لم تتعد دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إصدار مرسوم الحريات العامة، توطئة لإجراء الانتخابات، حدّ ترحيب القوى والفصائل الفلسطينية المختلفة، إذ على الأرض لا زالت العراقيل التي تحول دون ترجمتها قائمة.

يقيناً، أن إصدار المرسوم، يعدّ خطوة أخرى إيجابية من قبل القيادة الفلسطينية، التي بخطوتها هذه، وإن كانت غير كافية، إلا أنها أكدت التزامها بمخرجات لقاء الحوار الوطني الأخير في القاهرة، وهي خطوة تعزز الآمال بإنجاز الانتخابات الفلسطينية في مواعيدها، وتنحاز لهذا الاستحقاق الوطني، خصوصاً وأن مرسوم الحريات العامة، كان ولا يزال مطلباً جماهيرياً، باعتباره يمسّ مبادىء الديمقراطية، كما أن وثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني، المعلنة في الجزائر العام 1988، تنص على أن الديمقراطية وحرية الرأي، هي أحد الروافع الأساسية التي تقوم عليها الدولة الفلسطينية.

خطوة إلى الأمام

الظاهر للعيان، أنه بموجب مرسوم الحريات، فقد تقدم الفلسطينيون خطوة إلى الأمام، باتجاه إنجاز الاستحقاق الانتخابي، الذي بدوره سيطوي صفحة الانقسام الداخلي، لكن في التفاصيل، هناك ما يؤشر إلى شيء مخبّأ، وأزمة قد تنشب بأية لحظة في طريق الانتخابات، فأي إجراء ضد حماس في الضفة أو ضد فتح في غزة، قد يصدر شهادة الوفاة لهذا المرسوم.

وفي حين تتهم السلطة الفلسطينية في رام الله، حركة حماس بعدم التنفيذ الدقيق للمرسوم، من خلال إطلاق سراح نحو 40 معتقلاً سياسياً في غزة، من بين 80 تحتجزهم حماس على خلفيات سياسية، تنفي الأخيرة جملة وتفصيلاً ما أعلنته القيادة الفلسطينية على لسان رئيس الحكومة محمـد اشتية، بأن لا معتقلين سياسيين لديها في الضفة الغربية.

مواطنة من رام الله، لم تشأ الكشف عن اسمها، قالت إنه في اليوم الأول لصدور مرسوم الحريات، خرج أهالي بعض الأسرى للتعبير عن رأيهم، ليتفاجأوا بحواجز نصبها عناصر الأجهزة الأمنية أمامهم، وتساءلت: «طالما أعطى الرئيس أبو مازن الضوء الأخضر للمواطنين للتعبير عن آرائهم، فلماذا تقام مثل هذه الحواجز وتُغلق الطرق أمامهم»، مؤكدة أن شيئاً من إطلاق الحريات لم يحدث، ولم يلمسه المواطنون على أرض الواقع.

لا ننسى هنا، أن العديد من المواقع الإلكترونية في الضفة الغربية لا زالت محجوبة، كما أن الصحف الصادرة في الضفة الغربية لا تصل إلى قطاع غزة، وكذلك الحال لا تصل صحف غزة إلى الضفة، هذا في وقت أشار فيه نشطاء من حركة حماس، عبر منصاتهم الرقمية، إلى أن الاستدعاءات والاعتقالات في صفوف الحركة لا زالت مستمرة لدى الأجهزة الأمنية في الضفة.

هنا، تبرز تساؤلات عدّة، أهمها: هل تشق الانتخابات طريقها بنجاح في ظل هذه الأجواء؟.. وهل تنعكس ممارسات الطرفين على المشروع التوافقي الأهم ممثلاً بالمصالحة؟.. وهل ينجح الجانبان في نزع فتيل هذه الأزمة، قبل أن تنسف معها كل الجهود الأخيرة لرأب الصدع الفلسطيني؟.

الانقسام

ويدرك الفلسطينيون أن الانقسام، هو من أضرّ بحرية الرأي ومبادىء الديمقراطية، التي هي أساس نهضة وحضارة الشعوب، ويمنّون النفس بتنفيذ مرسوم الحريات العامة قولاً وفعلاً وسلوكاً، كي يعود الاعتبار للديمقراطية، وتتعزز ثقة الشارع الفلسطيني، بأن ساعة تحقيق الوحدة الوطنية قد دقت، ولن تعود عقاربها إلى الوراء.