصل، يصل».

الأكثر مشاركة