مع كل خطوة تُقرب من السلام، تعمد ميليشيا الحوثي إلى التصعيد بهدف إجهاض كل جهد لإنهاء معاناة اليمنيين واستعادة استقرار بلاد أنهكتها الصراعات ودمّرت اقتصادها ومقوماتها، إذ جاء الهجوم على مأرب ليقطع الطريق أمام التفاؤل الذي طغى على المشهد مؤخراً بقرب الاتفاق على وقف إطلاق النار.
وفيما كانت مجالس اليمنيين ومواقع التواصل الاجتماعي، تعج بالنقاش حول تفاصيل الاتفاق على إعادة تشغيل مطار صنعاء الدولي، وتفعيل آلية استيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة بما يضمن انتهاء أزمة الوقود، وموعد الدخول في مسار السلام وتوقيع اتفاق شامل لإطلاق النار، أتت الصدمة بإطلاق ميليشيا الحوثي صاروخيْن بالستييْن على وسط مأرب وأتبعتهما بطائرتين مسيرتين محملتين بالمتفجرات، في أعنف قصف يستهدف المدينة منذ أربعة أعوام، فيما دفنت تلك الهجمات تحت غبارها كل الآمال المعلّقة على نجاح الوساطات بوضع حد للحرب.
أرسلت الميليشيا وعبر إزهاقها أرواح المدنيين في مأرب، رسالة كاشفة عن أنّها ليست سوى مجرد أداة للخارج لا تملك من قراراها شيئاً، وأنّ معاناة ملايين اليمنيين لا تعنيها، قدر ما يعنيها استخدامها لتنفيذ المشروع الطائفي الذي تعمل لمصلحته.
خدعت الميليشيا كل الحريصين على تحقيق السلام في اليمن، عبر التصريحات التي صدرت من قياداتها بأنّها بدأت بإعادة تأهيل صالات مطار صنعاء، والاستعدادات لتوفير وقود الطائرات، ما فُسّر أنّه قبول منها للاقتراحات الأممية التي تنص على تدفق مستمر للوقود عبر ميناء الحديدة وفقاً للآلية التي تم الاتفاق عليها في السويد، وسط تسريبات عن تقدم كبير في المحادثات التي يجريها الوسطاء مع زعيم الميليشيا لاستكمال التوافق على بقية بنود الخطة التي تشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار والذهاب نحو محادثات سياسية شاملة.
أعداء سلام
تعمّدت الميليشيا أن تكون رسائلها مدمّرة لآمال السلام في نفوس اليمنيين، ومحبطة للمجتمع الدولي الذي يراهن على تحقيق السلام ووقف الكارثة التي تسبّب فيها الانقلاب الحوثي، إلّا أنّ قادة الميليشيا أبوا إلّا أن يقفوا حجر عثرة أمام آمال اليمنيين في غد أفضل، ورغبة العالم في خلق واقع جديد في اليمن، إذ لم يتركوا مجالاً للشك في أنهم أعداء السلام، وما استهدافهم مأرب وتسببهم في سقوط الضحايا من المدنيين إلّا خير شاهد ودليل.
ولا ترى الشرعية في قصف الحوثيين مأرب واستهداف المدنيين بالصواريخ والمفخخات، سوى تعميق للجراح ونسف لقواعد التأسيس لسلام حقيقي، وإنّ قصف مأرب وما شابهه من ممارسات حوثية يعمل على قطع خيوط الأمل في السلام الذي قدمت الشرعية في سبيله الكثير من التنازلات في محطات الحوار والسلام. وتشير الشرعية إلى أنّه وفي الوقت الذي يعمل فيه المجتمع الدولي على إحياء فرص السلام، تستمر الميليشيا في تصعيدها وحصدها أرواح المدنيين، تنفيذاً لأجندتها وخدمة لمشاريع إيران التدميرية.