قلب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الطاولة على العملية السياسية بشكل غير مسبوق، معلناً اعتزاله العمل السياسي نهائياً، وهو ما دفع أنصاره إلى التعبير عن غضبهم من النظام السياسي، حيث اقتحموا مقر الحكومة في المنطقة الخضراء، وأعلن الجيش العراقي حظراً للتجوال في بغداد، ودخلت جميع الوحدات العسكرية حالة الإنذار القصوى، وسط قلق عربي ودولي من تفاقم المواجهات، بينما دعت دول عربية وأجنبية الأطراف العراقية إلى الاحتكام للحوار.
ويأتي إعلان الصدر هذه المرة اعتزال العمل السياسي، استثنائياً، فهو قد سبق واعتزل السياسة خمس مرات من عام 2003 وحتى 2021، إلا أن المرة السادسة للاعتزال له بعد ديني حساس، فقد جاء عقب ساعات من بيان اعتزال أعلنه المرجع الديني كاظم الحائري من النشاط الديني، وانتقد فيه مقتدى الصدر، وحمله مسؤولية تعطيل العملية السياسية.
والعلاقة بين المرجع الحائري وعائلة الصدر وثيقة وذات تأثير على عامة الناس، فالحائري هو تلميذ محمد باقر الصدر، و ومقرب من محمد صادق الصدر "والد مقتدى"، في الحوزة الدينية بالنجف، ثم تابع تحصيله الديني في قم الإيرانية. وبعد قرار النظام العراقي إعدام محمد باقر الصدر عام 1980، حل تلميذه كاظم الحائري مرجعاً شعبياً وسياسياً، وكان بمثابة المؤتمن على إرث عائلة الصدر.
اعتزال مفاجئ
يوم أمس، أعلن الحائري بشكل مفاجئ اعتزاله كمرجع ديني، وبرر قراره بـ«المرض والتقدم في العمر».
ووجه الحائري بسهام النقد لمقتدى الصدر، وذكر أنه لا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب إلى عائلة الصدر، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم عائلة الصدر أو يتصدى للقيادة باسمها، وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية «فهو ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب».
رد على التوبيخ
ولم يخف مقتدى الصدر أن اعتزاله الحياة السياسية على صلة بتوبيخ الحائري له علناً، وعقب بيان الحائري، أعلن الاعتزال النهائي، وغلق كل المؤسسات إلا «المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر».
وقال الصدر في تغريدة على تويتر: «يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة (يقصد التيار الصدري) جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فيوضات السيد الوالد.. الذي لم يتخل عن العراق وشعبه»، ودافع الصدر عن أسلوبه في العمل السياسي قائلاً: «وما أردت إلا أن أقوّم الاعوجاج، الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم، وأن يشعروا بمعاناته».
وشكك مقتدى الصدر في أسباب اعتزال حائري، قائلاً في بيانه «وعلى الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع (الحائري) لم يكن من محض إرادته.. وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً (بغير إرادته)، إلا أنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي».
وألمح الصدر إلى احتمال تعرضه للاغتيال بعد أن ختم بيانه متوجهاً لأنصاره: «الكل في حل مني.. إن مت أو قتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء».
الاقتحام وحظر التجول
وعقب الاعتزالين، الحائري والصدر، واقتحم أنصار الصدر مقر مجلس الوزراء الرئيسي، وتظاهروا في داخله، واشتبك شبان موالون للصدر خرجوا إلى الشوارع مع أنصار جماعات موالية للإطار التنسيقي، وتبادل الطرفان الرشق بالحجارة خارج المنطقة الخضراء ببغداد، التي تضم العديد من مقرات الوزارات والسفارات، وقالت الشرطة ومصادر طبية: إنه قتل 12 شخصاً في الاشتباكات.
وأعلن الجيش العراقي حظر التجول بدءاً من الثالثة والنصف عصراً (1230 بتوقيت جرينتش)، وحث المتظاهرين على مغادرة المنطقة الخضراء لتجنب الاشتباكات. وأمر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بدخول جميع القطعات العسكرية في حالة الإنذار القصوى.