يتجلى التراث الإنساني الثقافي غير المادي في دولة الإمارات في المظاهر كافة في الدولة باحتسابه مدرسة حية ومتنقلة لأشكال التعبير الحية كافة الموروثة من أسلافنا عبر الأجيال.

ومرجعاً ملهماً لمبادرات عصرية فريدة تسير بالتوازي مع رفع الدولة عدد عناصرها الخاصة والمشتركة المدرجة ضمن قوائم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» للتراث الإنساني غير المادي إلى 14 عنصراً، متصدرة بذلك الدول العربية، ولتحتل المرتبة السابعة عالمياً من ناحية عدد العناصر المدرجة في القائمة الأممية.

استدامة التقاليد

ويؤكد الباحث الإماراتي في التراث جمعة خليفة بن ثالث الحميري، أن التراث الإنساني غير المادي كان ولا يزال عنصراً مهماً في دولة الإمارات.

ومجالاً خصباً لذاكرةِ وحاضر المتخصصين في هذا المجال، كونه يشكل مخزوناً جوهرياً لا ينضب لاستدامة تقاليد المجتمع الإماراتي، كما يتسم بذاكرة حضارية تمثل أداة معرفية ومجتمعية للحفاظ على الخصوصية الثقافية والهوية الوطنية، بالتوازي مع مواكبة التطور السريع الذي يمر به العالم اليوم.

حضور دولي

ويقول الحميري: وبوصفه تراثاً حياً يمكنه أن يكون مصدراً للابتكار والتنمية وجزءاً من الهوية المجتمعية، تعكس المهرجانات التراثية التي تستضيفها الدولة على مدار العام، صورة واضحة عن خصوصية المجتمع الإماراتي وتقاليده وخاصة بعد نجاحها في استقطاب الزوار من كل مكان في العالم.

وقد تكللت جهود الدولة الحثيثة بتسجيل 14 عنصراً ضمن قوائم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» للتراث الإنساني غير المادي، ومنها على سبيل المثال: السدو، والتلي، والعازي، والرزفة، والأفلاج، وفنون الأداء مثل الرزفة، والعيالة، والتغرودة، والصقارة، والحداء، وغيرها.

موارد محلية

وتشير الكاتبة والمتخصصة في تراث النسيج الفنانة الليتوانية، لوريتا بيلنسكايت إلى أن حرفة «السدو» رحلة نسيج عالمية التأثير وقصة أخرى قد تروى في مكان آخر مثل بلادي «ليتوانيا» بتفصيلات مشابهة للصناعة وطبيعة النقوش التقليدية إلى جانب تسخير الموارد المحليّة، إذ يعلمنا «السدو» أن ننظر بعين الاحترام إلى ثقافتنا المشتركة والشعور بالفخر لحضور حرفة السدو التي أدرجت صناعة متوارثة ضمن قائمة يونسكو لصون التراث غير المادي، وهو ما يعطينا المجال لتقديم أعمال وفنون مستوحاة من تقاليدها المحلية انطلاقاً من دبي إلى العالم.

روافد التنمية

وعن أهمية التراث الإنساني غير المادي رافداً من روافد التنمية في مظلة الاقتصاد الإبداعي يقول الدكتور محمد حسن عبدالحافظ، رئيس قسم البحوث والدراسات في معهد الشارقة للتراث:

تمتلك دولة الإمارات آليات وخططاً متعددة المسارات لتنفيذ العديد من الاستراتيجيات ذات الصلة بمعطيات الثقافة ومن ضمنها التراث غير المادي، وذلك بهدف دفع الذاتيات الثقافيَّة إلى الازدهار، وإدراجها في مظلة اقتصادها الإبداعي المتنامي.

ويتابع: باتت الإمارات تتمتع بمكانة مرموقة اليوم نظراً لمبادراتها الاستثنائية على الصعيدين الاقتصادي والثقافيّ، ويظل الطريق مفتوحاً أمام إبداع أفكار ملهمة ومبادرات ناجعة؛ لدمج الثقافة الشعبية في الحياة المعاصرة وشؤونها ومجالات عملها داخل المجتمع؛ ولدفعها إلى الاستمرار والنمو في المستقبل، بوصفها عامل التماسك الوطني والهوية الحضارية.

ومثلما يمثل الإبداع الثقافيّ الشعبي شأناً جمعياً، يتطلب استمراره انتقالاً حيوياً من جيل إلى جيل، فإن تعليمه وإدارته هما، أيضاً، عمليات جمعية، تتطلب، أيضاً انتقالاً حكيماً من جيلٍ إلى جيل. وينبغي أن يكون الأسلوب المتبع في هذه العمليَّة قائماً على التجارب الراهنة والمعارف الجديدة.