«معلولا» بلدة سورية قديمة، يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، ما زال سكانها يتحدثون الآرامية (السريانية) التي أعطت سوريا اسمها، وهي لغة السيد المسيح التي انقرضت من كل العالم إلا من ثلاث بلدات سورية متجاورة تقع في أعالي جبال القلمون الغربي هي: معلولا، جبعدين، ونجمة.

تبعد عن دمشق 56 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر أكثر من 1500 متر، وما زالت مأهولة بالسكان منذ عصور ما قبل الميلاد وحتى الآن، ما يجعلها مثقلة بتاريخ طويل، وأسرار عميقة، وحجب لا تنتهي. تُطل من كل زاوية فيها حكاية، وتروي كل صخرة من جبالها أسطورة، تُثير في النفس شعوراً خاصاً من المهابة والجلال والعتاقة.

في أواخر العصر الحجري، تطورت معلولا واتسعت لتكون قرية حقيقية. يرجع تاريخها إلى 50 أو 60 سنة قبل الميلاد. بعد أن استولى الإسكندر الأكبر على بلاد الشام عام 333 قبل الميلاد، تأثرت معلولا بحضارة اليونان ولغتهم، وصارت تُعرف باسم «بنكرابوليس».

في ظل الحكم الآرامي، كانت معلولا مركزاً لعبادة بعض الآلهة السوريين، وفي العهد الهيليني اليوناني تحولت إلى عبادة الشمس، وفي العهد المسيحي، وجدت المسيحية واللغة الآرامية مأوى لها بين أهل معلولا والقرى المجاورة.

تتسلق معلولا جبلاً صخرياً وكأنها العقاب أو وكره، تحرسها من الشرق والغرب أكمتان عظيمتان من صخور طباشيرية، تُحيطان بها كجدارين شاهقين يقومان بحمايتها، ومن تحتها يمتد منحدران يُسمى كل واحد منهما فجاً، يقسمانها إلى قسم سفلي هو معلولا الحالية، وعلوي يُعرف باسم «بلوتا علو» ويعني «البلاد الفوقا»، وهي معلولا القديمة المنقورة في الصخور على هيئة كهوفٍ سكنها إنسانها قبل أن يهبط ليسكن معلولا الحالية، ويستقر فيها.

ذُكر اسم معلولا في المصادر التاريخية تحت اسمها الحالي، غير أن بعض تلك المصادر أسمتها «قلمونا» أو «سلفكية» أو «سلوقية الشام» أو «سلوقية سوريا» وقد سماها العرب «النَشِطَة» لطيب هوائها واعتداله، واسم معلولا مشتق من الآرامية القديمة ويعني المضيق، أو الممر، أو المدخل الضيق.

معالم

تتفرد معلولا بمعالم تاريخية أثرية وطبيعية أهمها: الأديرة والكنائس القديمة العائدة إلى العهد البيزنطي، والمبنية في عب الصخر، بحيث شكلت عمارتها والصخور، حالة مدهشة من الانسجام والتآلف والوحدة، جعلت من هذه العمارة تبدو وكأنها قُدت من الصخور، بفعل الطبيعة وليس بفعل الإنسان، يُضاف إليها مجموعة من الأضرحة البيزنطية والكهوف والمغار المحفورة في قلب الجبل الصخري، والتي شكلت سكن الإنسان القديم. من أبرز معالم معلولا الأثرية: (دير مار سركيس) و(دير مار تقلا) اللذان صنفتهما منظمة اليونسكو على أنهما من أهم الآثار المسيحية في العالم وأقدمها.

يقول الباحث التاريخي إلياس نصر الله، إن معلولا تاريخ وأوابد، جعلا منها تلخيصاً للتاريخ الإنساني برمته، بوصفها تُعد متحفاً حياً نادراً عن طريقة حياة الإنسان الذي سكن الكهوف وحتى الوقت الحاضر، فقد تعاقبت عليها معظم الحضارات بدءاً بالآرامية، واليونانية، والرومانية، والبيزنطية، والعربية الإسلامية، وهذا ما أكسبها شهرة محلية وعالمية.

الفنان فرج شماس يرى أن معلولا هي ذاكرة الصخر والإنسان، تكتب بلغة السيد المسيح سفراً للحب، وشهادة حياة لكل العصور، بحيث يمكنك أن تُطلق فيها لقلبك الأعنة، وتغني عيني لمن تُحب، بقصيدة موسيقية توزعها العصافير، وتنقل ألحانها أوراق الحور إلى كل الوديان، ومسارب المياه، وهذا يعني أنك في وطنك، وأن اسم هذا الوطن سوريا بالعربية والآرامية.

ملهمة الفنانين

شكلت معلولا بطبيعتها وآثارها ونسيجها العمراني النادر والفريد، مادة غنية للفنانين التشكيليين والمصورين الضوئيين والمعماريين السوريين وضيوفهم من العرب والأجانب، حيث عكفوا على رسمها وتصويرها ودراستها، بأكثر من صيغة وأسلوب، كما كانت معلولا ولا تزال، محجاً لطلاب الفنون الجميلة وهندسة العمارة الذين يتقاطرون إليها من الجامعات السورية واللبنانية، لدراسة هذه الألفة النادرة القائمة بين الطبيعة والعمارة، والمنسوجة بكثير من البساطة والتلقائية والعشق، لكن هذه الحالة بدأت تتغير، بفعل المداخلات العشوائية الحديثة على نسيجها العمراني القديم، عبر إشادة أبنية حديثة مكانه، لا تتفق وتنسجم مع محيطها، أو باستعمال خامات ومواد هجينة في ترميم هذا النسيج.