«هذا المكان يسكن في وجداني.. عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جداً، أشبه بنشوة العشاق».. هذا الشعور - الذي عبّر عنه أديب نوبل نجيب محفوظ - هو نفسه الذي ينتاب الكثيرين ليس فقط فيما يتعلق بحي الحسين الذي ولد فيه الأديب العالمي، إنما منطقة القاهرة التاريخية بشكل عام، بما تحمله من تراث إنساني عتيق، وسحر يخطف قلوب زائريها.
الزائر لتلك المنطقة يجد نفسه محاطاً بأجواءٍ خاصة يمتزج فيها عبق التاريخ وأصالته وصخب الحاضر.. كل حجر ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، يروي حكاية عن واحدة من أهم الحضارات الإنسانية على مر العصور، على رغم ما اعترى تلك المنطقة من تعديّات نتيجة الإهمال في بعض مناطقها.
منطقة الحسين بشكل خاص، من أبرز المناطق السياحية في مصر، وتتبع إدارياً حي الجمالية (شرقي القاهرة).
تضم منطقة الحسين عدة معالم حضارية وأثرية، تؤرخ للحضارة الإسلامية في مصر، في ذلك الحي الذي يشتهر بجوهرته الرئيسة، الأزهر الشريف، ومسجد الحسين في الجهة المقابلة، ومنطقة خان الخليلي.
عمر هذه المنطقة قرابة الألف عام، فقد تم بناء مسجد الحسين والمنطقة المحيطة به في عهد الفاطميين عام 549 هجرياً تحديداً. ويتوسط المسجد تلك المنطقة، وهو المسجد المكون من ثلاثة أبواب بالرخام الأبيض إضافة إلى الباب الأخضر. مطلاً على منطقة خان الخليلي، بمئذنته الشهيرة وألوانها الخضراء المميزة التي تجتذب الزائرين.
مقصد أساسي
تعد المنطقة -بما تضمه من آثار من العصر المملوكي والفاطمي والأيوبي والعثماني، مقصداً أساسياً للسائحين والزائرين من داخل وخارج مصر، كما أن لديها مكانة دينية بالنسبة للكثيرين.
يلتف الزوار حول المنطقة المحيطة بمسجد الحسين، على الأرض والبسطات وحتى على المقاهي والمطاعم السياحية التي تشتهر بها تلك المنطقة، لا سيما في فترات المساء، والسهرات الممتدة على أنغام الألحان المعزوفة من المقاهي القديمة، وأبرزها مقهى الفيشاوي الشهير، وهو مقصد لكثيرٍ من الزائرين، والذي كتب عنه نجيب محفوظ وكان قد اعتاد الجلوس والكتابة به.
وتتنوع متاجر الملابس والحلي والأقمشة والتحف والألعاب جنباً إلى جنب والبازارات ومحال الهدايا، في المنطقة المحيطة بالحسين، فضلاً عن الفنادق الصغيرة الشهيرة، منها فندق الحسين القديم.
إلى جانب المسجد مباشرة تقع منطقة «درب الأتراك» وهي منطقة شهيرة يقصدها الباحثون عن كتب التراث والفقه. كما تقع على مقربة من المسجد منطقة الوكالة الشهيرة لبيع الأقمشة والمفروشات والستائر، والتي عادة ما تشهد ازدحاماً كبيراً.
ويعد حي خان الخليلي، بأزقته وحواريه الشهيرة، أحد أشهر الأسواق وأقدمها في مصر والشرق الأوسط، والذي تحتفظ أركانه بعبق التاريخ وتروي قصصاً من الماضي، وهو وجهة رئيسة للزائرين لمنطقة الحسين، بمشربيات منازله المطلة على الشارع وأسبلته وحوانيته القديمة، لا سيما تلك التي تبيع المشغولات اليدوية، إضافة إلى شوارع رئيسية شهيرة، كالصاغة وحارة اليهود.
بنهاية شارع الصاغة يكون الزائر عند بداية واحد من أشهر الشوارع في منطقة الحسين، وهو شارع المعز لدين الله الفاطمي، والذي يمتاز بمبانيه العتيقة الشاهدة على تاريخ القاهرة القديمة وتفاصيل الحياة فيها، والتي تمثل تحفاً فنية فريدة تستقطب الزائرين من كل مكان، ويضم محال مختلفة للنحاس والملابس التقليدية والمشغولات اليدوية، فضلاً عن منصات ثقافية مختلفة، مثل بيت السحيمي، وكذلك مدرسة النحاسين الشهيرة، ومسجد المعز، ومسجد الأقمر وسبيله، وكذلك مسجد الغوري والسلطان قلاوون. وفي نهاية الشارع باب النصر، وهو بوابة عبور الجيش عند عودته من المعارك الخارجية.
نبض الحياة
والحسين والمنطقة المحيطة به منطقة تنبض بالحياة، لا سيما في المساء، ودائماً ما تشهد صخباً واسعاً وازدحاماً بالزوار من كل حدب وصوب، وبالباعة في المحال وكذا بالمتجولين والذين قد لا يتواجدون في منطقة أخرى غيرها، على غرار قارئات الكف والفنجان، وهي مهنة قديمة لا تزال المنطقة تحتضن بعض العاملين بها من السيدات بشكل خاص.
وفي ذكرى مولد الحسين عادة ما كانت المنطقة ذاتها تشهد رواجاً وحضوراً من نوع خاص، في ظل احتفالات الطرق والفرق الصوفية الغنيّة بالطقوس الخاصة، من بينها السرادقات والمواكب والاحتفالات الروحانية المختلفة، في ديسمبر من كل عام.
وعلى رغم أهميتها وما تحظى به من اهتمام خاص ومشروعات تطوير سابقة، إلا أن المنطقة كانت تعاني من التعديات وبعض مظاهر الإهمال، ما عزز الحاجة إلى تطويرها ورفع كفاءتها على النحو الذي يضمن المحافظة على وجهها التراثي والحضاري؛ كونها جهة جذب سياحية مُهمة شاهدة على تاريخ القاهرة التاريخية القديمة، وتحوي مبانٍ عتيقة بحاجة إلى التطوير ورفع الكفاءة في خطٍ متوازٍ مع الحفاظ على طابعها الأثري.
هذا ما انتبهت إليه الدولة المصرية ضمن مشروعاتها المختلفة في سبيل التطوير والبناء بعد 30 يونيو 2013، فوجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي - الذي ينحدر من تلك المنطقة، وتحديداً من حي الجمالية- بتطوير القاهرة التاريخية، بما يتضمن المنطقة المحيطة بالحسين.
رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة (المسؤولة عن تطوير المنطقة)، اللواء إيهاب الفار، كشف عن تفاصيل تطوير المنطقة المحيطة بالحسين -ضمن مشروع تطوير أوسع يضم عدة مناطق أخرى، هي مناطق القاهرة التاريخية- وأشار بحسب بيان صادر عن رئاسة الوزراء أخيراً- إلى أن تطوير منطقة مسجد الحسين يشمل المسجد والساحات الخارجية والمنطقة المحيطة.
ويجرى حصر المباني الأثرية بالمنطقة، والتي بلغ عددها نحو 110 مبانٍ أثرية من مختلف العصور والحقب التاريخية.
وبحسب المسؤول المصري، فإن تطوير منطقة مسجد الحسين يتم وفق أسس وقواعد على رأسها الحفاظ على الهوية الحضارية لمنطقة القاهرة التاريخية، بحيث تتم مراعاة النسيج العمراني، من خلال توافق المباني الجديدة مع الطابع العمراني للمنطقة، والحرص على المعالجة المعمارية لضمان المظهر الحضاري للواجهات.
5 مناطق
يرتكز التطوير الشامل للقاهرة التاريخية على خمسة محاور رئيسية ذات أولوية، وهي: المنطقة المحيطة بمسجد الحاكم بأمر الله، ومنطقة جنوب باب زويلة، ومنطقة حارة الروم وباب زويلة، والمنطقة المحيطة بمسجد الحسين، ومنطقة درب اللبانة.