تقارير «البيان»

لبنان .. بين مطرقة السياسة وسندان الجنوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يتأخر انهيار «هدنة غزة» مرحلياً، مع تجدّد القتال بين حركة «حماس» وإسرائيل، في تحريك الجبهة الجنوبية في لبنان، التي شهدت، خلال الساعات الماضية، تصعيداً قوياً، عبر قصف متبادل بين «حزب الله» وتل أبيب، في مؤشر على تطور سير المعركة، بل ربما الاستعداد لجولات أكثر عنفاً، ما أرخى بظلال المخاوف على مجمل الداخل اللبناني.

هذا التطور، سبقه تحذير عالي النبرة، من وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، التي اعتبرت أن الوضع الأمني في لبنان «أخطر مما كان عليه عام 2006» (إبّان حرب يوليو)، محذرة من أن «أي خطأ في الحسابات يمكن أن يجر لبنان إلى تصعيد، يتجاوز جنوبه».

تأتي جولة التصعيد المتجددة، في وقت يتواصل فيه الاندفاع الدولي صوب لبنان، لتحذيره من مغبة الانزلاق إلى حرب، لا حصر لتداعياتها، وامتداداتها. آخر فصول هذا الاندفاع كان مصاحباً للموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي عكس، قبل مغادرته بيروت، دقة الظروف الأمنية في الجنوب، فوصف الوضع هناك بـ«حالة طوارئ»، وشدد على أن «الأزمة الحالية تستوجب المعالجة الفورية لمسألة الانتخابات الرئاسية، لأنه ستكون هناك مفاوضات، يستحسن وجود سلطة لبنانية، تحاور باسم الأفرقاء كافة»، وإلا فـ«لن يعود لبنان مقرراً لمصيره، بل سيخضع له».. فهل من حلول قريبة، أم أن التأجيل سيد الموقف طالما الكلمة للمدفع؟

تخبّط سياسي

لا يزال لبنان يعيش سجالات حول الملفات، دون حسم أي منها، ما يعني تأجيل الأزمات، وتمديدها، عوضاً عن حلها. هذا ما أجمعت عليه مصادر سياسية مراقبة، نوّهت بوقع الأزمات والصراعات السياسية، الإقليمية، على قدرة التوصل إلى تسوية شاملة، وقالت لـ«البيان»، الأسوأ من ذلك، اتسام الطروحات الدولية بالآلية اللبنانية ذاتها، لجهة عدم القدرة على البت في حل الأزمات، وتعليقها، الأمر الذي لا يزال مستمراً إلى اليوم، منذ الانخراط الدولي عبر مبادرات عديدة، آخرها المبادرة الفرنسية المتعثرة منذ 2020، وصولاً إلى زيارة لودريان الأخيرة، التي لم تحمل أي فكرة جديدة، قابلة للتطبيق.

قيادة الجيش

على خط قيادة الجيش، تجدر الإشارة إلى أن حكومة تصريف الأعمال تمر بسلسلة مطبات، حالت دون تمكنها من اتخاذ قرار في شأن التمديد لقائد الجيش الحالي، العماد جوزف عون، أو تأخير تسريحه، جرّاء مداخلات سياسية، منعت اتخاذ القرار. بالتالي، انقضت المهلة الممنوحة للحكومة لحسم الملف قبل نهاية نوفمبر الماضي، ما يعني انتقال ملف قائد الجيش، تلقائياً، إلى المجلس النيابي، للبت فيه خلال جلسة تشريعية، قال رئيس المجلس النيابي اللبناني، نبيه بري، إنه سيدعو إليها، قبل منتصف ديسمبر الجاري.

وفق معلومات حظيت بها «البيان»، يبدو أن مفاعيل المطبات السياسية التي اعترضت اتخاذ قرار التمديد لقائد الجيش (الذي تنتهي ولايته 10 يناير المقبل)، أو تأخير تسريحه، انتهت، مع عدم اتخاذ الحكومة للقرار، بل ستسحب نفسها على مجلس النواب، إذ تشير التوجهات السياسية والنيابية، والمواقف المعلنة وغير المعلنة، إلى معركة سياسية حامية، تنتظر هذا الملف في الجلسة التشريعية. علماً بأن بعض القوى الداخلية، تعارض مبدأ التمديد لقائد الجيش، على افتراض أنه سيسهم في تأخير إنجاز الانتخابات الرئاسية، طالما أيدت قوى محلية وصوله إلى سدّة الرئاسة. وبالتالي، فالتمديد له سيسهم في تمديد الفراغ بالنسبة إلى هؤلاء، على أمل تغيير الظروف لصالح وصوله.

الحديث عن التحفيز الدولي للتمديد لقائد الجيش، لابد أن يحصل، في ظل أوضاع أمنية وعسكرية، غير مستقرة في الجنوب. لذا، لا بد من البحث عن مخرج سياسي، يعزز الاستقرار، ويطبق القرار الدولي (1701)، ولو نظرياً، يعيد تشكيل السلطة في لبنان، مع ما يعنيه الأمر من كون التفسيرات المتناقضة المعطاة داخلياً لمسألة التمديد أو معارضته لها ارتباطاتها المتعددة بـ«ملف رئاسة الجمهورية»، ووضع المؤسسة العسكرية، وإعادة الاستقرار إلى الجنوب.

Email