في منطقة تزيد مساحتها عن 500 كيلومتر مربع، وتمتد من أعالي منابع الفرات نزولاً حتى الساحل السوري، يعيد الزلزال المدمر تشكيل حياة ملايين السكان، بعدة طرق مأساوية. وأظهرت مقاطع فيديو خلال عمليات الإنقاذ، حالات نجا فيها أطفال تحت الركام نتيجة ارتماء أحد الأبوين عليهم لحمايتهم خلال تهدم المنازل جراء الزلزال.
في النتيجة، فقدت آلاف العائلات أفراداً، وتناقص عددها إلى حد كبير، خاصة في الدائرة الأعنف من الزلزال بين كهرمان مرعش وغازي عينتاب وأنطاكيا.
وكما في كل الكوارث الطبيعية، فإن الأزمات الناجمة عنها تمتد على مراحل؛ الأولى عمليات الإنقاذ من تحت الركام وإسعاف الجرحى، والثانية إيواء المتضررين والمشردين ممن فقدوا منازلهم، ثم الآثار الاجتماعية العميقة مثل بقاء طفل واحد في العائلة على قيد الحياة، أو أب فقد كل عائلته، أو أم نجت وحيدة ومضطرة للعيش بلا معيل.
رعاية طويلة الأمد
ولم يتضح بعد حجم الكارثة في هذا الجانب، إلا أن مؤشرات عديدة تنبئ أن هناك حاجة لرعاية طويلة الأمد بعد مرحلة المساعدات العاجلة التي تجري حالياً، وخاصة في سوريا، حيث الإمكانيات الخدمية أقل مقارنة بتركيا، بسبب الحرب الطويلة التي أنهكت عموم البلاد.
ووفق ما أعلنت الأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، فقد تأثّر أكثر من سبعة ملايين طفل بالزلزال المدمّر والهزة الارتدادية الكبيرة التي أعقبته في تركيا وسوريا الأسبوع الماضي، معربة عن مخاوف من أن يكون «الآلاف» غيرهم لقوا حتفهم.
في تركيا، كان مجموع الأطفال الذين يعيشون في المحافظات العشر التي ضربها الزلزالان 4,6 مليون طفل. في سوريا، تأثّر 2,5 مليون طفل.
وأشار المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) جيمس إلدر للصحافيين في جنيف، إلى أنه بالنظر إلى عدد القتلى الكارثي والمتزايد، من الواضح أنّ «العديد، العديد من الأطفال فقدوا أهاليهم في هذه الزلازل المدمّرة». وحذّر من أنّ «الرقم سيكون مرعباً».
ويواجه مئات آلاف الأشخاص المشرّدين البرد والجوع بين الأنقاض. وقال إلدر إنّ عائلات مع أطفالها «تنام في الشوارع ومراكز التسوّق والمدارس والمساجد ومحطّات الحافلات وتحت الجسور، وما زالت مع أطفالها في مناطق مفتوحة خوفاً من العودة إلى منازلها».
وأضاف أنّ عشرات آلاف العائلات تتعرّض للعوامل الجوية في فترة من العام شديدة البرودة والثلوج والأمطار المتجمّدة شائعة، مشيراً إلى تقارير بشأن ارتفاع أعداد الأطفال الذين يعانون من انخفاض حرارة الجسم والتهابات الجهاز التنفّسي.
هل تخطفوننا؟
شارك المعالج النفسي جيهان جيليك على تويتر رسالة تلقاها من مسعف متطوع أُرسل إلى منطقة الزلزال. وجاء فيها أنه أثناء إحدى عمليات الإخلاء، سيطر القلق على أطفال «مصابين سألوا مراراً على طول الطريق: أين أمي، أين أبي؟ هل تخطفوننا؟»، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
وأكّد نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي أن 574 طفلاً انتُشلوا من أنقاض مبان منهارة وُجدوا بدون أهاليهم. 76 منهم فقط اجتمعوا لاحقاً بأفراد من عائلاتهم.
وأقامت مجموعة من نحو 200 متطوع، منهم معالجون نفسيون ومحامون وأطباء، مراكز تنسيق في المحافظات العشر المنكوبة بسبب الزلزال، بهدف تحديد الأطفال المنفصلين عن ذويهم ومحاولة إعادتهم إليهم بمساعدة الشرطة.
تعمل أيضًا على تحديد العائلات التي تبحث عن أطفالها المفقودين، وتجمع معلومات عن سنهم وأوصافهم وعناوين سكنهم قبل أن ترسلها إلى مراكز التنسيق.
وتوضح غوز «لدينا فرق منكبّة على العمل، تحلّل باستمرار جميع المعطيات وتقارنها بملفات المستشفيات».
وتضيف «بلغ عدد الأطفال المفقودين الذين أُبلغنا بأمرهم 180 طفلًا. أعدنا 30 منهم إلى عائلاتهم».
ويُنقل الأطفال الذين يتم انتشالهم أحياء من تحت الأنقاض إلى أقرب مستشفى بدون أن يكونوا بالضرورة برفقة أحد الوالدين. لكن إذا كان الطفل غير قادر على الكلام، فلن تتمكن الأسرة من العثور عليه سريعاً، بحسب فريق إنقاذ تركي.