تستضيف مدينة ميونيخ الألمانية مؤتمراً أمنياً يعد الأهم والأضخم على الصعيد الدولي، والذي يتزامن مع مرور عام على اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتجمع نسخة هذا العام من مؤتمر ميونيخ، أكثر من 450 من صناع القرار رفيعي المستوى وقادة الرأي البارزين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك رؤساء الدول والوزراء وقادة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وكذلك القادة من قطاع الأعمال والإعلام والبحوث والمجتمع المدني.
يركز مؤتمر ميونيخ هذا العام على أوروبا، تحت عنوان «الأمن الإقليمي». كما يركز جدول أعمال مؤتمر ميونيخ على الشراكة عبر الأطلسي والعلاقات بين الدول الغربية والصين.
سيادة العجز!
خلال السنوات الماضية، ترك مؤتمر ميونيخ بصمته على استشراف الأحداث، فضلاً عن توضيح مسار السياسات الدولية، ولدى إلقاء نظرة على الدورات السابقة، نجد تاريخاً من الإشارات والعلامات في هذا السياق.
قبل عام، في 17 فبراير 2022، انطلق مؤتمر ميونيخ للأمن تحت عنوان لافت «تغيير مجرى الأمور، التغلب على العجز».
كانت الأزمة الأوكرانية لا تزال في إطار سياسي وسط تقارير غربية مكثفة عن حشود عسكرية روسية على الحدود مع أوكرانيا. لم يتغلب العالم على العجز الشامل، واندلعت الحرب بعد أسبوع فقط من انتهاء المؤتمر.
تحدث تقرير مؤتمر ميونيخ للأمن العام الماضي، عن «عجز جماعي» في مواجهة الأزمات والحاجة لجهود دولية لحلها، لا سيما أنها تركت أثرها ليس على الأفراد وحسب، بل على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. وبحسب تقرير 2022، فإن المؤتمر أراد التصدي لفكرة ألا يصبح الشعور بالعجز الجماعي واقعاً يتحقق من تلقاء نفسه.
في مؤتمر العام الماضي، غابت روسيا لأول مرة منذ 1991، حيث كان من المقرر أن يمثل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بلاده. وكان الكرملين قال قبل انعقاد المؤتمر إن غياب روسيا رسمياً يعكس «المستوى الذي وصل إليه تدهور العلاقات بين الشرق والغرب»، وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأن المؤتمر أصبح «متحيزاً للغرب وفقد طابع الشمولية والموضوعية». كانت إشارات التوتر عالية حول طبيعة النظام العالمي.
ترامب وبايدن
ويعد مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي انطلق في نسخته الأولى عام 1963 في ذروة الحرب الباردة، محطة مهمة لاستشراف مسار النظام العالمي. وفي واقع الأمر يمكن تحديد ملامح الأزمة الحالية، بخصوص أوكرانيا، من خلال تتبع محتوى الأوراق الصادرة عن هذا التجمع العالمي الكبير. ففي نسخة 2021 على سبيل المثال، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن عودة الشراكة بين ضفتي الأطلسي (أوروبا والولايات المتحدة) وذلك بعد أربع سنوات من التوتر في ظل رئاسة دونالد ترامب، وهذا ما شكل إشارة قوية على نهاية سنوات الخلاف القصير.
2007 .. محطة مفصلية
ولدى مراجعة أوراق نسخة العام 2007، يمكن العثور على أساس الأزمة العالمية التي تعصف اليوم في كل الأنحاء حين فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظراءه الغربيين بكلمة رسمت خطاً فاصلاً بين حقبة القوة العظمى الوحيدة وعالم متعدد الأقطاب.
يمكن القول إن المواجهة الأولى، عملياً، بين الفكرتين، ظهرت خلال مؤتمر ميونيخ 2007. يومها، تحدث بوتين عن عدد من الملفات، من بينها استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية للتدخل في العراق، وحذر بحدّة من خطط نشر الدرع الصاروخية في أوروبا. ثم كان السؤال الأكثر صراحة الذي طرحه الرئيس الروسي في ملف حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فقال: «أعتقد من الواضح أنه لا يوجد علاقة بين عملية توسع الناتو، وتحديث الحلف لذاته وضمان أمن أوروبا، على العكس تماماً، هذا استفزاز خطير يقلل من مستوى الثقة المتبادلة، ولدينا الحق في أن نسأل: ضد من هذا التوسع؟».
لم ينس صناع القرار الروس هذا الخطاب الذي يستخدم حتى الآن كمرجعية روسية في العلاقات الدولية. والعام الماضي، قبل مؤتمر ميونيخ، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إنه بعد خطاب بوتين في مؤتمر 2007 «كانت هناك فرصة للغرب لفهم أن النظام أحادي القطب في العالم لا أفق ولا مستقبل له، لكنهم لم يستمعوا، وهذا ما أوصل العالم إلى حافة الهاوية».