العالم من الوباء إلى الغلاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي يحارب فيه العالم تداعيات جائحة كوفيد-19 التي تمثل أصعب أزمة صحية، التي تسببت دون الحديث عن الوفيات، في فقدان 500 مليون وظيفة وخسائر بآلاف المليارات من الدولارات، جاءت حرب أوكرانيا لتزيد الطين بلة حيث أدت إلى ارتفاع جنوني أسعار السلع الاستهلاكية بطريقة غير مسبوقة بسبب اعتماد أغلبية دول العالم على صادرات القمح الروسية الأوكرانية.

والحقيقة الأساسية الجلية هي أن العالم لم يكن مستعدا لمواجهة الجائحة على اعتبار أن المعطيات المتعلقة بالفيروس كانت مجهولة، لكن الجائحة عن قصور فادح في النظم الصحية، وثغرات واسعة في الحماية الاجتماعية، ومظاهر تفاوت، واليوم الحرب في أوكرانيا أظهرت قصور في الأمن الغذائي وغياب التخطيط الاستباقي حيث يكرر نفس الخطأ بعدم الاستعداد للتحديات المقبلة، إذ أن أزمة روسيا وأوكرانيا ليست بالجديدة وكان من الأجدر بحث كل السيناريوهات وتحديد خيارات وبدائل إذا ما اندلعت الحرب، حيث أن الجميع يتساءل من سيكون قادرًا على تعويض الإمدادات الأوكرانية والروسية من القمح أو الذرة أو زيت عباد الشمس؟، فكل دولة تحاول إيجاد مخرج لها بشكل منفرد، ما يفرض أعباء ثقيلة على الفقراء ويهدد بزيادة الاضطرابات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم سيما في الدول الفقيرة المستوردة للمواد الغذائية.

من المعروف أن قلة العرض مقابل زيادة الطلب تؤدي إلى ارتفاع الأسعار حيث ارتفع سعر القمح والذرة بنسبة 40 بالمئة منذ بداية الأسبوع الماضي، لا يمكن توقع متى سيتوقف الارتفاع بسبب توقف حوالي 30 بالمئة من صادرات القمح العالمية، كما أن 35 بالمئة من إنتاج القمح في العالم يستخدم في إنتاج العلف الحيواني ولذلك سيؤدي ارتفاع أسعار القمح وتراجع الإنتاج إلى زيادة في أسعار منتجات اللحوم والمنتجات الحيوانية.

إن نظُمنا الغذائية يعتريها القصور، وقد أتت حرب أوكرانيا لتقسو أيضا على البلدان النامية حيث قد يشهد العالم حالة طوارئ غذائية وشيكة، ما يعد كارثة بالفعل بالنسبة للمتأثرين به بشكل مباشر، وسيكون أيضاً مأساة لأفقر شعوب العالم مع ارتفاع نسبة التضخم.

وللأسف تزداد التوقعات بأيام صعبة وغلاء إضافي في ظل مؤشرات على أن الحرب في أوكرانيا ستكون طويلة على حسب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي القائمة في الشرق الأوسط وأفريقيا بسبب الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية وأن مثل هذه الحالة يمكن أن تكون لها آثار طويلة الأمد على مئات الملايين. 

لذلك فالعالم بحاجة  إلى التحرك العاجل لإنهاء الحرب لتلافي أسوأ الآثار الناجمة عن أزمة الغذاء وتجنب عواقب عميقة على الاستقرار السياسي والاجتماعي.

Email