«عدو عاقل خير من صديق جاهل وأحمق»، حكمة ذهبية ينطق بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ويقدمها لنا عبر سطور قصة «حوار مع إرهابي» التي يبوح بتفاصيلها في كتابه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، هذه الحكاية الحاملة رقم 30 في كتاب سموه، تطل علينا عبر مشاهد الحلقة الـ39 من البرنامج الوثائقي «قصتي» المستلهم من كتاب سموه، لتقدم لنا درساً مهماً في الحياة، يمكن الاستناد إليه في إدارة شؤونها والتعامل مع أزماتها.
يعود بنا سموه في الحكاية التي شكلت جوهر حلقة البرنامج الذي تولى إنتاجه المكتب التنفيذي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وعرضت على شاشات تلفزيون دبي، ومنصاته المتعددة، إلى عقد السبعينيات، ويقول: «أول حوار أجريته مع إرهابي كان في يوليو عام 1973، اسمه أوسامو ماروكا، كان زعيماً معروفاً في منظمة مسلحة اسمها (الجيش الأحمر الياباني)»، مشيراً سموه إلى أن هذه المنظمة أقامت «علاقات مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، ويقول: «ومن أجل دعم قضية الشعب الفلسطيني العادلة قام ماروكا مع عناصر من الجبهة باختطاف طائرة، مهددين بتدميرها وقتل جميع من فيها».
حوار هادئ
تفاصيل إنسانية عديدة تجود بها هذه القصة التي يطلعنا فيها سموه على ما حدث آنذاك، وكيف تعامل مع الحادثة، ويقول سموه: «كنت في قاعدة عسكرية عندما رن هاتفي، ليتم إعلامي باختطاف طائرة الخطوط الجوية اليابانية، وطلبها الإذن بالهبوط في مطار دبي، أبلغت الشيخ زايد والشيخ راشد بتفاصيل الوضع، وتوجهت مباشرة إلى المطار، وأعطيت أوامري بإخلاء مهبط الطائرات، كنت في موقعي مع فريقي، وانتظرنا الطائرة، وسرعان ما امتلأت الغرفة بأصوات الطيارين، فأعطيت إذناً بهبوط الطائرة المختطفة على أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة».
التعامل مع حوادث خطف الطائرات، يحتاج إلى نفس طويل، وهدوء في الحوار، تحسباً لأي إشكالية قد تقع، وهو ما تميز به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يشير في متن الحكاية إلى أن الطائرة هبطت، وكان «إجمالي من في الطائرة، إضافة إلى المختطفين والطاقم 145 شخصاً»، واصفاً لنا حالتها بأنها كانت «سيئة».
ويقول: «كانت الطائرة في حالة سيئة، إذ انفجرت إحدى القنابل بأحد المختطفين، وهي امرأة، لتلقى حتفها على الفور، ونجت الطائرة بأعجوبة من ذلك الانفجار، وهبطت بسلام على أرض السلام، دولة الإمارات».
مفاوضات
حنكة سموه وخبرته العسكرية، كانت كفيلة بأن تجعله يتفاوض مع خاطفي الطائرة، إذ يقول: «بعد هبوطها جاء صوت أوسامو ماروكا عبر الميكروفون، مطالباً بالتحدث فقط مع شخص مسؤول في الدولة، رفعت السماعة، وقلت له: تحدث أنا معك، فقال: ومن أنت؟ فقلت له: محمد بن راشد آل مكتوم، فقال: إذن أنت عربي، ولا بد من أن تدعم القضية الفلسطينية، إنها قضيتكم.
قلت له إن قضية الشعب الفلسطيني، قضيتنا نحن أيضاً، ولكن لا يمكنني منحكم ممراً آمناً. قال لي نعم، لدينا مطلب آخر، وكان مطلبه إطلاق أحد رفاقهم المحتجزين في إسرائيل، فطلبت منه أن يكون واقعياً».
ورغم ما يلف هذه الأحداث عادة من تعب وتوتر وإرهاق بسبب طول الانتظار، لم يترك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مجالاً للتعب والإرهاق أن يسيطرا عليه، وخاصة أن الحادثة تتعلق بأرواح الأبرياء.
ويقول سموه: «في صباح اليوم التالي، ومع بزوغ الفجر، جاءني صوت ماروكا على الراديو: صباح الخير.. أتمنى أن تكون حصلت على نوم مريح.. كان في صوته شيء من السخرية، يبدو أنه عرف أنني لم أنم.
قلت له: لقد تعب الركاب من كل هذا من دون أن يكون لهم أي ذنب.. أطلق سراح الركاب، ليست هذه هي الطريقة المناسبة للتعبير عن دعمنا للقضية الفلسطينية، رد علي بصوت متوتر: سأفجر الطائرة هل تفهمني؟ قلت له: أنت أخونا في النضال من أجل القضية الفلسطينية، ولكن لا بد من أن تكون حكيماً وأن نتحلى جميعاً بالإنسانية تجاه هؤلاء الأبرياء.. أطلق سراحهم». وفي هذا السياق، يصف سموه الوضع بقوله: «كان يهدأ أحياناً، ثم يعود إلى الصراخ، ويقول: أستطيع تفجير هذه الطائرة الآن».
نهاية
حكمة سموه وتعامله الهادئ، كان كفيلاً بأن ينهي الأزمة بسلام، إذ يقول سموه: «في اليوم الثالث أخبرت ماروكا الذي بدأ يشعر بالتعب، بأننا وافقنا على تزويد الطائرة بالوقود، لينطلق بها حيث شاء، وفعلاً عند تزويد الطائرة انطلق بها إلى ليبيا، وهناك تم إطلاق جميع الركاب مع طاقم الطائرة، ثم قام الخاطفون بتفجير الطائرة في مطار بنغازي». ويؤكد سموه في نهاية الحكاية أن ما حدث شكل درساً مهماً له في الحياة، ناطقاً بحكمته قائلاً: «عدو عاقل خير من صديق جاهل وأحمق».