يتعلّق هذا المجلد بجغرافية الخليج العربي التي نشرها طاقم البحرية في إدارة بريطانية مهمة، في يونيو 1919، في 37 صفحة، إذ إنه مثبت في مكتبة قطر الرقميّة.
وهو تقرير مركّز، زاخر بالمعلومات، يتحدّث عن الفترة التي لحقت الحرب العالميّة الأولى والتي انتهت بحلول عام 1918. ولهذا فهو مهمّ طبوغرافيّاً وتضاريسيّاً، وسياسيّاً، واجتماعيّاً، واقتصاديّاً، وسكّانيّاً.
الموقع:
يقع الخليج العربي وبحر عمان بين خطَّي طول 22 إلى 30 درجة شمالاً. وخطَّي عرض 48 و62 درجة شرقاً. وهما الحدّان الشمالي والجنوبي الشرق لشبه الجزيرة العربية. وامتداده من الشطّ إلى مضيق هرمز 740 كم. وعرضه حوالي 194 كم. واتساع المضيق حوالي 47 كم. ويعتبر بحر عمان ذراعاً مائيّاً للمحيط الهندي.
أقسام
تنقسم سواحل الخليج العربي إلى ثلاثة أقسام جغرافيّة:
أوّلاً: الساحل العربي الممتدّ من خور الزبير إلى الجنوب من العراق إلى مسندم، ومنها إلى رأس الحدّ. ويضمّ هذا الجزء: الكويت، والسعودية، والبحرين، وقطر، والإمارات ثمّ سلطنة عمان.
ثانياً: المنطقة المحيطة برأس الخليج، ومنطقة الأهواز والمحمّرة وعربستان.
ثالثاً: ساحل فارس المطلّ على الخليج العربي إلى الشرق، من بوشهر ثمّ إلى جوادر في مكران.
الأهمّيّة والمكانة:
تكمن أهمية الخليج العربي في وقوعه على الطريق الملاحي إلى الهند عَبر رأس الخليج ومنه إلى سواحل البحر الأبيض المتوسّط ثمّ إلى أوروبا.. ويقوم ميناء البصرة، وميناء المحمّرة بدور في التبادل التجاري حتى بريطانيا.
الطبيعة والبيئة:
يتموضع الخليج العربي وخليج عمان في منخفض عظيم بين هضبة شبه الجزيرة العربية، وبين الهضبة الإيرانية المطلة على الخليج العربي.
وتحدّه من جهة الشمال مصبّات نهر الفرات ونهر دجلة اللذين حدّدا الساحل الشمالي للخليج بما يقذفانه من طمي خلال مئات الأعوام. ويحتلّ هذا الانخفاض الجزء الأكبر من سواحل الخليج إلا في أجزاء المرتفعات العمانية على الساحل العربي التي تكاد تتلامس مع مياه البحر، أو ما يقرب من مرتفعات زاجروس على ساحل فارس المطلّ على الخليج العربي ثمّ على ساحل مكران.
وأرض الخليج العربي يغلب عليها الاستواء والتموّج في بعض أجزائها. وفي أعمق نقاطها تبلغ 109.728 متراً. ويكثر عمق البحر بالقرب من ساحل فارس المطلّ على الخليج العربي، حيث تتقارب الجبال مع الساحل، وهي على السواحل العربية أقلّ عمقاً. وتكثر فيها الشعاب المرجانيّة، والمياه الضحلة التي تمتدّ أحياناً لمسافة حوالي 48.5 إلى 80.5 كيلومتراً.
بينما أرضيّة بحر عمان فهي أكثر انخفاضاً من الخليج العربي خاصّة في المناطق المحاذية لجبال شبه جزيرة مسندم، حيث تتداخل الجبال مع المياه في أجزاء كثيرة منها التي تبلغ أكثر من 109.728 متراً. وتبلغ على بُعد 80.50 كيلو من مسندم حوالي 247.32 متراً، مما يسبّب رفاً صخريّاً واسعاً. وتكثر في مياه الخليج الجزر التي تعدّ جزءاً منها ذات منشأ بركانيّ.
الساحل العربي:
يحتلّ الساحل العربي أكثر الانخفاض التدريجي للخليج بين هضبة شبه الجزيرة وساحل الخليج العربي. ولا ينكسر هذا الانخفاض إلا عند مرتفعات عمان في الجنوب الشرقيّ. وتحدّ سواحل الخليج من جهة الغرب صحراء الدّهناء التي يفصل بينها وبين الساحل سهل حصويّ غير عريض حتى يصل إلى صحراء الربع الخالي الشهيرة.
ومن قَبيل الوصف الجغرافي يمكن أن نقسّم هذا الإقليم إلى قسمين: الأول: القسم الغربي المنحدر من جنوبيّ العراق في الشمال إلى رمال أبوظبي في الجنوب. والثاني: من رمال أبوظبي المتصلة بالساحل إلى كلّ مناطق عمان حتى رأس الحدّ.
ويشمل الساحل العربي: الكويت، وقطر، والسعودية، والإمارات، وسلطنة عمان.. وتميل أراضيّ شماليّ جون الكويت إلى الانخفاض، واختلاط تربتها بالطين والرمل. وتقلّ في أرضها مياه الآبار العذبة. وتكثر المزروعات حول منطقة الجهراء التي تبعد عن الكويت بمسافة 33 كلم.
وإلى الجنوب منها تحتلّ الإحساء بالسعودية على طول الساحل بمسافة 483 كلم، بعرض 80.5 كلم. وباستثناء واحتَي الإحساء والقطيف فإنّه يغلب على أراضي المنطقة الصحراء. وتكثر فيها آبار المياه العذبة قليلة العمق. وتوجد بها مساحات تنمو فيها الأعشاب والحشائش للرعي، وتكثر فيها زراعة أشجار النّخيل. وتكثر في الإحساء عيون الماء الحارّة المتدفّقة.
وفي بعض المناطق توجد زراعة الأرز. وتتموضع مدينة الهفوف في الركن الجنوبي الشّرقيّ من الواحة الزراعيّة، بينما تتموضع القطيف في الركن الشمالي الشرقيّ من الإحساء بطول نحو 29 كلم، وبعرض حوالي خمسة كيلومترات. ويعدّ وادي المياه الواقع في شمالي الإحساء أشهر وديان المنطقة، وتكثر فيها آبار المياه العذبة والعيون، وتوجد بها تربة يميل لونها إلى البنّيّ الغامق.
وأمّا قطر فهي كلسانٍ من اليابس ناتئ من ساحل الخليج، وكأنّه يقسم الساحل إلى قسمين. ويكاد يغلب عليها الطابع القاريّ من حيث شكل السطح، ونختلط فيها الرمال بالحجارة في أجزاء منها. وتقل فيها الواحات الزراعيّة، ويمكن العثور على المياه العذبة في بعض أنحائها. وتوجد بها أماكن تنمو فيها الأعشاب والحشائش بعد سقوط الأمطار.
وأمّا الإمارات فتضمّ إداريّاً عدّة مدن ومناطق، تحتلّ ساحلا طويلاً.. أما المناطق الدّاخليّة فأكثر صلاحيّة للزراعة، كما تكثر فيها آبار المياه العذبة. وتكثر الضواحي الزراعية عند العيون وبالقرب من مجاري ومصبّات الوديان.
وتفصل جبال الحجر بين مناطق وسواحل كثيرة في المنطقة. ويعدّ الجبل الأخضر أشهر مرتفعاتها. وتنقسم جبال الحجر إلى الحجر الشرقي، والحجر الغربي.
وتتكوّن كثير من صخورها من الصخور الرسوبيّة، وتوجد الصخور البركانيّة المتحوّلة في أنحاء منها. ويعد ساحل الباطنة أحد أشهر مناطق عمان من حيث السكّان والزراعة والمياه، وتكثر فيه الوديان المنحدرة من جبال الحجر صوب بحر عمان. وتنمو أشجار النّخيل الباسقة على ضفّتي وادي سمائل الشهير. وتكثر في عمان الوديان والمزروعات والعيون.
الموانئ:
يفصّل التقرير/المجلد في موانئ السواحل العربية، وإن ألمح إلى كون السواحل بصورة عامّة تفتقد للموانئ الطبيعيّة التي تمكّن السفن الكبيرة من الرسوّ مباشرة في المدن الساحليّة. ويحصر الموانئ الرئيسة في الكويت والبحرين، وإن أشار إلى بقيّة بلدات ومدن الخليج الساحليّة على اعتبار أنّها مدن تقوم بأدوار موانئ تستقبل السفن الكبيرة، ومن ضمنها:
القطيف، والعقير، والدوحة بالإضافة إلى موانئ الإمارات المطلة على الخليج العربي، ومدينة خورفكان المطلة على بحر العرب، وصحار ومسقط. ويلمح التقرير بشكلٍ أساس إلى مدينة دبي التي يرى فيها مستقبلاً واعداً بالتطوّر والازدهار، ويعتبرها ميناء رئيساً على ساحل الإمارات.
الساحل الشرقيّ:
يفصّل التقرير في الساحل الشرقي للخليج من شطّ العرب إلى بندر عبّاس، بما فيه من طبوغرافيا وبيئة وتضاريس وبلدات وموانئ مهمّة كالبصرة والمحمّرة وبوشهر ولنجة وبندر عبّاس، وجوادر. بالإضافة إلى الأنهار، وأشهرها دجلة والفرات وقارون، مقدّماً عرضاً موفّقاً حول هذه الأنهار وصلاحيتها للملاحة ودورها في الإرواء والسقاية، وطبيعة ما تتعرّض له من جفاف أحياناً.
وما يتخلّله من شواطئ وبما فيه من جزر مهمّة. مع استعمال مسمّى: «عربستان» للدلالة على المنطقة الواقعة إلى الشرق من الأهواز. ويتضمّن وصفاً للطبيعة والبيئة والسواحل والجبال والممرّات وطُرق القوافل بشكلٍ دقيقٍ ومركّز حتى يشمل إقليم مكران. ومقسّم حسب الموانئ المطلّة عليه.
المناخ:
يتطرّق التقرير إلى الملامح الرئيسة لمناخ الخليج العربي الذي يغلب عليه ارتفاع الحرارة، وبالذّات في فصل الصيف وكأنّه يفصل العام إلى موسمين رئيسين كما يصف التقرير كمّيّات الأمطار ومستويات الحرارة، وهبوب الرياح والعواصف.
ويلمح إلى ما أصاب المنطقة من أمراض وأوبئة منذ نهايات القرن التاسع عشر، من طاعون، وكوليرا، وجدري، وحصبة.
السّكّان:
يقدّم التقرير معلومات قيّمة حول السكّان وتوزيعاتهم. ويؤكّد التقرير أنّ اللغة العربية هي لغة الخطاب والمحادثة في سواحل الخليج العربي، مع وجود لغات أجنبيّة أخرى للجاليات المختلفة. ويشير صراحة لسكنى العرب حتى على الساحل الشرقي للخليج العربي، بامتداداته وبلداته وقراه وجزره، وسمّاهم: «عرب فارس».
ويذكر قبائلهم العربيّة الكبرى. كما يشير صراحة إلى سكّان مكران وانتماءات عدد منهم إلى العرب.
وأمّا أعداد السكّان حسب عام 1919 فهم: 37 ألفاً في الكويت، و13 ألفاً من بدوها، و100 ألف في الإحساء بالسعودية، و50 ألفاً من بدوها، وفي قطر 26 ألفاً، وفي مدن الساحل 72 ألفاً، وثمانية آلاف من البدو المحيطين بها، وفي جزر البحرين 100 ألف نسمة.
وحين قسّم السكّان حسب مدن الإمارات، ذكر أنّ في أبوظبي ستّة آلاف، وفي دبي 20 ألفاً، وفي الشارقة 15 ألفاً. وذكر أن في ساحل الباطنة 105 آلاف. ولم يكتفِ بذلك بل فصّل في المهن من زراعة، وصيد، وغوص، ورعي وغيرها من حِرف كالجلافة، والحدادة، والنجارة، والسدو.
الوضع السياسي:
يفصّل في الوضع السياسي على الساحل العربي، في الكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات، والسعودية، وسلطنة عمان. ومن الدقّة فصّل حتى الانتماءات القبليّة السياسيّة التي ينتمي إليها العرب ويعرض للانتماءات السياسيّة لعرب فارس. كما يفصّل في سكّان جنوبيّ العراق وعربستان، وقرى وبلدات ومدن وجزر ساحل فارس المطلّ على الخليج العربي كذلك.
ملاحظات:
على الرغم من أنّ هذا التقرير محصور في 37 صفحة، إلا أنّه دليل على قيام السلطات البريطانيّة بتجديد المعلومات بين الفينة والفينة حتى يبقى المسؤولون البريطانيون في المنطقة على اطّلاع بمجريات الأمور وتبدّل الأحوال فيها بين عامَي 1903 و1919. ومع أنّ هذا التقرير نُشر بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى وانحسار النّفوذ العثماني عن المنطقة إلا أنّه يظل يستعمل مصطلح: «العراق التركي».
كما استعمل خطأ مسمّى: «سلطنات» على إمارات الخليج العربية. ويخلو التقرير من الصور والخرائط، على عكس تقرير عام 1903.
اقرأ أيضاً:
منطقة الخليج بين تقريرَي عام 1903 و1919 (1)