دائماً ما يخذل وادي درنة مدينته المنكوبة، فقد حدث ذلك مرات عدة عاث فيها تقتيلاً، رغم محاولات كبحه إلا أنه عصي على الترويض.

تقع درنة بين مدينة البيضاء ومدينة طبرق، وهي مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شمال شرق ليبيا يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر ثاني كبرى مدن الجبل الأخضر بعد مدينة البيضاء ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر، ويشطر المدينة مجرى الوادي إلى شطرين وهذا الوادي يسمى وادي درنة وهو أحد الأودية الكبيرة المعروفة في ليبيا.

ضرب الإعصار دانيال ليبيا بعدما قد سبقها إلى اليونان، لكن حصيلة ضحاياه في ليبيا كانت كارثية خاصة مدينة درنة التي يقسمها الوادي "الخاذل" لأهله دائماً.

آلاف الضحايا والبيوت غمرتها مياه السيول نحو البحر بسبب انهيار سدين أنشآ من أجل السيطرة على عنفوان هذا الوادي المتمرد بعدما امتلأ  بفعل الإعصار دانيال ما أحدث طوفاناً اقتلع كل ما يواجهه وجعل السلطات تعلن درنة مدينة مفقودة.

وعن تاريخ وادي درنة وخذلانه لمدينته، قال المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي لوكالة أنباء الأناضول إن جميع مناطق شرق ليبيا عدا بنغازي تقع بمحاذاة أو وسط الجبل الأخضر الضخم، إلا أن وقوع نصف درنة تحت مجرى الوادي هو السبب في ارتفاع حجم الأضرار المادية والبشرية في المدينة.

وذكر الدرناوي للأناضول، أن وادي درنة هو مصب لكل السيول القادمة من جنوب درنة من مناطق المخيلي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات.

وقال: بعد امتلاء وادي درنة بفعل إعصار دانيال انهار اثنان من السدود التي كانت الضامن الوحيد لحجز مياه السيول المنحدرة من أعالي مناطق الجبل فكانت الكارثة المحققة.

وفق الدرناوي فإن السدين المنهارين هما سد البلاد وسيدي بومنصور اللذان يحبسان في العادة مياه السيول في الوادي.

وتحدث المؤرخ الليبي عما سماه التاريخ الطويل من خذلان وادي درنة لسكان المدينة.

وقال إن وادي درنة هو أشهر واد في ليبيا وأبرز معالم المدينة إلا أنه في الوقت ذاته يشكل مصدر خطر دائم على السكان لتسببه في السابق بكوارث مشابهة لما يعيشه السكان اليوم جراء إعصار دانيال.

ففي عام 1941، حدث فيضان كبير في وادي درنة وضرب المدينة وجرف من قوته دبابات وآليات حربية ألمانية إلى البحر، حسب المؤرخ الليبي.

ويضيف أن ذلك كان في أثناء الحرب العالمية الثانية، لذلك لم يتحدث أحد عن الأضرار البشرية التي وقعت آنذاك مع الجزم أنها كانت كبيرة.

أما عام 1959، فإن فيضاناً كبيراً آخر حدث -كما يوضح الدرناوي- بسبب ارتفاع مستوى المياه في الوادي وأوقع قتلى ومصابين بالمئات ودمر العديد من المنازل، ومن شدة قوته حركت المياه المندفعة الصخرة الكبيرة في درنة، المعروفة بصنب الزيت، إلى مسافة كبيرة من منطقة عين البلاد حتى منطقة وسط المدينة.

ويسجل المؤرخ الليبي فيضانات أخرى بسبب وادي درنة عامي 1968-1969 لكنها لم تسجل أضرارا كبيرة وقتها، على حد قوله.

وفي محاولة من السلطات المحلية لوضع حد للوادي المخيف، قال المؤرخ الليبي: بنيت السدود الحالية التي انهارت أمس الاثنين وهما سدا البلاد وبومنصور عام 1986، وبعد إنشائهما في ذلك الوقت حدث تسريب في أحد السدود عبر بالوعة التصريف ما أسفر عن حدوث فيضان آخر في وادي درنة خلّف أضرارا بشرية.

ولم تنقطع الكوارث الطبيعية في وادي درنة حتى في التاريخ المعاصر وفق الدرناوي، حيث فاض الوادي عام 2011 بعد أن حاولت السلطات المحلية فتح السدود لتصريف المياه التي تراكمت وقتها بفعل الأمطار الغزيرة وكادت المدينة تغرق.

خسائر انهيار سدي وادي درنة طالت الممتلكات المادية للمدينة، ففي وقت سابق قال الحسين سويدان، رئيس مصلحة الطرق والجسور بحكومة الوحدة الوطنية إن شبكة الطرق والجسور في مدينة درنة شرقي البلاد انهارت بشكل كامل جراء الإعصار، موضحا أن تكلفة إعادة إعمارها تبلغ حوالي 300 مليون دينار (نحو 67 مليون دولار).

ووفق العربية نت فقد  أكد أحد الأكاديميين، الذي نشر بحثا عام 2022 أن تكرار الفيضانات يهدد السدود المبنية في وادي درنة، وهو عبارة عن مجرى نهر جاف في العادة، وحث على إجراء أعمال الصيانة بشكل فوري.

وكتب عبد الونيس عاشور، الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار الليبية، في دراسته هذه "إذا حدث فيضان ضخم، ستكون النتيجة كارثية على سكان الوادي والمدينة برمتها".

كما حذرت تلك الدراسة التي نشرتها مجلة جامعة سبها للعلوم البحثية والتطبيقية من تهالك السدود القائمة في المنطقة، مشددة على أن الوضع القائم في حوض وادي درنة يحتم على المسؤولين اتخاذ إجراءات فورية بإجراء عملية الصيانة الدورية للسدود القائمة لأنه في حالة حدوث فيضان ضخم فإن النتيجة ستكون كارثية على سكان الوادي والمدينة.

ولفت إلى أنه من خلال الزيارة الميدانية إلى وادي درنة تم العثور على بعض المساكن في مجرى هذا الوادي، الأمر الذي يتطلب توعية المواطنين بخطورة الفيضانات واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لسلامتهم.

كما دعت إلى إيجاد وسيلة لزيادة الغطاء النباتي بحيث لا يكون ضعيفا ويسمح للتربة بالانجراف للحد من ظاهرة التصحر.

يشار إلى أن مدينة درنة كانت بشكل خاص أقل قدرة على الصمود أمام الفيضانات التي اجتاحتها منذ الأحد الماضي، لاسيما فقد ألقيت أحياء بأكملها في البحر، لاسيما بعد انهيار السدين ولا يزال الآلاف في عداد المفقودين، بينما تستمر الأمواج في قذف الجثث.