أول ما يلفت انتباه زائر حي دبي للتصميم أنه «مجتمع متكامل»، منشغل ومنخرط في نشاطاته الإبداعية، له أسلوبه في العمل والحياة، كما أن له اهتماماته الخاصة، التي يتوزعها أعضاؤه، كل من زاويته الخاصة.
في مثل هذا المجتمع الإبداعي، هناك سباق مع الذات لا ينتهي. سباق نحو إحراز سبق في تثبيت البصمة الخاصة، وإنجازها بالسرعة الممكنة؛ فهنا، ليس ميزة أن تكون مبدعاً، فكل الموجودين هم مبدعون، كل في مجاله، بل إن «الحي» نفسه، ابتداء من فكرته، ومروراً بمرافقه، وصولاً إلى مخرجاته، هو تجسيد حي لفكرة «الحي الإبداعي».
وهو كذلك بطموحاته، التي تقوده لأن يكون وجهة رائدة في مجاله على المستوى العالمي، وبيئة خلاقة تحفز على الإبداع، وتتيح إمكانية بناء علاقات عمل حيوية لازمة لكل تخصص ومجال، فالكل موجود هنا، وحاجات كل تخصص من التخصصات الأخرى متواجدة في نفس المكان، ولا حاجة للخروج من «الحي» للحصول على خدمات مهنية، أو علاقات عمل، أو حتى خدمات يومية يحتاج إليها الإنسان في نهاره.
مشروع
أطلق مشروع حي دبي للتصميم عام 2013، بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ليكون الوجهة الأولى الجامعة لكل مجالات الفنون والتصميم وصناعة الأزياء والديكور الداخلي، بهدف جذب كبرى بيوت ودور الأزياء العالمية، وإحياء الأفكار وخلق روح الإلهام وإثراء المواهب في المنطقة، إلى جانب إشراك ودعم المواهب المحلية والإقليمية والعالمية في مجال التصميم.
استندت فكرة المشروع إلى أن يكون «حياً عصرياً متكاملاً»، مكتفياً بذاته، دون أن يكون منعزلاً عن محيطه؛ وبذا، فإن «تيكوم للاستثمارات»، العضو في «شركة دبي القابضة» تقوم بإدارة عملياته من مكتبها في الحي نفسه، كما أنه يحتضن العديد من مقار الجهات الحكومية الضرورية، مثل مكاتب حكومة دبي الذكية، وهيئة دبي للثقافة والفنون وغيرها، إلى جانب محال تجارية ومساحات ومكاتب للشركات العالمية العاملة في القطاع، ومرافق لاستضافة الفعاليات العالمية، التي تختص بمجالات الفنون والأزياء والتصميم، بالإضافة إلى أنه يوفر كافة المرافق والخدمات الضرورية، من مطاعم ومقاه والصالونات ومطابع ومزودي خدمات طبية ومعاهد تعليمية، وغيرها.
حضور
عزز حي دبي للتصميم حضوره على خريطة فعاليات دبي، ذات الطبيعة العالمية، من خلال قائمة واسعة من الأنشطة الدورية وغير الدورية، مثل: «أسبوع دبي للتصميم»، الذي يعتبر المهرجان الإبداعي الأضخم على مستوى الشرق الأوسط، المعني بكافة جوانب التصميم، التي تشمل الهندسة المعمارية وهندسة الديكور الداخلي والتصميم الجرافيكي. ويستضيف، كذلك، فعاليات سنوية تختص بالتصميم مثل «فاشن فوورورد» و«سول دي إكس بي»، الفعالية المختصة بثقافة الشارع والسينما والرياضة والموسيقى.
لقد تمكن «الحي»، في الواقع، خلال أقل من عشر سنوات، من إغناء أجندة دبي الثقافية، لا مجرد تعزيز حضوره فيها، وهذا يتحدث عن أصالة وإلحاحية الفكرة التي أنتجته، وأسلوب العمل الذي يتبناه، وأهمية ما ينجزه في مجاله.
وهذا أمر إن كشف عن شيء فإنما يكشف عن القوة الدافعة الكبيرة، التي تقود «حي دبي للتصميم» قدماً. وكذا عن قدرته المختزنة على النمو، والاتقاء بمستوى مساهمته في قطاع الاقتصاد الإبداعي في دبي.
بنية تحتية
بطبيعة الحال، يمكن الحديث مطولاً عن البنية التحتية، بمعناها التقليدي، التي تتوافر لـ«حي دبي للتصميم»، ولكن لن يكون هذا كل شيء بما يتعلق بهذا الجانب؛ فهناك أيضاً بنية تحتية أخرى، غير تقليدية، تساعد وتسهل عمل أعضاء هذا المجتمع الإبداعي.
هناك، أولاً، روعة التصميم المعماري المبتكر، الذي جاء عليه «الحي»، إنه ليس مجرد زخرف جمالي، بل هو تجسيد لجوانب التصميم، التي تدعمها المنطقة، وتعمل جاهدة على تطويرها وتمكين القوى المحلية على إتقانها، وهو يخلق بيئة ملهمة، ومحفزة على الإبداع واجتراح الأفكار الجديدة.
إذاً، يجري الحديث هنا عن مكان قادر على الإلهام.
يشعل ويحيي «حي دبي للتصميم» الحماسة والإبداع في نفوس زواره والعاملين فيه، حيث ستشهد بصمات وتجسيدات للفن وإبداع التصميم في كل زاوية من المنطقة، بدءاً من فنّ العمارة الحديث الجليّ والواضح في التصاميم الخارجية للمباني والأبراج، كما الأفنية والمساحات المفتوحة وممرات المشاة المظللة وانتهاء بتصاميم الطرق والموقع المرتبط بشكل مثالي بكافة أرجاء المدينة.
وهناك، ثانياً، العناية بالحاجات الإنسانية، حيث المساحات المفتوحة بين العقارات التجارية والسكنية، المزينة بالأشجار والزهور والتصاميم المختلفة وغيرها، مما يصنع فضاء يشجع على التواصل في بيئة إبداعية مثالية، إلى درجة تدعو للقول: إن «الحي»، بذاته، خلاق للإبداع، ويقدم دعوات متواصلة لتبادل الأفكار، ويشجع على التعاون.
وهناك، ثالثاً، الخدمات والمميزات التي تعزز تطور ونمو الشركات الكائنة فيها، فتوفر إنترنت فائق السرعة وخدمات استقبال في جميع المكاتب وإمكانية دخول المكاتب على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع للعمل على المشاريع الزخمة والكثيفة، كما يوفر الخدمات الضرورية للعاملين فيه بمستويات عالية من الجودة والسرعة.
وهناك، رابعاً، نمط الحياة العصري، الذي يقترحه ويوفره «حي دبي للتصميم» على العاملين فيه، وذلك بالاعتماد على العديد من المرافق الواقعة فيه، وتمثل جزءاً منه، أو تلك المحيطة به، وتلتصق بحدوده، أو بالاعتماد على انفتاحه على المدينة ومرافقها اللانهائية.
أرقام
من المهم، هنا، ما تقوله الأرقام، ورغم أن الأرقام المتوافرة تعود إلى تقارير إحصاءات ليست حديثة بقدر كاف، إلا أنها تشي بالكثير.
في نوفمبر العام 2017، توقع تقرير أصدره مجلس دبي للتصميم والأزياء أن يصل حجم سوق التصميم الإماراتية إلى 36 مليار دولار بحلول عام 2019، بنمو قدره 13% عن حجم السوق الذي بلغ حجمه حينها 32 مليار دولار، وأرجع هذا النمو، إلى التصميم المعماري المبتكر ومشروعات التصميم الداخلي التي يجري العمل فيها بالمنطقة.
وفي المقابل توقع التقرير أن تنمو سوق التصميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 15% لتصل قيمتها إلى 148 مليار دولار في 2019، لافتاً إلى أن سوق التصميم الداخلي تنمو بسرعة تفوق المتوسط العالمي بسبع مرات.
وفي إحصاءات متعلقة بحي دبي للتصميم، نقع على رقم يقول: إن «الحي» استطاع تحقيق نمو بنحو 90% في صناعة التصميم بمجالات الهندسة المعمارية والهندسة الداخلية والأزياء.
وتوضح الأرقام، كذلك، الامتيازات التي تحصل عليها الشركات العاملة كشركة حرة في حي دبي للتصميم، وهي تشمل تملك الأجانب بنسبة 100%، وحرية تحويل رأس المال والأرباح إلى الخارج بنسبة 100%، والإعفاء الضريبي على الدخل الشخصي، والدخل والشركات لمدة خمسين عاماً.
ومن جهة أخرى، تكشف الأرقام إن «الحي» يوفر مساحة إجمالية من المباني تبلغ 21.5 مليون قدم مربعة، وتستوعب أكثر من 180 ألفاً من المواهب الإبداعية.
ويؤكد تقرير «آفاق تعليم التصميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الذي أطلقه مجلس دبي للتصميم والأزياء (2016)، ضرورة مضاعفة أعداد الخريجين بمقدار تسعة أضعاف بحلول 2019، بحيث يكون هناك 30 ألف خريج سنوياً، لخدمة هذا القطاع.
وفي الواقع، فإن هذا ما يصنع المستقبل؛ أي، أن كل قطاع يتطلب تعزيز التعليم ومضاعفة أعداد الخريجين، إنما هو قطاع نام ومتنام، ورافعة من روافع التنمية.
وهذه هي حال قطاع التصميم، الذي يأخذ على عاتقه إعادة صياغة ذوق وحاجات العالم.