لم تكن قرية الزيلعية، شمال شرق حيس بمحافظة الحديدة، مسقط رأس سلامة زهير (32 عاماً) فحسب، بل كانت كل عالمها، بيتها وزوجها وأغنامها وأسرتها الصغيرة التي لم تتخيل قط أنها ستفارقها.
وذات صباح مشؤوم قبل أربع سنوات طوقت سيارات الميليشيا القرية الهادئة، وشرع المسلحون الحوثيون بانتهاك حرمات البيوت الآمنة واقتحامها صارخين بأهلها ومطالبين إياهم بالرحيل أو الموت، وما هي إلا ساعات حتى كانت البيوت العامرة خاوية على عروشها يحتلها غرباء مدججون بالأسلحة، وكان الراحلون عنها، بما يستطيعون حمله ليس إلا، يطالعونها بحزن وألم من بعيد وهم يبتعدون مكرهين كما لو أنها لم تكن يوماً قريتهم ولا منازلهم.
حياة جديدة
كانت سلامة وأطفالها الخمسة ضمن هؤلاء المغلوبين على أمرهم، واستقر بها المقام في مدينة حيس، هناك استأجرت بيتاً صغيراً وبدأت حياة جديدة، ولم يمض كثير من الوقت حتى تخلى زوجها عنها وعن أولاده، لتجد نفسها مسؤولة عن إطعام صغارها. وكما تشير في حديثها لـ«البيان» أنها كانت تخرج كل يوم للبحث عن فرص عمل ولكنها تعود بخفي حنين، ثم اهتدت إلى فكرة مشروع يتمثل في معمل صغير لصناعة الكيك والحلويات وبيعها، وبعد مساعدة إحدى المنظمات الإغاثية استطاعت سلامة إعالة أولادها بالمردود الضئيل الذي يجنيه مشروعها الصغير.
صدمات أخرى
ولكن الميليشيا كانت لا تزال تخبئ لها صدمات أخرى، حيث استهدفت منزلها الجديد بقذيفة هاون نجت منها هي وأطفالها وألحقت دماراً جزئياً بالبيت وبعض الممتلكات، وفي بداية 2018 كان ابنها الأكبر يونس (13 عاماً) يرعى الغنم خارج حيس ليستهدفه قناص حوثي بطلقة قاتلة، اخترقت الرصاصة الحوثية العمود الفقري ليونس بينما كان يلهو مع أطفال آخرين يشاركونه الرعي، اسعف إلى حيس ثم إلى عدن وبعد علاج استمر لعامين في مستشفيات عدن والقاهرة، عاد يونس لحضن أمه على كرسي متحرك، فقد أصبح نصفه الأسفل مشلولاً.
ورغم كل شيء لا تزال سلامة صامدة في وجه الظروف العصيبة، تعمل طوال اليوم بجهد مضاعف لتقي أسرتها الجوع وتوفر قيمة علاج لابنها المعاق الذي تحلم أن يستجيب جسده النحيل للعلاج الطبيعي وأن تراه ذات يوم واقفاً على قدميه.