بدأت مي سعيفان رحلتها مع الباليه في سوريا عندما كان عمرها 6 سنوات، وبعد الثانوية العامة سافرت إلى ألمانيا لدراسة الرقص الكلاسيكي والمعاصر، ثم عادت وأصبحت أستاذة للرقص المعاصر، لاحقاً تنقلت بين البلدين، مقدمة عروضاً متميزة، إلى أن استقرت منذ 2011 في ألمانيا.
تخبرنا خلال هذا اللقاء عن أشواطها المتقدمة مع الحركة والجسد على المسرح، وتصوير بيئتها، ومنامات أهل بلدها، والعلاقة التي تربطها بالمجتمع الغربي.
أسلوب خاص
تصف سعيفان محطات رحلتها بين مدارس فن الباليه والرقص الكلاسيكي والرقص المعاصر، بأنها تجربة أساسية لتشكيل شخصيتها، والتأسيس الجسدي والنفسي.
وتقول: أحسست مع الوقت بأن الباليه نمط قاسٍ جداً من الرقص، خصوصاً الأسلوب الروسي التقليدي، الذي كان يقمع الإبداع لدى الطفل، لذلك احتجت بعد سنوات طويلة إلى جهد كبير من أجل كسر قيود القوالب الجاهزة التي فرضها عليّ الرقص الكلاسيكي، أما الرقص المعاصر فقد كنت أرفضه سابقاً لكنه كان نقلة مهمة في حياتي، وشكّل تغيرات جذرية في شخصيتي وجسدي وحركتي، ولاحقاً رحت إلى الأبعد، إلى الفهم الجسدي والحركة الجسدية، لذلك ما عاد الرقص المعاصر يشدني حتى للفرجة.
تؤكد سعيفان ارتباطها ببيئتها الاجتماعية التي كبرت فيها، ومحاولة صنع أسلوب خاص بها للتخلص من قيود المدارس، وكي تستطيع أن تظهر ما في داخلها من مواضيع متعلقة ببيئتها السورية، وعلاقتها بالمجتمع الغربي.
منامات سورية
بعد إقامتها الأخيرة في ألمانيا توقفت سعيفان سنتين عن العمل، ثم عادت مع أرشفة منامات السوريين في الوطن والشتات، والتي وصل عددها لغاية الآن لنحو 600 منام، وتناولتها بطريقة علمية عن طريق مراكز أبحاث، على أمل جمعها في كتاب في نهاية هذه السنة.
وتضيف: استغرب صحافيون ونقاد ألمان طريقة تناولي للمنامات بأسلوب ساخر واعتبروها تعاملاً بخفة شديدة مع الأزمة التي يمر بها بلدي أو أنني لم أفهم أزمة بلدي بشكل جيد، وهذا سببه أنهم يريدون تناولها بالطريقة التي يريدونها، ويندرج ذلك ضمن تأطيرهم المسبق للقادمين من ثقافات أخرى.
وعلى الرغم من مساحة الحرية وعرض الأعمال وعقد الندوات والمؤتمرات، ترى سعيفان أن هناك تمييزاً تجاه الفنانين المغتربين، لذلك تسعى مع فنانين عدة لكسر هذه الرؤية؛ لأن الاختلاف الثقافي بحسبها هو إغناء وليس تمييزاً وانتقاصاً من مكانة الفنان الأجنبي.
أما عن تفاعل الجمهور الألماني والأوروبي مع أعمالها، فإنها تعتبره قوياً جداً، وهناك دعم واحتضان غربي لها، لكنها تحسه مراقبة استشراقية، ولا تريد أن تكون في بلد غربي.
مذكرات
تنشغل سعيفان أيضاً بمواضيع الوعي واللاوعي الجسدي، وعلاقة الجسدي بالنفسي، والثورات بالجسد، والتدريب على أداء تمارين بسيطة للوصول إلى توازنات جسدية ونفسية تساعد الناس على الخروج من أزمات نفسية صعبة ومواقف محرجة.
حصلت على منحة من أجل توثيق أرشيفها الفني، منه أرشيف كبير جداً عن بداياتها في مدرسة الباليه، باعتبارها كانت في أول مجموعة افتتحت في سوريا في 1987م، والوحيدة التي استمرت فيه، وعملياً بدأت بكتابة مذكراتها عن نشأة وتطور ذلك الفن في سوريا، وأجرت اتصالات لجمع تلك المواد، وسوف تجري مقابلات مع من شاركوا في بناء تلك المدرسة.
الإمارات أعادتني للنشاط
خلال إقاماتها السابقة في الإمارات بغرض زيارة أهلها، حضرت مؤتمرات وشاركت في ملتقيات في دبي والشارقة، ولديها فضول تجاه المنطقة، لكنها لم تستقر فيها لأسباب شخصية وبسبب نمط عملها في ألمانيا.
وتتابع: زرت الإمارات أخيراً لمدة شهرين، وقد ارتحت لطريقة إجراءاتهم الوقائية مع كورونا؛ لأنها تحافظ على الجانب الإنساني والاجتماعي، واستطعت خلال تلك الفترة تصوير أفلام صغيرة وإنجاز مشروع فني، وعدت مليئة بالطاقة والنشاط.