الإمارات وحّدت الجهود الدولية في تطوير النظم وتوظيف الحلول المبتكرة

«كوب 28».. خريطة طريق لتحقيق الأمن الغذائي العالمي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثّل تغيّر المناخ تهديداً خطيراً للأمن الغذائي العالمي، والتنمية المستدامة، وجهود القضاء على الفقر، ويشكّل مقدمة لصراعات محتملة. لذا، حرص «كوب 28»، بقيادة الإمارات، على إرساء معايير جديدة للعمل المناخي العالمي، وتكاثف جهود تعزيز الأمن الغذائي بوضع خريطة طريق، تضمن توظيف حلول مبتكرة لبناء نظم زراعية غذائية قادرة على التكيّف مع تغير المناخ في ظل الارتباط الوثيق بين انعدام الأمن الغذائي والنزاعات وعدم الاستقرار وأزمة اللاجئين.

يعد الجوع أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في العصر الحديث، حيث يعاني ما يقرب من 345 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 79 بلداً، بحسب آخر إحصائية للأمم المتحدة، بزيادة حوالي 200 مليون شخص، مقارنة بمستويات ما قبل جائحة «كوفيد 19». يأتي ذلك بالتزامن، العام الجاري، مع انقضاء نصف الفترة المحددة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهي خطة مؤلفة من 17 بنداً تشمل العالم، وتهدف إلى تحقيق تحسين كبير في حياة الناس والكوكب بحلول 2030، من ضمنها القضاء على الجوع.

فيما أطلق قادة من أفريقيا، والشرق الأوسط، مبادرة شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة 10 مليارات دولار خلال مؤتمر الأطراف «كوب 28» لتحويل النظم الغذائية لملايين الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الناجم عن المناخ.

وثمّن وزراء ومسؤولون دوليون في تصريحات لـ«البيان»، «اتفاق الإمارات» التاريخي، ونجاح رئاسة مؤتمر الأطراف «كوب 28»، في حشد الجهود الدولية لنحو 198 دولة، وتحقيق توافق تاريخي بين الدول الأطراف، من أجل مستقبل العمل المناخي، والحفاظ على البشرية وتحقيق الأمن الغذائي، حيث تم إطلاق مجموعة من التعهدات، الأولى من نوعها، تشمل: الانتقال إلى أنظمة غذائية مستدامة، والتوصل إلى اتفاق تاريخي، لتفعيل صندوق عالمي يختص بالمناخ، ومعالجة تداعياته، وتم تقديم تعهدات دولية لتمويله بقيمة 792 مليون دولار. كما تم إعلان تعهدات دولية بقيمة 3.5 مليارات دولار، لتجديد موارد صندوق المناخ الأخضر. فيما أعلن البنك الدولي 9 مليارات دولار زيادة سنوية لعامي (2024، و2025)، لتمويل المشروعات المعنية بتداعيات المناخ.

وأكد المسؤولون لـ«البيان»، أن دولة الإمارات نجحت خلال السنوات الماضية في قيادة وحشد الجهود العالمية من أجل حماية وتعزيز الأمن الغذائي العالمي، عبر طرح الحلول، وإطلاق المبادرات، ودعم المشاريع، التي تسهم في تحسين إنتاج الغذاء، وتأمين استدامة سلاسل توريد المواد الغذائية، ومكافحة الجوع في العالم.

وأشاد المبعوث الأمريكي الخاص للمناخ، جون كيري، بحسن تنظيم واستضافة دولة الإمارات لقمة المناخ «كوب 28»، مشيراً إلى أنها وفرت كل إمكانات النجاح لتحقيق الأمن الغذائي.

وقال كيري إن الإمارات بذلت جهوداً رائدة في مواجهة التغيّر المناخي، وتقدمت على الدول الأخرى في الاستثمار بالطاقات المتجددة، مشدداً على ضرورة تكاتف العالم، والعمل فوراً لإنقاذ الكوكب.

إجماع والتزام عالميين
وأوضح مبعوث مملكة هولندا للمناخ، الأمير جايم دي بوربون دي بارمي، ، أن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ «كوب 28»، حقق إجماعاً والتزاماً عالمياً غير مسبوق في معالجة الأمن الغذائي والزراعة المستدامة.

ونوّه بأن أزمتي المناخ، والأغذية، متلازمتان، والاستثمار في النظم الزراعية، والغذائية، داخل المناطق الريفية، يفضي إلى إنشاء حلول ملموسة لمعالجة آثار أزمة المناخ. وقال إن تحويل النظم الزراعية، والغذائية، يسرّع وتيرة العمل المناخي لما فيه صالح الأشخاص، والازدهار لكوكب الأرض. وأضاف إن «كوب 28» عزز مكانة الإمارات الرائدة عالمياً في بناء مستقبل مستدام، بإدماج استراتيجيات نظم غذائية في جميع السياسات الوطنية العالمية، من أجل التنمية المستدامة، وضمان سُبل العيش للسكان وتغذيتهم وصحتهم، ولغايات النمو الاقتصادي، والعمل المناخي، والطبيعة، ومعالجة مسألة الخسائر.

وأفاد مبعوث مملكة هولندا للمناخ بأن تفاقم الأزمة المناخية، يلحق الضرر الأكبر بالمجتمعات التي تنتج الأغذية، بمن فيهم المزارعون، والصيادون، والسكان، المعتمدون على الغابات والرعاة. وأكد قدرة النظم الزراعية، والغذائية، على توفير حلول لانعدام الأمن الغذائي، والفقر، وتغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي. لكن تحقيق هذه الغاية يتطلب تحويل النظم الزراعية، والغذائية، بشكل عاجل، لأن تصبح أكثر كفاءة، وشمولاً، وقدرة على الصمود، والاستدامة. وأضاف «من الممكن أن يمهد «كوب 28»، الساحة، إلى سد فجوة تمويل التغذية العالمية بحلول 2024. إذ يتعين على الحكومات المانحة أن تتطلع بطموح إلى قمة التغذية، من أجل النمو المرتقب العام المقبل.

مستقبل أفضل للأجيال وأكد رئيس برنامج تسريع الابتكار في برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، بيرنهارد كواتش، أن العالم يواجه «أزمة غذاء» تقود الملايين إلى حافة المجاعة، فيما تؤدي النزاعات المستمرة، والتغيّرات المناخية، وارتفاع تكاليف الغذاء، والوقود، والأسمدة، إلى تعطيل إنتاج الغذاء في شتى أنحاء العالم.

وأضاف إنه خلال 2023، قدر برنامج الأغذية العالمي أن 345 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 79 بلداً، ومن الضروري تطوير الحلول، للقضاء على الجوع بالأساليب الأمثل، مثل: الزراعة الرأسية، والمناخية، والذكية، والبروتينات البديلة.

وأشاد كواتش بالدور البارز الذي تلعبه الإمارات، حيث تم توقيع اتفاقية، أكتوبر الماضي، بين وزارة التغيّر المناخي والبيئة في الإمارات، وبين وادي تكنولوجيا الأغذية، وبرنامج الأغذية العالمي، تهدف إلى معالجة التغيّرات المناخية، وتأمين الأمن الغذائي.

تأثيرات على الزراعة
وقال وزير التعاون الإنمائي وسياسة المناخ العالمية في الدنمارك، دان يورغنسن، إن التغيّر المناخي يؤثر على الأمن الغذائي سلباً في العديد من البلدان، لأنه عندما يضرب الجفاف، على سبيل المثال، لا يستطيع الناس زراعة المحاصيل في العديد من النظم الغذائية حول الكوكب، لذلك لها أثر سلبي كبير على العالم، نظراً لعدم القدرة على التصدي للتغيّرات المناخية، وما سيترتب عن ذلك من صراعات، وأزمات نزوح.

وأوضح يورغنسن أن الصراعات التي يعاني منها أجزاء من المعمورة، حتى وإن بدت شكلياً سياسية، إلا أنها تدور في الواقع حول الموارد، لذا فندرة الموارد تتسبب في تفاقم وتيرة العديد من الصراعات الدائرة، وتزيد آثارها السلبية العالمية.

وشدد وزير الموارد الطبيعية والتجارة لدى جمهورية جزر مارشال، جون سيلك، على أهمية الأمن الغذائي العالمي، مشيراً إلى أن هدف حد الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة، يعتبر أولوية كبرى يجب أن تكون حاضرة في كل الجهود، جنباً إلى جنب مع الأمن الغذائي العالمي، وفرص العمل التكافؤية، والمعاشات التقاعدية، والضمان الاجتماعي.

وأوضح سيلك أنه في حال لم يتم السيطرة على درجة حرارة الأرض والحد من ارتفاعها، فإن ذلك من شأنه التهديد، بشكل مباشر، المحيطات، والمخزون السمكي، وأضاف: «نحن بحاجة إلى اتباع نهج مكثّف للقضاء على الجوع».

وتابع: «يتطلب النطاق غير المسبوق لأزمة سوء التغذية استجابة سريعة»، وشدد على ضرورة مضاعفة الجهود، لضمان حصول الأطفال الذين يندرجون تحت فئة الأشد تضرراً، على أنماط غذائية مغذية، وآمنة، وميسورة الكلفة، وعلى خدمات للوقاية من سوء التغذية بصورة مبكرة.

خطة بديلة
وأكدت وزير البيئة وتغيّر المناخ لدى غامبيا، روهي جون مانغانغ، أن تدفق تمويل المناخ إلى أنظمة الأغذية الزراعية، منخفض بشكل ملفت للنظر، مقارنة بتدفقات تمويل المناخ العالمي، في وقت نجد أن الدول الأفريقية في أمس الحاجة لهذا النوع من التمويل. وقالت: «نحتاج للتفكير بخطة بديلة، لتكون لدينا فرصة للتجارة بـ«الانبعاثات الزرقاء»، نظراً لأن غامبيا تتمتع بأنواع غنية جداً من أشجار «المانغروف»، التي من الممكن أن تدعم نموها».

ولفتت مانغانغ إلى أن هناك مبادرات دولية عديدة جارية، من شأنها دعم التحوّل الغذائي، وسائر التحولات الإنمائية المستدامة الأخرى، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، و«اتفاق باريس»، داعية الدول الكبرى إلى دعم الدول النامية، الأكثر تأثراً بالتغيّرات المناخية.

ارتباط وثيق
وقالت وزير الطاقة والثروة المعدنية في أوغندا، روث سينتامو، إن التغيّرات المناخية، والنزاعات، والجوائح الصحية، والأزمات الاقتصادية، تؤدي إلى أضرار بالغة على كوكبنا الأزرق، وإذا لم نتصرف الآن، فإننا نخاطر بخسارة ملايين الأرواح، لأسباب يمكن منعها بسهولة من قبيل الأمراض، وسوء التغذية، والمياه غير المأمونة.

وأكدت سينتامو أن تغيّر المناخ، والأمن الغذائي العالمي، أمران مرتبطان، ارتباطاً وثيقاً، منوّهة بعدّة عوامل تؤثر سلباً في تحقيق الأمن الغذائي، مثل: الطقس السيىء. إذ يؤثر حتماً على زراعة، وإنتاج الغذاء، ودون توفر المياه، لا يمكن تأمين الغذاء لأي بلد، لذا تعتبر المياه بالغة الأهمية لاستمرار الحياة على وجه البسيطة.

وأشارت إلى أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب، تؤثر سلباً أيضاً، على المحاصيل الزراعية، لذا يتعين علينا تأكيد قضية الأمن، منوّهةً بأن الغذاء يعني الحياة، والدواء، لقاطني كوكب الأرض، ودونه ستختفي أشكال الحياة عليه، وستدفع الجميع للتقاتل من أجله، ما سيتسبب في دمار هائل.

وشددت سينتامو على أنه لا يمكن استبدال الطعام ببدائل أخرى، فالطعام الذي نقوم بزراعته بطريقة صحيحة، يسهم في تعزيز صحة الإنسان، ولا يمكن الاستغناء عنه بتناول البلاستيك على سبيل المثال، أو أي بدائل أخرى، عن طريق التكنولوجيا أو الذكاء الاصطناعي.

Email