الحدث ملحمي، لكن القصة بسيطة، إنها قصة فتاة ماتت عائلتها برصاص الحقد في إحدى قرى البوسنة، ولسبب ما نجت الفتاة ذات الاثني عشر ربيعاً، غير أن القاتل، رق قلبه لمرآها فوضعها في صندوق سيارته وقفل عائداً إلى بلدته.

حيث صك عليها الأبواب طيلة 15 عاماً كان يضربها ويهينها ويغتصبها دون أن يرف له رمش، حتى صعق الحب قلبه، فأصبح شخصاً آخر دون أن يدفن القاتل الذي مازال طليقاً في روحه، تلك الروح القاسية التي أزهقت عشرات النفوس البريئة في دوامة حرب مجنونة طحنت دول البلقان حيث تدور أحداث رواية «التفاحة الأخيرة» للروائية سونيا بوماد.

عالم الرواية سينمائي بامتياز، حيث يمكن لأي صانع أفلام أن يرسم سيناريو فيلم ناجح، فقد حضرت الحبكة، والتشوق، والإيقاع السريع، فضلاً عن مشاهد مرسومة بعين الكاميرا، وعادة ما تكون مشاهد الحرب والدمار ليست بنقاوة قصص الحب في السهول أو على شطآن البحيرات، إنها مشاهد قاتمة تخلف في النفس الكثير من المرارة والأسى، لذلك كان كافياً أن يضع القاتل ضحيته المختطفة في صندوق السيارة ويعبر بها الحدود، ليدب الرعب في القلب.

ربما كانت الأعمال الملحمية، كما تعودنا، لا تترك الكثير من الثغرات لأن خيال الزمن يملأ أي ثقب تمر منه ريح الشك، ولننظر إلى الدون الهادئ، أو الحرب والسلام، أو دكتور زيفاكو، جميعها دارت على خلفية حرب عبرت الصفحات لكن القصة حافظت على استقامة ظهرها، ولعل هذا هو فارق التجربة بين أجيال راكمت منتجها الروائي وبين جيل يشهد ويسمع الحرب ويشم رائحتها، لكن ينقصه المران.

ولعل القارئ لن يجد في الرواية ما يكسر تسلسلها الصاعد، لكن الناقد يرى بعين الطائر مواضع بعيدة مثل السرد المتقن والحوار الذكي والربط التسلسلي للأحداث ومن ثم يرى كم كانت الرواية مقنعة للقارئ.

نادراً ما نجد قارئاً حيادياً للرواية، فما الذي يدفعه لقراءة مئات الصفحات إذا لم يصادق القصة، فما بالنا بالقارئ المتعاطف مع بطلة القصة الطفلة التي مات أهلها وعاشت في الأسر سنوات طويلة!

لن أفسد للقارئ متعة حكاية دارت في البوسنة، فهناك بالقرب منه مئات القصص المشابهة والتي تفوق آلاف الكتب، قصص أبطالها أهله وأبناء جلدته وجيرانه في الحي.