«قنوات»، إحدى أقدم المدن الأثرية في سوريا، معالم موغلة بالقدم، بنيت بحجارة البازلت الصلبة، في منطقة تتصف بجمال الطبيعة الأخضر، واعتدال المناخ في جنوب غرب سوريا، لتشكل متحفاً أثرياً في الطبيعة. كانت المدينة مركزاً تجارياً، وارتبط اسمها بتحالف الديكابولس الروماني، الذي كان تحالفاً سياسياً واقتصادياً.
اشتهرت المدينة بأهميتها الدينية في العصر الروماني، وأصبحت مركزاً للحج للمسيحيين في البلاد، وتميزت بمعابدها وكنائسها وحمّاماتها، التي بقيت شاهداً على أهمية هذه المنطقة.
أهمية تجارية
تعرف «قنوات» تاريخياً باسم «كاناثا»، وهو الاسم الأشهر لها، فيما ذكرت مصادر أخرى، أن اسم المدينة كان «كانوتا»، ومعناه القناة، حيث اشتهرت المدينة بوجود قنوات تمد قاطنيها بالمياه.
وتعتبر «قنوات»، من أهم المدن في العهد الروماني، حيث كانت إحدى المدن العشر في تحالف «الديكابولس»، وهو تحالف روماني، أنشأه الإمبراطور «بامبي»، في 64 قبل الميلاد، وذلك للوقوف في وجه الأنباط جنوباً، وكان يجمع عدداً من المدن التجارية التي تقع على أطراف الإمبراطورية الرومانية في سوريا وفلسطين والأردن، وهي: «جرش، عمان، بيسان، ديون، هبوس، أم قيس، رفنا، طبقة فحل، ودمشق».
اعتبرت «قنوات» في ذلك الوقت، محطة تجارية هامة على طريق دمشق – بصرى، وعرفت في القرن الأول الميلادي تطوراً مهماً في مجال الزراعة، وسكت النقود البرونزية باسمها «كاناثا»، مرفقة بأسماء لأباطرة روما.
المعابد الخمسة
الأهمية التجارية والاقتصادية للمدينة، ترافقت مع أهمية دينية، حيث تميزت المدينة بكثرة المعابد فيها، ثم أصبحت مركزاً للحج، بعد إعلان المسيحية ديانة رسمية للرومان، وأصبحت مركزاً أسقفياً ارتبط بأنطاكية.
ومن أبرز آثار «قنوات» وأوابدها التاريخية الخالدة، المعابد الخمسة التي تعد الأجمل في المنطقة، وتشمل معبد «زيوس»، الذي يقع في أعلى المدينة العليا «الأكروبول»، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الأول قبل الميلاد، وكان مخصصاً لكبير الآلهة، وعثر فيه على قناة مائية، وغرف معمارية، ويتكون من ثلاث مصاطب محفورة في الأرض الصخرية.
كما تضم المدينة معبد هليوس، الذي كرّس لعبادة إله الشمس، ويعود بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي، ويتكون من ستة أعمدة في واجهة مدخله، أربعة منها في الخط الأمامي، والعمودان الباقيان في إطار الباب، وهي ذات تيجان، زيّنت بأكاليل من أوراق «الأكانت»، ذات الطراز «الكورنثي»، بالإضافة إلى معبد «أثينا اللات»، أو آلهة الحكمة، الذي بقي منه أربعة أعمدة ذات الطراز «الكورنثي»، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي.
كما شيد في المدينة معبد «آلهة المياه»، الذي يقع ضمن وادي «قنوات»، إلى الشرق من سور البلدة القديمة، وخصص لعبادة آلهة المياه، ومعبد «الأوديون»، وهو مسرح صغير الحجم، يقع على الضفة الشرقية للوادي، وإلى الشمال من معبد آلهة المياه، وبقي منه تسع درجات، بعضها محور في الصخر، ويعود تاريخ بناء هذين المعبدين، إلى النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي.
السراي الأثرية
تعتبر السراي بواجهتها الأصلية، كما كانت في العصور القديمة، أحد أهم المعالم الأثرية في المدينة، وتحتوي أحد معابد أثينا اللات، ثم تم إنشاء كنيسة في القرن الرابع الميلادي، بعد إعلان المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية، كما تم تشييد كنيسة أكبر في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، إلى الخلف منها، مع قاعة أمامية وقاعة استقبال كبرى.
ويقع مدخل السراي في الجهة الغربية، حيث ينفتح على ساحة مبلطة واسعة، تنحصر بين أبواب المدينة الأثرية القديمة، والسرايا التي يبلغ ارتفاع واجهتها نحو طابقين، وفيها بوابة كبيرة عالية، وعلى جانبيها بوابتان أصغر منها، وخلف البوابة، كان هناك معبد يتجه نحو الشمال، وبقيت منه «حنية قدس الأقداس»، وتحوي ثلاثة محاريب، وغرفتين جانبيتين، بالإضافة إلى بوابة المعبد، مع أعمدتها الكورانثية الأربعة، والزوايا التابعة لها، فيما بقي من الكنيسة التي أقيمت وسط المعبد واجهتها الغربية الجميلة.
خزان المياه والحمامات
يعتبر خزان المياه الأثري الكبير «الصهريج»، الذي يقع إلى الجنوب الغربي من السرايا، من أبرز آثار في «قنوات»، ويعود تاريخ بنائه إلى نحو 1500 سنة، حيث شيدت جدرانه من الحجر البازلتي والفخار، ويضم 18 قوساً حجرياً متتالياً، تزين الخزان المائي الذي يوزع الماء إلى أنحاء المدينة كافة، بطريقة الأواني المستطرقة، وهو عبارة عن بناء مستطيل الشكل، بعمق حوالي سبعة أمتار، ومقسم إلى 7 معازب، بواسطة ستة صفوف من الركائز من البازلت، تحمل الأقواس.
كما تشكل الحمامات الأثرية في «قنوات»، شاهداً معمارياً فريداً على حضارة المدينة، تقع الحمامات العامة في الجزء السفلي الغربي من المدينة، ويعود تاريخ بنائها إلى بداية القرن الثاني الميلادي، ويحيط بها السور.
وتتكون الحمامات من عدة أبنية، جرى تنفيذها وفق الطراز الإمبراطوري الروماني، وكانت تتسع لنحو 500 شخص، وتتألف من عدد من الأقسام والمشالح والقاعات، التي تمتاز كل منها عن الأخرى باختلاف درجة الحرارة، بحيث كان رواد الحمامات ينتقلون من القاعة الحارة إلى الدافئة، لينتهي بهم المطاف في أرجاء القاعة الباردة، بالإضافة إلى وجود أحواض استحمام داخلية متعددة في كل قاعة، وأحواض صغيرة للشخصيات المهمة، مع قاعات للألعاب والمطالعة، ومكتبة ومطعم وسوق تجاري وحمامات أصغر حجماً منها، تقع في الجهة السفلى.
النزل.. والمقابر الرومانية
إلى جانب الحمامات الأثرية من جهتها الجنوبية، يقع نزل أثري «فندق»، يحتوي على طابقين وباحة كبيرة، وكان بمنزلة محطات استراحة وفندق للمبيت، ويحتوي على طابقين، مع مدخل وباحة كبيرة، يستخدم لإقامة الحجاج والمسافرين، ثم تحول البناء كمقر لسكن إحدى الشخصيات الدينية الهامة، يعود تاريخ بنائه إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي.
كما يوجد في المدينة مقابر رومانية وبيزنطية، وهي مربعة الشكل، كانت مؤلفة من طابقين أو ثلاثة، وهناك مقبرة الأساقفة الواقعة بجوار الكنيسة الشرقية، تحتوي على أربعة نواويس حجرية، مزودة بأغطية، ومزخرفة بمواضيع مختلفة.