ما لا يعرفه الكثيرون عن «بحيرة البجع»، التي تعد من روائع الأعمال الفنية الكلاسيكية، سواء في عالم الموسيقى أو رقص الباليه، أنها منيت بفشل ذريع لدى عرضها للمرة الأولى، من قبل فرقة بولشوي للباليه، في الرابع من مارس عام 1877، وذلك على خشبة مسرح بولشوي في موسكو، وقوبلت بهجوم واستنكار من الصحافة والجمهور على مستوى القصة التي نفر منها الجمهور حينها، لتوجسه من كونها جزءاً من الفولكلور الألماني. وكان تشايكوفسي أتفق مع اصداقئه، على أن بحيرة البجع، تمثل الأنوثة في أنقى حالاتها.
بداية مشوار التألق
لم تحقق عروض «بحيرة البجع» التي لحنها الموسيقار العبقري الروسي بيوتر إيليتش تشايكوفسكي (1840 1893)، والتي صمم رقصاتها الروسي يويوليوس وينستل ريسنغر (1828 1892)، نجاحها الباهر إلا عام 1895، عندما عرضت في سانت بطرسبورغ، حيث أدخلت تعديلات عدة على مختلف المحاور، شملت تعديل بعض المقاطع الموسيقية من قبل ريكاردو دريغو، بموافقة موديست شقيق بيوتر تشايكوفسكي الأصغر..
واختصار المشاهد لتصبح ثلاثة بدلاً من أربعة، والاعتماد على الراقصة الإيطالية الموهوبة، بيرينا ليغناني، في أدائها لدور أوديت، إذ وضعت معايير قياسية لكل راقصة أدت الدور، بعدها. أما تصميم الرقصات فأنجزه ليف إيفانوف من «باليه إمبريال»، وبمشاركة الراقص بافل غيردت بدور الأمير سيغفريد.
شكوى.. وزواج
أسوة بكل روائع الفن والأدب العالميين، هناك حكايات خلف الكواليس لا يعرفها إلا من يتعمق في البحث والقراءة، وترتبط حكايتنا هذه بأحد العوامل التي ساهمت في الفشل الذي منيت به العروض الأولى لبحيرة البجع.
بدأت الحكاية لدى استبدال الراقصة الروسية المحترفة، آنا سوبيشانسكايا، التي تؤدي دور أدويت، براقصة من الدرجة الثانية، بسبب شكوى من أحد كبار المسؤولين في الحكومة بموسكو التي تضمنت قبول آنا لعدد من المجوهرات الثمينة كهدايا منه، إذ باعت تلك القطع وتزوجت بشخص آخر.
ملك البجعة
أما الحكاية الثانية فترتبط بإلهام تشايكوفسكي ومرجعية قصة «بحيرة البجع». ويشير البعض فيها إلى أنها مستوحاة من قصة للكاتب الألماني يوهان كارل أوغست موساوس، بعنوان «الوشاح المسروق». ويربطها البعض بقصة من الفولكلور الروسي «البطة البيضاء».والشق الثاني من تلك الحكاية، يكمن في ما أشار إليه معاصرو تشايكوفسكي، في أن الأخير اهتم كثيراً بقصة حياة الملك البافاري لودفيغ الثاني (1864 1886)، الذي أُطلق عليه لقب ملك البجع.
شعر تشايكوفسكي بالسعادة والحماس، بعد تكليفه من قبل فلاديمير بيتروفيتش بيغيتشيف، مدير مسارح أمبريال الروسية في موسكو، بتلحين هذا العمل الموسيقي، عام 1875، ودفعه حماسه إلى إنجازه خلال عام واحد. ولم يحظ عمله بالنجاح في السنوات الأولى.
والمعروف عن تشايكوفسكي هيمنته على مضمون القصص التي يؤلف ألحانها. وكان قد اتفق مع زملائه على أن قصة أوديت البجعة، تمثل الأنوثة في أنقى حالاتها.
الفصل الأول
يصل الأمير سيغفريد إلى حفل عيد ميلاده 21 المقام في باحات القصر، ليجد جميع العائلات الملكية وسكان المدينة يرقصون ويمرحون، في حين تنافست الفتيات على لفت انتباهه. وخلال الحفل، تعطيه أمه قوساً ونشاباً وتخبره أنه وصل إلى العمر الذي يؤهله للزواج. يفاجأ بكلام والدته عن مستقبله المرسوم فيأخذ هديته ويسرع إلى الغابة بغية الصيد مع أصدقائه.
الفصل الثاني
يجد سيغفريد الذي سبق أصدقاءه إلى الغابة، نفسه، وحيداً في مكان هادئ قرب البحيرة التي كانت تطفو على سطحها البجعات بعذوبة. وبينما كان يتابعها ببصره، وقع نظره على بجعة جميلة على رأسها تاج.. ومع حلول الغروب، تحولت البجعة ذات التاج إلى أجمل فتاة شاهدها في حياته. تقدم نفسها للأمير وتخبره عن اسمها:
أوديت ملكة البجع، لتحكي له مأساتها التي بدأت حين حولها الساحر الشرير، فون روثبارت، هي وصديقاتها، الذي كان متنكراً في تلك اللحظة بشخصية معلم الأمير، إلى بجعات. وأن البحيرة التي يراها تشكلت من دموع أهاليهم.
وتقول له إن الطريقة الوحيدة لفك اللعنة، هي عندما يفصح رجل نقي القلب، عن حبه لها. وقبل أن يوشك الأمير على الاعتراف بحبه لها، تجري مقاطعته من قبل الساحر الشرير الذي يأخذ أوديت من الأمير قبل احتضانه لها، ويأمر جميع بجعات البحيرة بالرقص، حتى لا يتمكن الأمير من اللحاق بها. وهكذا يجد سيغفريد نفسه وحيداً مرة أخرى.
الفصل الثالث
في اليوم التالي، وخلال الاحتفالات الرسمية في القاعة الملكية، كان الأمير محاطاً بالكثير من الأميرات الجميلات اللواتي لم يستطعن انتشاله من تفكيره بأوديت. وتطلب منه والدته، بصيغة الأمر، أن يختار منهن عروسه، لكنه لا يستطيع. ومجاملة لها، يبدأ مراقصتهن، ليتوقف الجميع عندما تعلن الأبواق وصول فون روثبارت، الذي اصطحب معه ابنته أوديل، التي ألقى عليها تعويذة لتبدو على أنها أوديت.
يسحر الأمير بجمالها ويرقص معها، من دون أن يدري أن أوديت الحقيقية تراقبه من النافذة. وسرعان ما يعترف الأمير لأوديل، بصفتها أوديت، بحبه لها. تدفع هذه الفجيعة أوديت إلى الهرب في عتمة الليل، وسرعان ما يلمحها الأمير وهي تبتعد عن النافذة. ويدرك خطأه. ولحظة إدراكه الخديعة، يكشف روثبارت للأمير الوجه الحقيقي لابنته أوديل. وبلا تردد، يغادر الأمير الحفل مسرعاً، باحثاً عن أوديت.
الفصل الرابع
تعود أوديت إلى البحيرة وتنضم إلى صديقاتها والحزن يثقل صدرها. وما إن يصل الأمير البحيرة حتى يجدهن مجتمعات على الضفة حول أوديت يواسينها. وحين يشرح لها خدعة روثبورت تصفح عنه، وما هي إلا لحظات حتى يظهر لهما مع ابنته بشكلهما غير الإنساني القبيح. ويطالب الشرير الأمير أن يلتزم بكلمته التي قطعها عهداً لابنته والزواج بها.
ويحتدم القتال بينهما، ليعود الأمير إلى أوديت، ويقفزا معاً في البحيرة. وهكذا تُفك اللعنة وتعود جميع البجعات إلى صورتهن الإنسانية الأولى، ويقبضن على روثبورت وابنته، ويدفعن بهما إلى البحيرة حيث يغرقان، لتشاهد الفتيات روح كل من الأمير وأوديت، تصعدان إلى السماء فوق بحيرة البجع.
في السينما
1931 استهلت افتتاحية فيلم «دراكولا»، من بطولة بيلا لوغوسي، بالمقطوعة الموسيقية للفصل الثاني من «بحيرة البجع»، والتي استخدمت لاحقاً في فيلم «المومياء»، وكخلفية موسيقية ل«شبح الأوبرا».
1940 مشهد مطول من باليه «بحيرة البجع»، تم تقديمه في فيلم «كنت مغامراً».
1968 صورت فرقة باليه «كيروف» بالتعاون مع «لينفيلم»، عرضاً كاملاً لـ«بحيرة البجع». وأدت دور أوديت، الراقصة يلينا إيفتيفا.
1968 رقصت الممثلة الأميركية الشهيرة، باربرا سترايسند، على هذه المقطوعة في فيلمها «فتاة مضحكة».
1992 تنجح الشخصيات الرئيسية الثلاث، في الفيلم الكوميدي «متبرعو العقول»، في تخريب عرض الباليه الافتتاحي عن «بحيرة البجع».
2010 «البجعة السوداء» من أقوى الأفلام التي حازت العديد من الجوائز العالمية، والتي تدور قصتها حول راقصة باليه تسعى إلى الفوز بدور أوديت، لتقدم الكثير من التضحيات. والفيلم لدارين آرونوفسكي.
في التشكيل
1944 لوحة للفنانة الفرنسية كارولتا إدواردز (1994-1977)، عن «بحيرة البجع».
2012 لوحة للفنانة بوني هاملن.