السؤال المعقد، الذي يشغل المهندسين ومحبي البنايات الشاهقة، هو: ما أقصى ارتفاع يمكن أن تصل إليه ناطحات السحاب؟ على هذا السؤال يجيب بيل بيكر، كبير المهندسين الإنشائيين، الذي عمل في مشروع برج خليفة. وهو يؤكد أن الهياكل فائقة الطول تشبه الساعات السويسرية، دقيقة للغاية، ولا يمكن إهدار أي جزء من المساحة في التصميم ثم التشغيل.
استخدم مصطلح «ناطحة السحاب» في القرن الثامن عشر للدلالة على الأعمدة العالية للسفن الإنجليزية. ومنذ بداية القرن العشرين، بات هذا المصطلح يشير إلى نوع معين من المباني، المرتفعة العالية، وعلى وجه التحديد: البرج الحديث بهيكل معدني.
ولعقود، اعتبر أي بناء ارتفاعه أكثر من 100 متر ناطحة سحاب. ومع ذلك لا يقتصر على قياس الارتفاع بالأمتار، فقد اعتبرت المباني التي يتجاوز ارتفاعها 15 طابقاً ناطحات سحاب. لاحقاً وصل ارتفاع هذه المباني إلى مئات من الأمتار (ما يعادل 100 طابق) مثل أبراج مركز التجارة العالمي نيويورك.
وابتداءً من عام 1920، بدأت في نيويورك منافسة حقيقية اشترك فيها مئات من شركات التمويل، والآلاف من الناس بين مهندسين معماريين ومهنيين لتشييد أعلى مبنى في العالم.
هذه المنافسة بالارتفاعات لم تنته بنهاية الحرب العالمية الثانية، ففي الفترة ما بين عامي 1966 و1973 تم بناء البرجين التوأمين: مركز التجارة العالمي، الذي تحول إلى أيقونة معمارية إلى حين تفجيره في عام 2001.
ومنذ ذلك الحين، شهد العالم قفزة هائلة في تشييد ناطحات السحاب، خصوصاً في آسيا وبلدان الشرق الأقصى. وببناء برج خليفة في دبي، الذي يبدو برج التجارة العالمي إزاءه مجرد مبنى قزم، اختبر المهندسون تحدي بلوغ أقصى حدود الممكن، وبرز السؤال المؤرق: ما هو أقصى ارتفاع يمكن أن تصل إليه ناطحات السحاب؟ كيلومترين ربما؟
عن هذا السؤال يجيب بيل بيكر، كبير المهندسين الإنشائيين في مشروع بناء أطول مبنى في العالم، «برج خليفة»، الذي يبلغ ارتفاعه 2717 قدماً، ما يعادل 828 متراً.
الرجل، الذي ترك بصمته في بناء أطول ناطحة سحاب في العالم، مندهش من شعبية منصات المراقبة لتلك الأبراج الضخمة، وقال في مقابلة مع صحيفة «بيلفيل نيوز - ديمقراط» في إيلينوي بالولايات المتحدة عن «برج ويليس» في شيكاغو، إن الناس لا يرغبون فقط في الصعود إلى الأعلى، بل يريدون التسكع فوق، وأن «برج خليفة» أضاف مساحة للمراقبة منذ افتتاحه في عام 2010.
وفيما قاد بيكر المهندسين الإنشائيين في مشروع برج خليفة، كان المهندس الرئيسي للمشروع أدريان سميث، وكان كلاهما في وقتها يعمل في «سكيدموري، اونيغز وميريل»، أحد أكبر مكاتب الهندسة المعمارية في العالم ومقرها في شيكاغو التي يصفها بيكر بإحدى عواصم العالم في الهندسة المعمارية وهندسة المباني الشاهقة.
قال بيكر إن تصميم مبنى على ارتفاع نصف ميل مثل برج خليفة، تطلب عمل 90 شخصاً على المشروع في «سكيدموري، اوينغز اند ميريل».
فإلى أي ارتفاع يمكن أن يصل أطول مبنى؟
أجاب بيكر في المقابلة بواقعية قائلاً: «أعتقد أنه يمكن الوصول إلى ميل (1.61 كيلومتر) أو حتى كيلومترين (1.24 ميل أو 6561 قدماً)، وبتكلفة معقولة وإطار زمني مقبول».
ولفت إلى أن الهياكل فائقة الطول تشبه الساعات السويسرية، دقيقة للغاية، ولا يمكن إهدار أي جزء من المساحة في التصميم ثم التشغيل، مؤكداً: «يجب أن تكون مناسبة للهندسة المعمارية، وللهيكل، وللبناء والديكورات الداخلية والهندسة الميكانيكية والكهربائية، كذلك يجب أن تكون مناسبة للاستدامة، وهذا شيء معقد للغاية». ولكي يصل ارتفاع المبنى إلى ما يقرب من ميل وربع (2 كيلومتر) فإنه يتطلب تصميماً لم يتم تطويره بعد».
ووصف بيكر تصميم المبنى بـ «نوع من أنواع الكائنات الحية»، مشيراً إلى أنه تم تطوير نوع جديد لبرج خليفة، يُطلق عليه «النواة المدعمة»، لأن البرج يمتلك مركزاً سداسياً ضيقاً وثلاثة أجنحة تنبثق من المركز لتقديم الدعم. وعندما تهب الرياح على اثنين من الجدران الثلاثة، يعمل الجدار الثالث على مقاومة قوة الرياح.
وأضاف: «الشيء الرائع في التصميم هو عدم الحاجة لتطويره، بل يمكن إنشاء مبنى جديد من خلال العمل مع الفريق»، لكن تكلفة التصميم والبناء الجديد لمبنى يزيد طوله على ميل واحد (1.61 كيلومتر) ستكون باهظة. وأكد بيكر: «لن يكون رخيص التكلفة، لكنني أعتقد أنه يمكن أن يكون ميسور التكلفة بمعنى أن قيمة البناء ستتجاوز تكلفة البناء بشكل كبير».