تروق فكرة النشر عبر "فيسبوك" للكثيرين، خاصة الذين يجدون في إخراج الكتب وطباعتها وتسويقها، وكذلك في الحصول على إذن طباعتها، مشقة كبيرة، وتحتاج وقتاً نادراً ما يتوفر للناس. لذلك أقبلت أعداد هائلة من محبي المعرفة وأصدقاء تعميمها، على النشر عبر الشاشة الزرقاء، لينال القارئ نصيبه من الاطلاع دون جهد، وبيسر وسهولة.
في حوار مع صديق من محبي تعميم المعرفة، أخبرني أنه لا يملك حساباً على فيسبوك، لكنه أنشأ واحداً مؤخراً، لينشر من خلاله كتاباً وضعه والده منذ سنوات، عن عائلات منطقته، ولأن الكتاب نفد من الأسواق، فقد عمد الصديق إلى نشر الكتاب كاملاً على صفحته عبر فيسبوك، وتركه مفتوحاً للعامة، لمن يرغب في الاطلاع والاستزادة.
بهذه الطريقة، يجد الكثير من رواد الشبكة العنكبوتية خير معين لهم على الاستفادة من مزاياها، فقد نظروا إلى النصف المليء من الكأس، ولم ينظروا إلى التسلية والتفتيش في أحوال الناس والاطلاع على حكاياهم والنقل عن (عنعنتهم)، هؤلاء كثر، وجدوا في النشر الرصين طريقة للوصول إلى العقول والقلوب في آن معاً.
وقد برر الصديق ما فعله، بالإشارة إلى انقطاع سبل التواصل بين الناس، بين من هاجر وبين من سافر، أو بين من ظل في مكانه (ما أقامت عسيب)، وهذه خدمة بسيطة لمحيط اجتماعي تنبه أحد الحريصين على ضرورة القيام بها، ولم يكلفه الأمر شيئاً، سوى سعة المحبة ورحابة التقدير، فكم من الأشخاص الذين فعلوا ذلك، أجزم أنهم كثيرون، غير أني عرفت هذه القصة، فأحببت أن أرفع لها القبعة.
كثير من القراء يعرفون قصصاً مشابهة، تتصل بالخدمة المباشرة، كالأطباء والمحامين، وغيرهم من أصحاب المهن التي يحتاجها الناس من استفسارات وأسئلة، وما أكثرها، في ظل تعقيدات الحياة، ولا يقف الأمر عند مهن كبيرة فقط، أحياناً نجد أنفسنا أمام حلول بسيطة لقضايا ذات صلة بيومنا، دون أن ندرك كم هو سهل أن نخزن الأطعمة بشكل صحيح في ثلاجة البيت، أو كم من المفرح أن نجد متسعاً لكل هذه الثياب في خزائننا، وكم هو مدهش، ذلك الذي يشارك رواد الشبكة طريقة يعرفها للاستفادة من الصحف والمجلات القديمة، وتحويلها إلى أوعية صديقة للبيئة.
أفكار بسيطة في شكلها، ولكنها كبيرة وعميقة في محتواها، هذا هو الوجه الآخر للسوشيال ميديا، أو النصف المليء من الكأس.