هذه 5 حقائق فنية تتعلق بالسينما وصناعتها وتطور وسائط المشاهدة والعلاقة مع الجمهور وكادر صنع فيلم "أصحاب ولا أعز" (وسام سميرة. 2022) قد تساعدك بفهم السياق الأشمل للفيلم.


5- البداية من الصفر

"نيتفليكس" هي منصة مشاهدة أفلام بنظام دفع اشتراك شهري وهي تنتج أيضا أفلاما من دول منشأ مختلفة وبلغات منوعة. وعلى الرغم من أن السينما العربية لها تاريخ راسخ كصناعة بدأت منذ أكثر من 120 سنة، خدمها آلاف الكتاب من أصحاب القصص والسيناريوهات، إلا أن المنصة العالمية حين اتخذت قرار إنتاج أول فيلم سينمائي عربي، اختارت أن يكون نسخة ناطقة بالعربية عن "فورمات" (شكل) غربي المنشأ (عالمي النزعة). هكذا، في ظل كتابة تواريخ جديدة لعالم السينما، وتغيّر أشكال وعلاقات المشاهدة بين الجمهور والوسيط، سيذكر التاريخ دوما ما يلي: أول فيلم عربي من انتاج أضخم منصة سينمائية عالمية ليس عربي المنشأ. يشبه الأمر، على مستوى الابداع القصصي، البداية من الصفر.

4- التفوق على "شكسبير"

الأسلوب الجديد الذي بدأ تعميمه، وقد طبق سابقا على مستوى الدراما التلفزيونية، هو عولمة الفيلم السينمائي، بحيث تصنع نسخة واحدة، ثم تباع على ما يشبه "فرنشايز"، لتنتج ضمن لائحة من "الشروط والمعايير" بلغات وطواقم عمل مختلفة من العالم. 

في روحها، لطالما كانت السينما فنا عالميا، يلامس أفكار وأحاسيس البشر مهما اختلفت مشاربهم. وقد أثرت أفلام تناولت قصصاً من ثقافات محلية ومجموعات منعزلة حتى في جماهير عريضة في دول وأماكن أخرى.

 ثم أتت مرحلة الانتاجات السينمائية المشتركة، وعبور شركات العرض السينمائي حدود القارات، لتصنع شكلا آخرا للفيلم المعولم. وصولا الى مرحلة "الفرنشايز" الثالثة. 

قبل اختراع السينما، كان المسرح فنا ملائما لعولمة مبكرة حين كانت نصوص "شيكسبير" و"تشيخوف" تصنع وتقدم بلغات مختلفة على مسارح العالم.

3- فرصة غير مسبوقة لنزق الممثل

تمتاز شخصية الفنان الممثل بسمات سيكولوجية عدة لا تنقصها: حب المنافسة، الظهور، التقمص، التحدي، الانتقال غير الواعي والمستمر بين "الأنا العليا" و"الأنا السفلى"، بين القلق والرضا لتحقيق النجاح. 

وبوسعنا أن نتخيّل الاستثارة المهنية الحقيقية التي قد شعرت بها نادين لبكي أو منى زكي أو أي من طاقم العمل من ممثلين ومخرج ومعدين للسيناريو ومصورين وهم يقارنون بين أدائهم وبين أداء 18 مثيلا لهم حول العالم. أن يدخل مبدع في مباراة مع هذا العدد الكبير من أشباهه من ثقافات وخلفيات وقدرات مختلفة هي فرصة مغرية ومستفزة بالتأكيد لنزق أي ممثل ومزاجه الفني.

2 -"إذا عضّ رجل كلبا"

كلنا نعرف تلك المقولة الأساسية في صناعة الإعلام والتسويق، والتي تربط ذيوع الخبر بغرائبية الفكرة. وقد اعتبر الكثير من الذين وجهوا سهام النقد إلى الفيلم، بين متابعين على وسائل التواصل وصحافيين وحقوقيين وسياسيين، أن الفيلم اخترق هامشا غير معتاد في السينما المصرية (تحديدا) في التطرق من قبل امرأة الى موضوعات "حساسة"، نطقا ولغة وأداء. 

هذا البعد الذي عده المنتقدون "غرائبيا" وفر حملة تسويقية مجانية استعرت كما النيران للفيلم الذي قفز بعد أيام قليلة إلى مراتب المشاهدة الأولى على المنصة. علينا أن نتذكر أن هناك 467 مليوناً وأكثر ناطقين للغة العربية، من بينهم عدة ملايين لديها نفاذ مشاهدة للمنصة. هذا يعني أرقام مشاهدات فلكية ومزيداً من الأرباح لمنتجي الفيلم. وفي منطق التجارة هذا يعد بتكرار تجارب شبيهة في المستقبل القريب، على قاعدة المثل المصري الشهير " اللي تغلب بو العب بو".

أما المقولة الذهبية في علم الترويج فهي:" اذا عضّ كلب رجلا فهذا ليس بخبر أما اذا عض رجل كلبا فهذا خبر"!

1- أهلا بمصر!

يظهر في نسخة المخرج اللبناني وسام سميرة شخصيتين مصريتين بين شلة الأصدقاء، يوجهنا السيناريو من البداية أنهما يقيمان مع أطفالهما وأم الزوج في لبنان، لدواعي العمل والاستقرار المهني. 

بينما تتشارك كل الشخصيات الأخرى التي ظهرت في الفيلم، سواء على طاولة العشاء الصاخب، أو عبر المداخلات التليفونية الكاشفة، بكونها لبنانية الهوية. لا يعتبر هذا التنوع ضروريا في النسخة الأصلية الإيطالية من الفيلم في"غرباء مثاليون" (باولو جينوفيزي. 2016). لكن وجوده في النسخة اللبنانية حتمته ثلاثة معايير: وجود مال انتاجي مصري مشارك في الفيلم سينعكس منطقيا مع تواجد ممثل مصري، وثانيا مقتضيات شيوع الفيلم لدى كتلة كبيرة ومؤثرة هي الكتلة المصرية ستتفاعل معه (بشتى أصناف التفاعل كما رأينا) بشكل أفضل في ظل حضور ممثل مصري. السبب الثالث والأهم استثمار نجومية منى زكي الصاعدة بقوة دفع كبيرة، أحد محركاتها الأخيرة كان مسلسل رمضان الماضي "لعبة نيوتن" (تامر محسن. 2021) من دون أن نغفل إياد نصار المتمكن في غالبية أدواره والراغب دوما بخوض تحديات تمثيلية متجددة.
التواجد التمثيلي المصري لأفلام صورت في لبنان له عمق تاريخي يتجاوز السبعين عاما.