جميل هو التراث، بين جوانبه يخبئ لنا حكايات كثيرة عن أناس مروا على هذه الأرض وتركوا بصمتهم لامعة على الجدران، تلم الحكايات جذوة الحنين إلى الماضي وأيام «زمن الطيبين».

أولئك الذين تركوا قصائدهم وعلقوا أشعارهم وفنونهم على جدران الذاكرة، لتشكل مع مرور الزمن أرضية خصبة تقوم عليها البلاد، ويستلهم العباد منها حكماً وعبراً عديدة. وفي الإمارات طالما شكل الموروث الشعبي، عموداً أساسياً يقوم عليه تاريخ الدولة ومسيرتها الطويلة التي تتمدد على نصف قرن وأكثر.

حكايات التراث وما حملته من رنين خاص، كانت كفيلة بأن تفتح عيون الباحث سعيد بن خميس السويدي، الذي فتن بحكايات جده، وما حفظته جدته في ذاكرتها من قصائد، لينطلق في دروب توثيق الموروث الشعبي، مطلقاً في الوقت نفسه العنان لمبادرته الشخصية «الموروث»، التي بدت أشبه ببوابة عبور نحو الماضي واكتشاف كنوزه، لتحظى مبادرته هذه بحضور لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت تحولت فيه إلى مصدر يلجأ إليه كل من يرغب في الاستزادة من ينابيع التراث الشعبي.

أدوات

قلم وورقة وجهاز تسجيل، أدوات بسيطة تعود السويدي أن يتوسدها في رحلته التوثيقية، حيث يستند إليها في تدوين الملاحظات وحفظ المادة الشفاهية التي يحصل عليها خلال جولاته مع كبار السن، الذين عاصروا مراحل زمنية مختلفة، لكل واحدة منها نكهتها.

فقبل نحو 17 عاماً انطلق السويدي في مشواره مع توثيق التراث الشعبي، وبحسب تعبيره لـ «البيان» فقد بدأ خطوته الأولى في هذا الدرب في 2005 ولا زال مستمراً فيه حتى اليوم، ويقول: «جلساتي مع جدي وجدتي، شجعتني على المضي في هذا الطريق، فقد كنت أستمع منهما لتفاصيل كثيرة تتعلق بالأنساب والتراث، وكذلك القصائد.

وقد حثني والدي كثيراً على تدوين هذه المعلومات والقصائد، لتكون محفوظة لدينا، ومصدراً يمكن العودة إليه في أي وقت، لا سيما فيما يتعلق بالأنساب»، ويضيف:

«توثيق الأنساب والأرحام، كان بالنسبة لي بداية، حيث التقيت طوال هذه السنوات، مع عديد الشخصيات التي ساعدتني بما تمتلكه من معلومات في عملية التدوين وتوثيق التراث، ومعرفة الأنساب وأصولها، ومع مرور الوقت تضخم حجم المعلومات التي أمتلكها وبعضها فيه توثيق لمئات العائلات بالإمارات، وهو ما دعاني إلى فتح حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، لتكون منصة أنشر عليها ما أمتكله من معلومات تتعلق بالتراث وتاريخ الإمارات وموروثها الشعبي، وعلى إثر ذلك جاء إطلاقي لمبادرة الموروث، التي رأت النور في 2012».

أصالة

زيارة واحدة لحسابات الموروث على «التواصل الاجتماعي» لن تكون كافية للتعرف على حجم ما تتضمنه من معلومات، فهي تزدحم بالكثير من المقابلات والصور والوثائق التي تكشف عن أصالة الموروث المحلي. وبرغم ذلك، يعتبر السويدي أن كل ما جمعه إنما يمثل «قطرة في بحر الموروث».

ويقول: «هدفي الأساسي هو حفظ الموروث الشعبي وصيانته وتقديمه للأجيال المقبلة، ليكون عيناً لها على ماضينا وتراثنا وحضارتنا، فما أقوم به لا يقتصر فقط على الأنساب وإنما يتسع مداه ليشمل القصص والأساطير والعادات والتقاليد والفنون الشعبية والشعر الشعبي وغيرها، من التفاصيل المتعلقة بالموروث الشعبي».

«كبار السن هم كنز لا يمكن التفريط به»، قاعدة يؤمن بها السويدي الذي كان أحد أفراد الطاقم الذي عمل على توثيق تفاصيل قصر الحصن في أبوظبي، ويقول: «كبار السن هم عيوننا على الماضي، ويشكلون مصدراً أساسياً في التعرف على الأحداث التي عاصروها، ولذلك أعتبرهم كنزاً يجب الاعتناء به جيداً، ومن خلالهم استطعت الحصول على كمية كبيرة من المعلومات التي تتعلق بالأماكن والتراث والعائلات.

وكذلك الأحداث التي شهدتها الدولة»، ويبين السويدي الذي لا يغض طرفه عن أي معلومة تراثية، إنه تعود على تقصي المعلومة من مصادر متعددة، وذلك قبل نشرها على الملأ، ويقول: «عادة عندما أذكر الروايات أقدمها مع إسناد واضح، للإشارة إلى أن المعلومة موثقة وصحيحة تماماً».

رغم اجتهاده في التعريف بالموروث الشعبي، ونشره، إلا أن طموحات السويدي كبيرة، حيث يرنو إلى تقديم ما جمعه من معلومات في كتاب موسوعي، يتضمن تصنيفات وأبواباً كثيرة، بحيث يتم من خلالها تصنيف المادة الوثائقية، مبيناً بأنه يطمح مستقبلاً إلى تقديم القصص الشعبية في شكل مسلسل كرتوني، ويقول: «أعتقد أن تقنية الأنيميشن أو الرسوم الكرتونية تمثل وسيلة جميلة تمكننا من إيصال موروثنا الشعبي إلى الأطفال».