غداة ولادة حكومة العهد الرابعة، وهو على مشارف السنة السادسة والأخيرة، أُسدِل الستار على 13 شهراً من الفراغ الحكومي في لبنان، وتحديداً منذ استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب في 10 أغسطس2020، وبدأت مرحلة جديدة، رسمت واشنطن والعواصم المؤثرة خطوطها العريضة، من خلال رفعها «البطاقة الحمراء» في وجه المعرقلين، في حين تلاقى الإلحاح الدولي الحاسم اللهجة مع مناورة قادها الرئيس المكلّف سابقاً ورئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، كان من أبرز عناصرها: التلويح بعدم القيام بالزيارة الـ14 إلى قصر بعبدا إلا وفي يده التشكيلة النهائيّة، التلويح بالاعتكاف وملازمة منزله إلى حين فكّ أسْر التشكيلة، واستخدام «العصا الغليظة» لنادي رؤساء الحكومات السابقين، لجهة رفض الثلث المعطّل.
وهكذا، أدّت حكومة ميقاتي مناسك تأليفها، وصدرت مراسيم تشكيلها، بعد شهر ونصف على التكليف، وبـ«ثلث مقنّع»، أو مموّه ومبطّن، أو من دونه، فيما النسب ما عادت ذات فائدة ما دام الحكم قد عاد إلى السلطة وبالإجماع. والحصيلة، حكومة بمرجعيات سياسيّة وأحزاب أعلنت غلبتها على كلّ ما عداها من محاولات. ومع الإفراج عن التشكيلة وصوْغ معادلاتها وحصصها السياسيّة، أنهى العهد وميقاتي عصر التعطيل، لتبدأ مرحلة جديدة، هدّد فيها رئيس الحكومة بـ«طرْد» كلّ معطّل من الملعب الوزاري.
وفي المحصّلة، أنجز ميقاتي عمليّة «تدوير الزوايا»، ونجح في وقت قياسي، مقارنةً بأوقات تشكيل الحكومات ما بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، في تشكيل حكومة العهد الرابعة، فزفّها بتأكيد على أنّها لكلّ اللبنانيّين، لا يريد أحد فيها أن يعطّل، وستعمل وفق خطّة للإنقاذ، إذ لا ترغب برفع الدعم عن مواطنيها، بحسب ميقاتي، لكن ليس لديها أموال لتدعم، واعداً بالإصلاحات وبالانتخابات النيابيّة والبلديّة، مع ما يعنيه الأمر في حسابات كلّ من الرئيس ميشال عون، الذي وعد من يعنيهم الأمر بقوله: «سنخرج من هذه الهوّة»، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، الذي ردّد عبارة «حيّ على خير العمل» بالتزامن مع إعلان الولادة الحكوميّة.
وفي انتظار الصورة التذكاريّة لحكومة ذكوريّة، باستثناء امرأة واحدة، والجلسة الأولى لتشكيل لجنة إعداد البيان الوزاري، بعد غدٍ الإثنين، كما طقوس التسليم والتسلّم لاحقاً، ومن ثمّ المثول أمام مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري ونيْل الثقة على أساسه، تبدو الحكومة الجديدة، ورئيسها تحديداً، أمام مهمّات عاجلة واستثنائيّة، يوحّدها عنوان واحد: إنقاذ لبنان المدمّر، دولةً وبشراً وحجراً.. وذلك، في ضوء القهر الذي عاشه اللبنانيّون على مدى 13 شهراً من دون حكومة، وبلغ الانهيار خلالها حدّاً كارثياً، وهو الأمر الذي ربّما يجعلهم يعطون فرصة، ولو قصيرة، لهذه الحكومة، بعدما ثبت أنّ كلّ المعالجات تبقى قاصرة ما لم يكن هناك حكومة، تتولّى مسؤولية السلطة التنفيذيّة بأوسع نطاقها، لا أن تبقى الملفّات المتراكمة عالقة عند حكومة تصريف أعمال، بدءاً من واقع هجرة بدت بحجم الهروب، مروراً بفقدان الأدوية والمستلزمات الطبيّة، وانقطاع الكهرباء والمحروقات، ووصولاً إلى عسكر لا يلتحق بثكناته بسبب عدم قدرته الماليّة على التنقل.
وبانتظار بعد غدٍ الإثنين، موعد الاجتماع الأوّل للحكومة، لالتقاط الصورة التذكاريّة ولتأليف لجنة صياغة البيان الوزاري، تحدّثت معلومات عن بيان بـ«بنود محدّدة»، بعيداً عن الجنوح الإنشائي أو «الفضفضة»، يحدّد مجموعة العناوين المعروفة التي تشكّل خريطة عمل الحكومة، فإن تمّ ذلك، فثمّة احتمال كبير بأن تُعقد جلسة الثقة في المجلس النيابي أواخر الأسبوع المقبل، وإن تعذّر ذلك، فستُعقد الجلسة في موعد مبدئي في 20 من الجاري.
وتبعاً لذلك، فإنّ الأوساط السياسيّة، على اختلافها، تُجمع على أنّ هذه الحكومة ستكون في سباق مرير مع الوقت، اعتباراً من اللحظة التي ستنال فيها ثقة المجلس النيابي، ومهمّتها الأولى إعداد سلّة واسعة من الإصلاحات الضروريّة، التي تراعي متطلّبات الشعب اللبناني، وتلبّي في الوقت نفسه نصائح المجتمع الدولي، الذي أكّد أنّ مفتاح المساعدات الدوليّة للبنان مرتبط بخطوات جدّية تعيد ثقة المجتمع الدولي بالحكومة اللبنانية، وبإصلاحات تحاكي تطلعات اللبنانيين، وفي مقدّمها مكافحة الفساد.