توافق هذا العام 2022 مع مناسبات يوبيلية في الثقافة ومجالاتها الحيوية، في حقول العلم والتاريخ والآثار والعمل الثقافي، أو هي مسّت الثقافة، وأثرت بها على نحو أو آخر، وكلها مناسبات مسّت القطاع الأوسع من البشر، وأثرت في غالبها على الحضارة الإنسانية، وأسهمت في تغييرات كبيرة في الروافد الثقافية، ونظرة الإنسان إلى عالمه ومحيطه، بل وتاريخ الإنسانية ووجودها في أحيان أخرى.

وعلى الرغم من أن هذه المناسبات لا تتعلق بأحداث أو منجزات وقعت هذا العام، إلا أن تصادف الذكرى اليوبيلية يحمل معاني خاصة تربط الإنجاز البشري بحاضر النتائج والآثار التي نجمت عنه، وامتدادها في الحاضر، وبكلمات أخرى، فإن الذكرى اليوبيلية ليست مجرد مناسبة احتفالية، لكنها محطات في تاريخ الإنجاز الحضاري البشري، تمتلك الكثير من الإلهام.

معاً، لنستعرض أهم المناسبات اليوبيلية، التي توافقت مع هذا العام 2022.

200 عام على فك رموز «حجر رشيد»

في مثل هذا العام، قبل مئتي عام، وتحديداً في 27 سبتمبر عام 1822، وجدت البشرية طريقها إلى فهم لغة حضارة قديمة، فقد عرض جان فرانسوا شامبليون ترجمة للنقش الموجود على «حجر رشيد» الغامض، بثلاث لغات، هي «الهيروغليفية» و«الديموطيقية» و«اليونانية»، وأوضح للعالم للمرة الأولى من نوعها كيفية قراءة «الهيروغليفية» التي خلفها كتاب مصر القديمة.

يعود تاريخ الحجر إلى عام 196 قبل الميلاد، لكن بقي وديعة لدى المجهول حتى اكتشفه جنود الحملة الفرنسية على مصر عام 1799 في مدينة «رشيد» المصرية، التي يطلق عليها بالإنجليزية اسم «روسيتا»، وهي ميناء على ساحل البحر المتوسط. وكان الحجر نفسه جزءاً من جدار في حصن.

هذا الإنجاز مثّل جسراً عظيماً يصل الحاضر بثقافة ذلك الزمن البعيد، وهو بدرجة كبيرة إنجاز يمثل قدرة الإنسان على تجاوز الحواجز والمعيقات التي تحول بينه وبين فهم نفسه وحاضره وماضيه. وفي الحقيقة، لقد كان فك لغز رموز «حجر رشيد» حلاً لواحد من أعظم الألغاز في التاريخ، إنه حل فتح أمام الإنسان أسرار ثقافة كاملة.

100 عام على اكتشاف «توت عنخ آمون»

في مثل هذا العام، قبل مئة عام، وتحديداً في الرابع من نوفمبر 1922، سجل عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر في مذكراته اكتشاف مقبرة هادئة في وادي الملوك، ترجع أهميتها البالغة إلى أنها المقبرة الوحيدة التي تكتشف من دون أن يدخلها اللصوص ويسرقوا محتوياتها، مثلما فعلوا مع سائر المقابر الملكية وغير الملكية.

وبعد يومين، استدعى اللورد كارنارفون، ممول الاستكشاف، إلى الأقصر، ليكونا أول من يدخل مقبرة الملك توت عنخ آمون منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.

لكن العالم عرف فقط بأهمية هذا الاكتشاف العظيم يوم 26 نوفمبر، وقد اشتملت اللقى على مئات الآثار، من بينها تابوت ذهبي يحتوي على مومياء للملك المراهق، ولتظهر سجلات الملك توت عنخ آمون وغيره من ملوك العمارنة التي اختفت في القرن الـ13 قبل الميلاد.

ومنذ هذا التاريخ، الرابع من نوفمبر 1922، سيطر الهوس بالملك توت على العالم، وظل هوارد كارتر وتوت عنخ آمون أسماء مألوفة حتى يومنا هذا، كما لا تزال هذه الحادثة وشخصية الملك توت عنخ آمون ومكتشف مقبرته هوارد كارتر تلهم الكتاب وفناني السينما وغيرهم.

وفي الواقع، لقد جاء هذا الاكتشاف الذي ساعد على استجلاء الكثير من الحقائق حول مصر القديمة، والتيقن من كثير من المعلومات حولها، ليشعل الخيال البشري بالكثير من الأفكار والحكايات المتخيلة والفنتازية. لقد أطلق هذا الاكتشاف العنان للمخيلة البشرية، وهذا بحد ذاته مكسب ثقافي كبير.

قرن على أول استخدام للأنسولين

في مثل هذا العام، قبل قرن من الزمان، وتحديداً في 23 يناير عام 1922، أصبح ليونارد طومسون، البالغ من العمر 14 عاماً، هو أول شخص يتلقى حقنة أنسولين في العالم، والتي كانت بداية سعيدة أنقذت ملايين الأرواح من الموت نتيجة مضاعفات مرض السكري.

قبل هذا التاريخ، كان الأطباء يحثون مرضى السكري على اتباع نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات والدهون والبروتين والسكر، ولم يكن هذا النوع من السيطرة على مرض السكري كافياً سوى لتمديد عمر الضحية أشهراً عدة أو سنوات قليلة، ولكن بحلول عام 1923، أصبح الأنسولين متاحاً على نطاق واسع، ولا يزال فعالاً حتى بعد 100 عام. واليوم توجد مجموعتان من الأنسولين لعلاج مرض السكري، هما: الأنسولين البشري، والأنسولين المشابه.

يشار إلى أن مكتشف الأنسولين هو فردريك غرانت بانتنغ، وهو طبيب كندي، ولد في 14 نوفمبر 1891 وتوفي في 21 فبراير 1941، حصل على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب لعام 1923 مناصفة مع الأسكتلندي جون مكليود، وحصل الاكتشاف نفسه قبل عام من أول استخدام له مع مريض، وكان ذلك عام 1921.

يذكر أن الأنسولين هو هرمون يعتبر أساسياً لتنظيم الطاقة وأيض الجلوكوز في الجسم، أي أنه الهرمون الخافض لسكر الدم. وسمي هذا الهرمون بالأنسولين اشتقاقاً من كلمة «إنسولا» اللاتينية، وتعني الجزيرة.

وتسهم دولة الإمارات في توفير دواء الأنسولين للشرق الأوسط، حيث يوجد بها أحد أهم مصانع الأنسولين في العالم، وأكبرها في المنطقة.

100 عام على انهيار الدولة العثمانية

في مثل هذا العام، قبل مئة عام، وتحديداً في الأول من نوفمبر عام 1922 وضع التاريخ نهاية للدولة العثمانية، التي يعود تأسيسها إلى عام 1299 عندما سيطر عثمان الأول، على إمارة في الأناضول.

بلغت الإمبراطورية ذروتها في القرن السادس عشر وحتى النصف الأول من القرن السابع عشر، وامتدت حدودها من اليمن في الجنوب إلى النمسا في الشمال، ومن الخليج العربي في الشرق إلى الجزائر في الغرب في عالمنا العربي، وسيطرت على دول وأراضٍ كثيرة في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

لكن بداية أفول الإمبراطورية بدأ في عام 1683، حينما هُزمت القوات العثمانية على أبواب فيينا، وعلى مدى القرنين التاليين، تراجع ازدهار الإمبراطورية ونفوذها، وانكمشت حدودها حتى أواخر القرن التاسع عشر، حينما أصبحت «رجل أوروبا المريض»، الذي تفترسه بعض القوى الأوروبية وتدعمه قوى أخرى.

وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914، تحالف العثمانيون مع ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية، واستسلمت الإمبراطورية العثمانية لقوات الحلفاء في نهاية أكتوبر عام 1918 بتوقيع هدنة «مودروس»، وبعد أربع سنوات، ألغى المجلس الوطني التركي السلطنة، منهياً الإمبراطورية العثمانية بشكل رسمي.

نهاية الإمبراطورية العثمانية كان له بالغ الأثر على الثقافة، فقد فتح هذا الحدث المجال أمام نهوض الثقافات واللغات الوطنية والقومية في البلدان، التي كانت تقع ضمن مكوناتها.

25 عاماً على تأسيس متحف الشارقة للفنون

قبل خمسة وعشرين عاماً، وتحديداً في شهر أبريل عام 1997، تأسس متحف الشارقة للفنون، أحد الصروح الحضارية التي تروي قصة الإبداع الإنساني، فتوفر منصة للفنانين، وتوثق المنجز الفني من خلال المعارض واللوحات والأنشطة، التي استضافها منذ التدشين وحتى اليوم.

يُعدّ متحف الشارقة للفنون أول مبنى تخصصي في منطقة الخليج، حيث أنشئ ليكون متحفاً للفنون يدعم المشهد الفني من خلال دوره كأول مؤسسة متحفية معيارية استضافت ونظمت معارض للفنانين الأوائل، الذين أصبحوا اليوم رواداً في عالم الفنون.

شكل العام 1997 باكورة انطلاق المتحف وتعزيز مكانته، كونه من أبرز الوجهات الداعمة للمشهد الفني، ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل على الصعيدين العربي والعالمي، حيث انطلق حراك المتحف بأنساق تصاعدية.

ونظم المتحف معرضاً فردياً بعنوان «الشاهد والشهيد» للفنان الكاريكاتيري ناجي العلي، ضم 90 عملاً، وكذلك استضاف معرض نافذة على عُمان، والمعرض السنوي لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية. وبعد العام 1997 توالت المعارض والبرامج.

واليوم يواصل المتحف تحقيق أهدافه في نشر ثقافة الإبداع الفني والحفاظ على التراث وإبراز أهميته في حياة الشعوب.

25 عاماً على الكشف عن أول استنساخ

قبل خمسة وعشرين عاماً، وتحديداً في 22 فبراير عام 1997، عرف العالم بوجود النعجة «دوللي»، التي كانت أول حيوان ثديي يتم استنساخه بنجاح من خلية بالغة في معهد «روزلين» في أسكتلندا، حيث استخدم الباحثون نقل نواة الخلية الجسدية مع خلية مأخوذة من نعجة عمرها ست سنوات في محاولة لتطوير طريقة أفضل لإنتاج الماشية المعدلة وراثياً.

كان استنساخ النعجة «دوللي» قد تم قبل عام من الكشف عنها (5 يوليو 1996). وفي حين أثار الإعلان جدلاً حاداً حول الحدود الأخلاقية للعلم بشكل عام، وحول الاستنساخ بشكل خاص، فإن أهمية الإنجاز لا يمكن إنكارها.

توالت التجارب المماثلة بعد ذلك مع حيوانات أخرى، وهي التجارب التي لا تزال مستمرة على نحو ما.

وفعلياً، لم تكن الحياة سهلة على «النعجة دوللي»، إذ إنها شاخت بشكل مبكر، وعانت من التهاب المفاصل، وأصيبت بعد ذلك بمرض في الرئتين، ما أدى إلى نفوقها العام 2003. وحالياً، فإن جيفتها المحنّطة معروضة في متحف أسكتلندا الوطني.

وبغض النظر عن الآفاق والأبعاد التي يمكن أن يأخذها هذا التوجه في العلم، إلا أن ما يثيره من خلاف وجدل أخلاقي لا يزال أحد محركات محاكمة العلوم، والخيال العلمي.