تكاد اليمن تعرف بالبن و(بن موكا) تحديداً، وهو المنتج الزراعي، الذي حصد النصيب الأكبر من الشهرة، العائدة لجودته العالية ومذاقة المميز، مقارنة بباقي الأنواع العالمية الأخرى، غير أن تداعيات تغير المناخ وعوامل أخرى جعلت من جودته العالمية أمام تحديات كبيرة.
ويحتل البن مركزاً مهماً في التجارة العالمية في وقتنا الراهن، حيث بلغت قيمة المبيعات فيه إلى أكثر من خمسة مليارات دولار عام 1981م، وارتفاع هذا الرقم سنوياً، وتقدر المساحة الزراعية المخصصة للبن حالياً في أنحاء اليمن بنحو 32984 هكتاراً حسب وزارعة الزراعة، ويزرع في الوديان، وفي السفوح والمدرجات الجبلية على ارتفاعات تتباين من 700-2400 متر فوق مستوى سطح البحر.
وتعتمد آلاف الأسر اليمنية على محصول البن لتنمية دخولها، حيث يعمل في هذا المجال ما يقارب المليون شخص بدءاً من زراعته وحتى تصديره، أما من حيث الإنتاج فانخفضت كمية إنتاجه نهاية العام 2018م بحسب الإحصاءات الرسمية إلى 18642 طناً، مقارنة بعام 2014م بكمية إنتاج بلغت 20059 طناً، وهذه الأرقام تبدو صادمة جداً إذا ما تم مقارنتها بكميات البن المنتجة في إثيوبيا، والتي تصل إلى نحو نصف مليون طن سنوياً
ويعد البن الخولاني الأفضل، إضافة للإسماعيلي، الذي يزرع في مديرية مناخة- عزلة بني إسماعيل- محافظة صنعاء، وكذا البن الآنسي، والحرازي، واليافعي، والمطري، والبرعي، الحمادي، والبن الحواري، والريمي والأوصابي، وكذلك الحيمي.
كما أن أسواق الاستهلاك الرئيسة للبن اليمني هي دول الخليج العربي والولايات المتحدة واليابان.
ويواجه مزارعو البن مشاكل متعددة، أدت إلى تدني محصولهم السنوي، من أهمها الجفاف مع غياب وسائل حفظ المياه من حواجز وسدود، للاحتفاظ بمياه الأمطار، واستخدامها وقت الحاجة، وتفتت أحجام الحيازات واستمرار تفتيتها إلى وحدات أصغر، وربما تنتهي إلى ملكية عدد من الأشجار داخل قطعة أرض صغيرة، وتراجع إنتاج البن في اليمن منذ سنوات لأسباب متعددة.
ويوضح د. منصور حسن الضبيبي خبير البن في الصندوق الاجتماعي للتنمية لـ«البيان» أن «تدني مستويات الإنتاج يرجع إلى العديد من العوامل المحددة لتطوير إنتاج وتسويق محصول البن ومن هذه المحددات: قلة المياه وتدهور التربة في مزارع البن، فقد تعرضت اليمن إلى موجات متتالية من الجفاف، إضافة إلى ما يقوم به الإنسان من تدمير للغطاء النباتي، وعدم صيانة المدرجات، والتي تلعب دوراً مهماً في تثبيت التربة ومقاومة التصحر والتعرية».
ويضيف الضبيبي وهو أستاذ بكلية الزراعة بجامعة صنعاء، وبما أن المساحات الزراعية المعتمدة في زراعتها على الأمطار تشكل نحو 75 في المئة والري بالسيول والفيضانات 8.4 في المئة والري بالآبار 11.5في المئة والري بمياه الغيول 2.6 في المئة ولشحة الأمطار، وسوء توزيعها في بعض المواسم، بالإضافة إلى عدم توفر السدود والخزانات الكافية في مناطق زراعة البن وغياب الوسائل الحديثة في الري فإن كثيراً من مزارع البن خاصة في المدرجات الجبلية تتعرض إلى فترات من الجفاف تقلل من الإنتاج، وتحد من التوسع في الزراعة، ومما يزيد الأمر تعقيداً هو استحواذ القات على مصادر الري من المياه الجوفية، كما أن الري يتم بطريقة بدائية مما يزيد من هدر المياه، أضف إلى ذلك أن محدودية الأراضي الزراعية في اليمن وزحف القات، بالإضافة إلى تعرض بعض تلك الأراضي للانجراف والتعرية والتوسع العمراني فإن ذلك شكل عائقاً في عنصر مهم من عناصر الإنتاج، كما أن التضاريس الجبلية للمنحدرات الصعبة وهي نحو 30-40 في المئة من الأراضي الزراعية تعتبر عائقاً أيضاً في الإنتاج وعملية النقل.
ويشدد الضبيبي على أن تسويق البن تعد من أهم المشاكل، التي تواجه مزارعي البن، وتجعل البعض منهم يكدس إنتاجه في مخازنه الخاصة وتدفع الآخرين إلى الرضوخ لأسعار وشروط الوسطاء (الوكلاء) مشيراً إلى أن تهريب البن الخارجي إلى الأسواق اليمنية أثر سلباً على أسعار البن في الأسواق المحلية.
ورغماً عن كل معوقات زراعة البن في اليمن، إلا أن الضبيبي يؤكد أن البن اليمني من الممكن أن يكون مفتاح السر لتحقيق تنمية واعدة إذا توفرت الإرادة السياسية.
من جهته، يوضح د عبدالله ناشر الأستاذ في كلية الزراعة لـ«البيان» تبني ثلاثة من أساتذة كلية الزراعة مشروعاً لتجميع 400 طرز من البن ذات الصفات الوراثية المميزة كالبن الحرازي والعديني وإجراء الاختبارات لانتخاب أصناف من هذه الطرز بعد دراستها، وانتقاء أنواع منها ذات جودة مميزة وقادرة على التلاؤم مع بيئات زراعية مختلفة وذات إنتاجية عالية، ومن ثم تعميمها في أغلبية مناطق زراعة البن في اليمن، ولتطوير زراعة البن كذلك يحدد ناشر ضرورة التطوير لتقنية زراعته من بداية وضع البذرة إلى تعليب المنتج في معلباته النهائية، ولا سيما في عمليات ما بعد الحصاد من حيث تنقيته بشكل جيد وفرزه، من حيث أحجام ثمرته حسب الجودة والتحميص والدق والتعليب في صورته النهائية.