يعيد «زلزال المغرب» إلى الواجهة تساؤلات واسعة حول قدرات البلدان العربية في إدارة مخاطر الزلازل المدمرة، ومدى الاستعداد المسبق لتلك النوعية من الكوارث على عديد من الاتجاهات، بدءاً من أكواد البناء وبما يراعي معاملات الأمان، ومروراً بالأدوات الرقابية والتشريعات، وحتى الاستعدادات على المستويات الوطنية والإقليمية في سياق التنبؤ باستخدام الأساليب العلمية الحديثة، لتحديد المناطق الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي.
وبينما تقع عديد من الدول العربية بحدود الأحزمة الزلزالية ومناطق حركة الصفائح التكتونية، فإن مخاطر الزلازل وبينما لا يمكن إيقافها، إلا أنه يمكن التخفيف منها وإدارتها بصورة تمكن من الحد من الآثار السلبية والخسائر.
في هذا السياق، يشرح أكاديميون غربيون مختصون - في تصريحات متفرقة لـ «البيان»- كيف يمكن للبلدان العربية إدارة مخاطر الزلازل المدمرة، محددين مجموعة من الاستراتيجيات الضرورية التي يمكن من خلالها الحد من المخاطر على نحو واسع.
في البداية، وحول ما يمكن أن تفعله الحكومات من أجل درء المخاطر، يقول الأستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، المتخصص في إدارة مخاطر الزلازل، لورانس بالينكاس، لدى مشاركته في استطلاع «البيان» إن «الشيء الوحيد الذي تعلمناه عن الزلازل بشكل خاص والكوارث الطبيعية عموماً هو أن الحكومات لا تستطيع تحمل ترف التعامل بمفردها في الاستجابة لهذه الأحداث».
خطوات استباقية
وفيما يتعلق بالخطوات الاستباقية التي يمكن اتخاذها للحد من المخاطر، يشير الأكاديمي الأمريكي إلى أن «الزلازل ذات القوة المماثلة في أماكن مثل المغرب تعتبر أحداثاً نادرة. ومع ذلك، فإن تزايد تواتر وشدة الأحداث المتطرفة المرتبطة بتغير المناخ يتطلب أن يكون لدى جميع البلدان خطط متطورة للتأهب للكوارث والاستجابة لها».
يشمل ذلك خططاً لحركة المواد والإمدادات، وتدريب المستجيبين الأوائل، وتطوير الإسكان والبنية التحتية القادرة على تحمل مثل هذه الأحداث. علاوة على توفير الخدمات الطبية والاجتماعية اللازمة للناجين.
ويعد تدريب العاملين في مجال الصحة المجتمعية على الاستجابة للكوارث والتعافي منها استراتيجية فعالة من حيث التكلفة في ضوء الأعداد المحدودة من المهنيين المدربين.
انهيار المباني
أما الأستاذ بجامعة ستانفورد الأمريكية، ويليام إلسورث، الذي يركز مجال بحثه على دراسة الصدوع النشطة والزلازل التي تولدها وفيزياء مصدر الزلزال، يقول في تصريحات خاصة لـ «البيان» إنه لا يمكن التنبؤ بالزلازل، بينما ما يمكننا فعله هو تحديد عدد المرات التي يمكن توقعها فيها، إذ تعتبر هذه المعلومات بالغة الأهمية لضمان عدم انهيار المباني والهياكل الأخرى عند حدوثها.
ويشير إلى أنه يمكن ربط الخسائر الفادحة في الأرواح في كل من الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا في وقت سابق من هذا العام والزلازل المأساوية في المغرب بشكل مباشر بـ «البناء الذي لم يتضمن السلامة الزلزالية الكافية».
ويضيف: وكما نقول إن «الزلازل لا تقتل الناس، بل المباني هي التي تقتلهم».. بالتالي فإن رفع مستوى المباني القائمة إلى مستوى المعايير الزلزالية الحديثة يمثل تحدياً كبيراً، ولكن يتعين علينا أن نصر على أن تلبي جميع المباني الجديدة الحد الأدنى من معايير سلامة الحياة.
10 استراتيجيات أساسية
في المنطقة العربية التي تحتوي على عديد من الهياكل القديمة التي لا تتوافق مع معايير التصميم الحالية، فإن «إدارة مخاطر الزلازل المدمرة تمثل تحدياً معقداً»، طبقاً للأستاذ في جامعة كولومبيا البريطانية، شهريا آلان، المتخصص في التحليل الزلزالي وتصميم المباني والجسور، والذي يحدد في تصريحات خاصة لـ «البيان» 10 استراتيجيات أساسية يمكن للحكومات استخدامها للتخفيف من احتمال حدوث «سيناريو مظلم»: أول تلك الاستراتيجيات ما يتعلق بـ «التقييم الزلزالي والتعديل التحديثي»، ذلك أن إحدى الطرق الأكثر فعالية لحماية الهياكل القديمة هي تحديثها لتلبية المعايير الزلزالية الحديثة.
ومع ذلك، قبل إجراء هذا التقييم المناسب، يتعين إجراء تحديد تلك الهياكل التي يحتمل أن تكون عرضة للخطر أثناء الزلازل. ويتبع ذلك تقوية العناصر الهيكلية للمبنى الناقص لمقاومة الزلازل. ويمكن للحكومات تحفيز أصحاب المباني على تحديث ممتلكاتهم من خلال الإعفاءات الضريبية، أو القروض منخفضة الفائدة، أو المنح.
ثاني تلك الاستراتيجيات مرتبط بالحفاظ على التراث، ذلك أنه في المناطق التي تحتوي على عديد من الهياكل التاريخية، يمكن للحكومات تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث الثقافي وضمان السلامة من خلال تشجيع تقنيات الحفاظ المبتكرة التي تعزز أيضاً القدرة على مقاومة الزلازل.
ويشير الأستاذ بجامعة كولومبيا البريطانية، كذلك إلى الاستراتيجيات المرتبطة بالتوعية العامة والتعليم، بحيث يتعين على الوكالات الحكومية تثقيف الجمهور بشأن الاستعداد للزلازل وتدابير السلامة. ويشمل ذلك إجراء حملات توعية عامة، وتوفير الموارد لأصحاب المنازل لتقييم وتحسين السلامة الزلزالية لمنازلهم، وإجراء تدريبات منتظمة على الزلازل.
وتضاف أيضاً لتلك الاستراتيجية استخدام «أنظمة الإنذار المبكر»، على اعتبار أن الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر بالزلزال يمكن أن يوفر ثواني حرجة إلى دقائق من الإشعار المسبق قبل وقوع زلزال كبير. يمكن أن يسمح ذلك للأشخاص بالخروج من الهياكل المعرضة للخطر التي يمكن أن تنهار وتقليل الإصابات والوفيات.
بالإضافة إلى «تخطيط الاستجابة للطوارئ»، من خلال وضع خطط شاملة للاستجابة لحالات الطوارئ تشمل التنسيق بين الوكالات الحكومية والمستجيبين الأوائل والمنظمات المجتمعية. مع التأكد من وجود خطط للنشر السريع لفرق البحث والإنقاذ والمساعدة الطبية وتوزيع الإمدادات الأساسية.
ويضيف الأستاذ بجامعة كولومبيا البريطانية للاستراتيجيات المذكورة «تخطيط استخدام الأراضي»، ضمن الاستراتيجيات الضرورية، بحيث يتعين على الحكومات تقييد التطورات الجديدة في المناطق الزلزالية عالية المخاطر وتشجيع تخطيط استخدام الأراضي الذي يقلل من التعرض لمخاطر الزلازل. ويشمل ذلك تجنب البناء على خطوط الصدع النشطة والتضاريس غير المستقرة.
وذلك جنباً إلى جنب والعمل على تطبيق وتحديث قوانين ولوائح البناء لضمان التزام جميع الإنشاءات الجديدة بمعايير السلامة الزلزالية. وينبغي أيضاً تنفيذ متطلبات التعديل التحديثي للمباني القديمة، وفرض عقوبات على المباني غير المتوافقة.
ترقية البنية التحتية
وبحسب الأستاذ بجامعة كولومبيا البريطانية، فإن من بين استراتيجيات تخفيف مخاطر الزلازل «ترقية البنية التحتية» مثل الجسور والأنفاق وأنظمة إمدادات المياه لمقاومة الزلازل. يمكن أن يساعد ذلك في منع حدوث أضرار واسعة النطاق وضمان قدرة خدمات الطوارئ على العمل بفعالية.
وكذلك تقديم حوافز مالية أو إعانات لمشاريع البناء الجديدة التي تتضمن تصميمات ومواد مقاومة للزلازل. كما يشي في الوقت نفسه إلى أهمية التعاون الدولي مع المناطق والبلدان المجاورة لتبادل المعرفة وأفضل الممارسات والموارد اللازمة للتأهب للزلازل والاستجابة لها.
كما يمكن الاتصال بعديد من وكالات التمويل الدولية التي يمكنها جلب خبراء مشهورين لتثقيف الممارسين حول التصميم الزلزالي الحالي ومعايير البناء الأكثر أماناً.
مراقبة البناء
الأستاذ بقسم الهندسة المدنية والبيئية، في جامعة ويسترن، ماجد يوسف، يقول في تصريحات خاصة لـ «البيان» إنه من الضروري استكشاف فلسفة التصميم الزلزالي، موضحاً أنه «عند تصميم المباني، نتوقع أنها قد تتعرض للضرر أثناء الزلازل، ولكن هدفنا الأساسي هو منعها من الانهيار».
ويوضح أن الاحتمالية المنخفضة نسبياً لتعرض المبنى لزلزال كارثي خلال عمره التشغيلي ينعكس على التصميم، بالإشارة إلى أن المباني التي تنهار أثناء الزلازل عادة ما يتم تشييدها قبل التقدم الكبير في التصميم الزلزالي الذي تم إجراؤه في السبعينيات أو عانت من عدم كفاية مراقبة الجودة أثناء البناء.
ولمعالجة هذه المشكلة، ينبغي على الحكومات أن تفوض أصحاب المباني لتوثيق السمات الأساسية للمباني القائمة، وتقديم التقييمات الهيكلية، وإجراء الإصلاحات اللازمة عند الحاجة. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ملحة لتعزيز عمليات التحقق من التصميم للمباني الجديدة وتعزيز تدابير مراقبة جودة البناء.