قليلة هي الأفلام التي تتخذ من الصحافة موضوعاً لها، لذلك يُعد فيلم (ذا بوست) نقطة فاصلة في عالم الصراع السياسي والتاريخي، لواحدة من أكبر الصحف الأميركية (واشنطن بوست) مع الإدارة الأميركية عام 1971 عندما نشرت الصحيفة (أوراق البنتاغون) وهي تقرير حكومي أميركي سري من سبعة آلاف وثيقة سربت في عام 1971 بواسطة موظف مدني في وزارة الدفاع يدعى دانيال إلسبيرغ، وتحتوي وثائق الحرب أو ما عُرف وقتها بأوراق البنتاغون، تقريراً عما يجري بالفعل في حرب فيتنام ودراسة لحساب وزارة الدفاع.
لم يكن يعرف الشعب الأميركي حقيقة ما يجري في فيتنام ولكن هذه الوثائق صدمته، وكشفت له حقيقة ما يجري في ذلك الوقت. وشكلت لهم خيبة أمل وكما أصيبت معهم الإدارة الأميركية بالصدمة لأن أسرارها باتت في أيدي الصحافة الأميركية.
الفيلم من إنتاج ستيفن سبيلبرغ وكتابة ليز هانا وجوش سينغر، ويؤدي دور البطولة فيه ميريل ستريب وتوم هانكس وبدأ عرضه حول العالم في 12 يناير الجاري، وتم اختياره كأفضل فيلم عام 2017، وجاء في لائحة مجلة معهد الفيلم الأميركي لأفضل 10 أفلام لنفس السنة وتألقت فيه ميريل ستريب وتبارت في الأداء مع توم هانكس، باعتبارها رئيس تحرير وابنة مؤسس واشنطن بوست (كاثرين غراهام) في مقابل توم هانكس (بن بردلي مدير تحرير الصحيفة) .
حيث صراع حتى الفجر بين نشر أوراق البنتاغون حسب إصرار مدير التحرير وبين جوقة مستشاري كاثرين الذين يتخوفون من انصراف المستثمرين عن الصحيفة والعداء للبيت الأبيض، وربما التعرض للسجن، غير أن كاثرين انتصرت لمهنة الحقيقة وسمحت بالنشر قائلة إن أميركا تأسست على قيم الحرية وجاء الوقت لتأكيد ذلك.
يعيد الفيلم إلى الأذهان قوة الصحافة في مواجهة الأخطاء، وواجبها في الوقوف مع الناس وحاجاتهم، في وقت كانت الصحافة تعمل بالطرق التقليدية، حيث أحرف الرصاص، ومطاردة الأخبار والأشخاص بين محطات المترو والأزقة الخلفية والكتابة على أي ورقة متوافرة والبحث سريعاً عن قلم ضائع بين النقود والأدوية وغيرها مما يتكدس في الجيوب، لم تكن ثورة الحياة الرقمية قد بدأت بعد، مئات الصحفيين يطبعون على آلاتهم الكاتبة ويقابلهم ذات العدد في التدقيق والمراجعة، كانت حياة تشبه خلية نحل عملاقة تمتد كل ليلة حتى الفجر، ثم تظهر الحقيقة على الصفحة الأولى التي هزت أركان البيت الأبيض.
فيلم ينتمي إلى زمن ناصع، كانت قوة الكلمة كفيلة بإقالة كبار السياسيين مثلما كانت كفيلة بإسكات صوت المدافع، فيلم سيعرف أهميته من يقترب من عالم السلطة الرابعة ليعاين حقيقة قوتها عن كثب.