تمضي سنوات العمر سريعاً، على امتدادها نتوقف في محطات عدة، ونمر بمواقف تعلق في الذاكرة، وأخرى تسقط سريعاً منها، ونعايش أناساً يتركون في قلوبنا أثراً.
هكذا يمكن وصف سلسلة الذكريات التي يسردها الزميل عز الدين الأسواني، ويسعى فيها إلى الإضاءة على المشهد الثقافي المحلي، الذي عايشه منذ الثمانينيات، وحتى اللحظة، يذكّرنا خلالها بأسماء أناس بعضهم رحل عن دنيانا، وآخرون ما زالوا يسعون في الأرض، ينقبون بين الكتب، وينثرون ما تختزنه ذاكرتهم من كلمات على صفحاتها، .
كما الأسواني نفسه الذي نثر شعره على صفحات كتبه العديدة، بداية من مجموعته القصصية «عتمة المرايا» التي فازت بالمركز الثالث في جائزة الشارقة للإبداع عام 1999.. ورواية «آخر ما قاله النهر» عام 2000، وديوانه «يغور الملك» الصادر قبل نحو 6 سنوات، ومن بعده «براويز» الصادر في 2016.
يقف الأسواني حالياً على عتبات عقده السادس، وعبر «الفيسبوك» يعيدنا للوراء كثيراً، بدءاً من تلك اللحظة التي حط فيها رحاله في الإمارات، تاركاً بلده مصر، بحثاً عن عمل وحياة أخرى، وعبر سلسلته يسرد لنا شيئاً من ماضيه، وعن أماكن بعضها ذهب أدراج الرياح، وأخرى لا تزال شاهدة على تطور دبي، والإمارات، ومن خلالها نتحسس ملامح المشهد الثقافي. في أحد منشوراته يعيدنا الأسواني إلى نهاية 1985، ليذكّرنا باتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وكيف قادته قدماه ذات نهار إليه، ليلتقي فيه ثلة من الأدباء، حيث يقول:
«ميدان دار الحكومة بالشارقة، الديوان الأميري، قاعة أفريقيا، مبنى بلدية الشارقة القديم، مكتب بريد الشارقة المركزي وإلى جواره بناية وجدت قدماي طريقها إليها، أخذني مصعدها إلى الطابق الثالث، لوحة على مدخل إحدى الشقق، اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات – الشارقة، استقبلني محيي، كان يحمل على عاتقه أشياء كثيرة في الاتحاد، بدءاً من إعداد الشاي والقهوة، مروراً بتنظيم وإعداد قاعة الندوات وتصوير الأوراق ونظافة المكان، وليس انتهاءً بمعرفة صفة كل المترددين على المكان».
ويصف الأسواني المكان بأنه كان آنذاك «خلية نحل على مدار الأسبوع»، ليعرج على فترة تواجد الكاتب والمسرحي القدير عبد الإله عبد القادر، والذي يصفه بـ «نفحة من ثقافة بلاد الرافدين العتيقة» في اتحاد الكتّاب، قائلاً، إنه كان «يجمع الكل حوله إلى أن انتقل للعمل مديراً لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية»، ويتطرق في حديثه إلى «ملتقى الثلاثاء» الذي كان يجمع نخبة الأدباء والمثقفين والمهتمين في قاعة الندوات باتحاد الكتّاب.
يبين الأسواني أن الشاعر إبراهيم المصري هو من قاده إلى اتحاد الكتّاب، ويستذكر في السياق مجموعة من المقاهي التي كانت تشكل موئلاً للكثير من النخب الثقافية، مثل «مقهى نور الصباح» بميدان الساعة بالشارقة، و«مقهى الخمائل» الذي افتتحه الأديب محمد حسن الحربي، وسلّمه إلى القاص فتحي الجعفري، واصفاً المقهى بأنه:
«كان نموذجاً للمقهى الثقافي»، حيث كان رواده يتداولون عناوين الكتب ويناقشون قيمتها الأدبية، ويؤكد أن عديد القامات الأدبية مرت على طريق «مقهى الخمائل»، مثل القاص الراحل محمد الشلقامي، وشاعر العامية الإسكندراني ضياء طمان، كما يمر بنا أيضاً على مقهى «وايت فاير» في شارع جمال عبد الناصر، ومقهى الفنون الذي افتتح في منتصف التسعينيات، ليعيد لم شمل ثلة المثقفين والأدباء مجدداً، بعد انفراط عقد «مقهى الخمائل».
أجندة عامرة
في حديثه، يؤكد الأسواني أن أجندة الإمارات الثقافية والفنية آنذاك كانت عامرة بالأحداث، وبأسماء لامعة من العرب والأجانب، مستشهداً بأيام الشارقة المسرحية التي انطلقت 1984، وبينالي الشارقة الذي رأى النور في 1993، ومهرجان دبي السينمائي الدولي الذي تولى بنفسه تغطية «فعاليات دورته الأولى في 2004، رفقة الزملاء حسين قطايا وأسامة عسل وأمنية طلعت».
ويقول إن أبرز ما ميّز ساحة الإمارات الثقافية، هو قدرتها على انتزاع «كل هالة تحيط بأي شخصية فنية كانت أو ثقافية، فترى الجميع دون (تزويق أو تلميع)، فالواثق من نفسه فقط هو الذي يصمد».
في شهادته على المشهد الثقافي، يبين الأسواني أن مقر اتحاد الكتّاب انتقل في منتصف التسعينيات للمنطقة التراثية مقابل بيت الشعر وبالقرب من معهد الشارقة للفنون. ويقول: «كان نشاط نادي القصة الذي يعقد كل أربعاء في ذروة توهجه، بعد أن أخذت مجموعة من كتّاب القصة القصيرة على عاتقها مهمة استمرار نشاط النادي»، ذاكراً منهم الناقد والقاص عبد الفتاح صبري، ومحمد عطوة.
ومحمود الورواري وعايدة النوباني والشاعرة رانيا الجزار، وهيمة المفتي، والعراقي محمود سعيد، واصفاً المجموعة بأنها كانت «تمثل عصب النشاط، سواء بالحضور المنتظم، أم بالتفاعل بقراءات من إنتاجها، أم بمداخلات نقدية».
رغم زحمة الأحداث والمواقف التي يذكرها الأسواني، لم ينس دعوة الأديب فوزي صالح له، لكتابة زاوية أسبوعية في صحيفة «البيان» ضمن باب «بريد القراء» تحت عنوان (وجهة نظر)، وقال: «كان يريد أن يحدث توازناً جديداً في هذا الباب، واختار مجموعة من الكتّاب وخصص يوماً لكل واحد منا، فاخترت يوم الإثنين»، مبيناً أن من بين الذين كتبوا في هذه الزاوية الشاعر عارف الشيخ، والقاص عبد الفتاح صبري، وغيرهم.
زخم سردي
في سلسلته التي لم يتوقف زخمها السردي بعد، يأخذنا الأسواني إلى أروقة النادي العربي الثقافي، الذي عرف طريقه في 1987، ويقول: «لم تكن أنشطة النادي الثقافية أقل زخماً وحضوراً من مثيلاتها في مؤسسات أخرى»، ويسرد لنا كيف تعمقت علاقته مع المكان، ويذكر لنا مجموعة من الأسماء الفنية اللامعة التي حلّقت بأصواتها في فضاء المكان، مثل أحمد حجازي، ووسام حسني، ونبيل الشرقاوي وغيرهم.