في الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب، لفت نظري كتاب بين يدي صديق، جميل الغلاف أنيق الحجم والشكل، كان يقرأ ويبتسم، سألته أهو شيق إلى درجة الاندماج بالحدث الذي يدفعك للابتسام! انقلبت ابتسامته إلى ضحكة أعلى، قال انظر، فقرأت ما فحواه (ناداني المدير، سألني أين الموضوع، قلت له الموضوع هههه) وفي موضع آخر قال اقرأ (لم ينطق بكلمة، نظر إلي ومضى.. هههه).

وفي أكثر من مكان كانت لازمة (هههه) تتكرر بين صفحة وأخرى، في دلالة أكيدة أن عالم الفضاء الافتراضي غزا عالم الورق المسكين.

من منا لم تمر بين تراسلاته في عالم السوشيال ميديا هذه الـ (هههه)، لأنها تعليق خفيف بين أسطر الفكاهة وأحياناً تُغني عن التعليق، وفي مواضع أخرى مجاملة (واتسآبية) لصورة أو نكتة، لكن من فكر في دفعها نحو رصانة الورق.

كما دفع غيرها من تعابير مستلة من فيلم سينمائي إلى كتابة روائية، فبدت القصة هجينة الدم لا هي من هنا وليست من هناك، وعلى سبيل المثال تعبير (واو) الذي نجده بين أسطر كتب يصطف المراهقون لقراءتها. أو عبارات غيرها مثل (ياي) أو (باي) وجميعها جاءت مع الفوشار والبيبسي عندما نقرمش أمام فيلم أميركي في صالة باردة ومعتمة.

في الرواية عالم من الغنى والتنوع والذي يُقَدم للقارئ بقيم إيجابية على حامل أخلاقي، لأن الرواية ديوان العرب اليوم وكل ما يدخل إلى عالمنا اليوم تباركه الكتابة وتعطيه شرعية تجواله في بيوتنا، لذلك لم نكن قادرين على سماع أغنية مبتذلة في البيت أو لم نجرأ على قراءة مجلة رخيصة أو سرد حكاية مسفة، لم يكن هناك أب يراقب أو شقيق يُقوّم أو أم تغضب، فقط كان هناك رادع ذاتي نجد أنه ليس مناسباً تكرار أغنية (سلامتها أم حسن) في منزل يصدح فيه صوت عبد الوهاب.

لا تنتمي الفقرة السابقة إلى (الزمن الجميل) كتابياً لكنها تنتمي إلى منظومة قيم كانت في البيت والمدرسة والحي والعمل هي ذاتها، قيم نقرأها في مقالات التحسر والمفاضلة بين الأزمنة، والتمايز بين الأجيال، ولم نعد نراها حولنا لأن المدرسة والبيت والحي والعمل، وكل مكان تنتشر فيه لازمة (هههه)، ولا يعني السكوت عن المطالبة بعودة تلك القيم هو العمل بسياسة الأمر الواقع، لكن لو تحول المجتمع برمته نحو الصمت والخنوع لامتلأت الأرفف بكتب الـ (هههه)..