عقدت ندوة الثقافة والعلوم، بالتعاون مع صالون المنتدى، جلسة نقاشية للرواية الحائزة على جائزة البوكر في دورتها الأخيرة «دفاتر الوراق» بحضور كاتبها جلال برجس ود. عبدالخالق عبدالله ود. مريم الهاشمي ود. أمل صقر والمترجمة د. صفاء جبران ود. بروين حبيب وزينة الشامي والكاتبة سلام بدر الدين وجمع من المهتمين والكتّاب.

أدارت الجلسة عائشة سلطان، وأكدت أن مناقشة الأعمال الأدبية تفسح المجال للوقوف على عمق الرؤية، فالرواية لا بد أن تقرأ مرتين أو أكثر لتشكل رؤية أوسع وأكثر عمقاً، وأكدت أن القراءة تأتي من معارف وخبرات متباينة، فالذي قد يكون بديهياً لدى شخص يكون مجهولاً لدى الآخر.

وأضافت أن رواية «دفاتر الوراق» تتمحور في نقطة الانفصام العقلي، وهي حيلة سردية تجعل كل ما في الرواية قابلاً للنسف أو الاستمرارية. وتساءلت من قال إن دفاتر الرواية هي للشخوص، فالقارئ أمام مريض انفصام عقلي، ومريض الانفصام لا يتشكل بشخصيات متعددة، ولكنه يتخيل عوالم ولا يتشظى فيها يرى أشخاصاً يحدثهم ويحدثونه ولكنهم غير موجودين.

وأشارت إلى أن الكاتب يركز على واقعية ما ورد في الرواية، إلا أن الرواية لا تستند إلى منطق واقعي لذلك على القارئ أن يقبل اللعبة بحضور شخصيات وأحداث وتداخلها، فالرواية رمزية للواقع أكثر منها التصاقاً به.

فمريض الذهان يرى ما لا نراه ويدخل عوالم أوسع وأكثر ضبابية بين الحلم والحقيقة وهي حيلة بارعة من الكاتب لقول ما يريد بالشخصية التي يريدها.

قوة معتمة

وذكر جلال برجس أنه مهموم بقراءة وكتابة الرواية، ويكتب ليردم قوة معتمة في نفسه وموجودة لدى الكثيرين، «هناك هوة في النفس تشكلت جراء ما يحيط بالإنسان العربي بشكل خاص تحتاج إلى الردم والمعالجة»، وأكد أن كتابة «دفاتر الوراق» استغرقت ثلاث سنوات في الكتابة عايش فيها الشخوص والأحداث.

ونوه برجس بأن فوز الرواية حرك في سياق كتابة وقراءة الرواية العربية المياه الراكدة، وأن فوزه أشعره بوصول كلمته لشريحة أوسع من القراء عربياً ودولياً لتنقل الكلمة العربية لفضاء آخر، وأكد أن في هذه المرحلة من الحياة يعتبر الواقع أكثر خيالية من الخيال.

تقمص

وذكرت د. بروين حبيب أن اللغة هي أول ما شدها في نص برجس الطويل. فيما أشارت د. أمل صقر إلى أن رواية «دفاتر الوراق» من الأعمال التي تحث القارئ على الانتهاء منها، إلا أن هناك بعض الأحداث غير المبررة والمصادفة فيها مصنوعة، مبدية ملاحظة حول ضعف الشخصية النسائية في الرواية، التي جاءت ضعيفة ومغلوبة على أمرها.

وذكرت تيسير شويخة أن الكاتب لديه لمسة إبداعية فيها ذكاء وحنكة، إلا أن بعض الخيوط أفلتت من الكاتب ولكنها ذابت في وهم السرد في اللامعقول الذي هو أساس العمل الروائي، إلا أن هناك سؤالاً من يمتلك الحقيقة؟

وذكرت دارين فرحات أن أسلوب الرواية كان سلساً ومريحاً للقارئ، ولكن الكاتب لم يعط القارئ فرصة لقراءة ما بين السطور أو استفزازه، وكذلك تكرار التفاصيل كان غير مناسب في الرواية، فكان تأثير الرواية تأثيراً آنياً وليس طويل المدى.

تعقيد

وتساءل د. عبدالخالق عبدالله هل التعقيد في الرواية مقصود، وإذا كان هذا غرض الكاتب فلماذا يجب أن تكون الرواية معقدة. وأكد أن اللغة رغم رشاقتها كانت مكررة في الرواية بشكل غير مقنع للقارئ، وتساءل ما مدى توقع الكاتب بالفوز بجائزة البوكر؟

ووجه د. عبدالخالق سؤالاً للكاتبة عائشة سلطان باعتبارها ضمن لجنة تحكيم الرواية هل كان هناك إجماع من اللجنة على فوز الرواية؟

وذكرت سلام بدر الدين أنها فوجئت بأن الرواية رغم ضخامة عدد صفحاتها إلا أنها سهلة القراءة. إلا أن سلام تتوقف عند مصادفات الرواية غير المعقولة وكذلك إصابة البطل بحالة نفسية غير مبررة، وخصوصاً أن البطل كان ذا فكر وأيديولوجيا مغايرة تستطيع استيعاب الآخر، فمنطق الصدف في الرواية أو منطقتها في الرواية غير مستوعب، وتلبسه لشخصيات فيها تضارب متعدد الانفصام.

وأشارت د. مريم الهاشمي إلى أن الرواية تحتوي على موت وهجرة وغياب ووحدة وانتحار وغربة العولمة والفقر والحرب وهي شبكات التواصل وغيرها من المفردات الاجتماعية والحياتية، والكاتب لم يأت بجديد وكل ما ذكر يندرج تحت أزمة الإنسان الحداثي، ولكن الإبداع الموجود في الرواية أن الكاتب رغم تمكنه السردي استطاع أن يصل إلى ذلك الاتزان بين التشويق والكفاءة المعرفية التي تدل على جدية العمل الروائي وتخرج رواية نفسية واقعية.