خلق الله الكون والخلق بحكمة بالغة لا يعيها أي إنسان، بل يعيها الإنسان الذي يتمتع بقدر كبير من التأمل والتفكير في خلق الله عز وجل، وهذا هو ما دعانا إليه القرآن الكريم، فقد دعا إلى التفكير في مخلوقات الله سبحانه وتعالى، والتفكير في النفس البشرية وما تشتمل عليه، فقال عز وجل: «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، ويقول سبحانه: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت».

وبالتأمل في أنفسنا، نجد معجزة ربانية لا يدرك قيمتها إلا من حرم منها، وهي معجزة التخاطب بين الناس بالكلام.

ويؤكد الكاتب التركي هارون يحيى أن النطق هبة من الله عز وجل، ويقول إن الإنسان يبدأ بالتكلم عندما يصل إلى عمر معين، وهذه الحادثة تتراءى لنا وكأنها شيءٌ طبيعي، والحقيقة أن التحدث معجزة خارقة، ذلك لأن الطفل لم يكن يعرف أي شيء عن الكلام قبل أن يبدأ بالتكلم.

ويقول عالم اللسانيات البروفيسور بنكر ستيفن، والمعروف بأبحاثه المتخصصة في هذا المجال: «إننا لا نفكر بالنطق، ونعتبره أمراً عادياً، وننسى بسهولة أنه معجزة وهدية عجيبة لنا».

والنطق لا يؤخذ من خلال التعلم أو التعليم... لأنه لا أحد يعلمنا أسس آلاف الجمل والكلمات التي نعرفها.. وبالأصل تعليمها غير ممكن.

فمثلاً: عندما يتحدث المرء يؤلف جملاً نظامية، مع أن المتحدث لا يعرف شيئاً عن الأساسيات المعقدة الموجودة في الكلمات والجمل التي ينظمها ويستطيع أن ينطق بسهولة ويُسر منظماً جملاً ربما لأول مرة تخرج من فمه.

ويتحدث عالم اللغة المعروف ليبرمان فيليب عن هذه القواعد، فيقول: إنه مع نتائج الأبحاث الهائلة وتوسعها، تقترب عدد القواعد والأصول التي نحسبها موجودة من عدد الجمل. وتأتينا القواعد اللغوية بشكل مفجع وتنتهي بفشل ذريع. ولم يستطع أحد حتى الآن أن يضع قواعد كاملة وشاملة عن لغة من اللغات.

ويرى ليبرمان أن قواعد النطق بالجمل تتساوى مع عدد الجمل، فكيف مع هذا العدد الهائل للقواعد تسنى للطفل ابن الثلاث سنوات أن يتكلم!. لهذا السبب بقيت مهارة النطق عند الإنسان سراً رياضياً بحتاً بكل ما في الكلمة من معنى. هذا السر يوضحه لنا نعوم تشومسكي فيقول: «عندما يبدأ كل شخص بالتكلم بكل راحة. وعندما يعرف أنه يستخدم لسانه على أكمل وجه. عندما يضع كل ذلك نصب عينيه، يعرف أنه يقوم بذلك دون أي معرفة أو قصد منه.

إذا كنا لا نستطيع أن نضبط الكلمات الخارجة من أفواهنا. فيجب أن يكون ثمة قوة خفية تلهمنا وتعطينا العلم والمعرفة.. كي نؤلف جملاً من كلمات، هذه القدرة هي قدرة الخالق العظيم، وهو صاحب العزة والعلم، والمالك لكل شيء.