قبل سنوات قليلة، تم تعيين تيم جونسون، الأكاديمي البريطاني في جامعة هيريوت وات، ليكون موظفاً عاماً مسؤولاً عن الرياضيات المالية. وكانت المهمة في البداية تبدو سهلة. ففي النهاية، لم يكن السياسيون قبل عام 2007 يهتمون كثيرا بأمور مثل نظرية الاحتمالات.

لذا استفاد الدكتور جونسون في الغالب من منحته الضخمة في إجراء بحثه عن السلام. لكن لم يعد الأمر كذلك.

فخلال السنوات الثلاث منذ انفجار الأزمة المالية، أصبحت الرياضيات المالية في خط النار، وجرى اتهام المحللين الماليين والنماذج بتغذية المشاكل المصرفية.

وبالتالي، الدكتور جونسون الآن أمام مهمة صعبة هي محاولة الدفاع عن عالم الرياضيات، أو كما قال في مؤتمر مؤخراً: «هناك حس بالذهول بين علماء الرياضيات بشأن وجهة النظر التي تقول إن الرياضيات مسؤولة عن هذه الأزمة».

هل هم محقون في شعورهم بالاستياء؟ إلى حد ما، نعم. فخلال العقدين الماضيين لجأ عالم التمويل بالتأكيد إلى الأخذ كثيرا من تخصصات، مثل الرياضيات والعلوم، وأسفر بعض هذا عن نتائج كارثية. مثلا، كل قرارات الاستثمار المجنونة المستلهمة من النماذج شديدة التعقيد - والخاطئة - لتقييم مخاطر الائتمان لذوي الملاءة الضعيفة.

لكن إذا نظرت عن كثب إلى كل هذا الانتحال تجد مفارقة مريرة. فالبنوك تحب التباهي علنا بقدرتها على شراء «الألمع والأفضل»، لكن من الناحية العملية، الأفكار المحددة التي تستوردها البنوك من تخصصات مثل الرياضيات، أو الاقتصاد في السنوات الأخيرة لم تكن دائما هي الأحدث. بل على العكس، كان كثير من المستوردات التي تم استخدامها - أو إساءة استخدامها - على نطاق واسع قديمة على نحو واضح. لنأخذ مثلا مجال الاقتصاد.

قبل 15 عاماً أصبحت الصناعة المالية مؤمنة تماما بفرضية كفاءة السوق. لكن بحلول الوقت الذي حدث فيه هذا، كانت الفكرة قد أصبحت بالفعل قديمة نوعا ما - وأصيب كثير من الاقتصاديين الأكاديميين بخيبة أمل من هذه الرؤية غير المتطورة للسلوك البشري. وبالمثل، حين استعار التمويل أفكاراً من علم الفيزياء، كانت من فرع الفيزياء القديم لنيوتن وليس من نظرية النسبية.

وبقدر ما استخدم المصرفيون الرياضيات في العقدين الماضيين، كانوا يعاملون الرياضيات عادة باعتبارها «مجرد» أداة - مثلما فعل العلماء في القرن الثامن عشر.

إلا أن معظم علماء الرياضيات الأكاديميين يفضلون النظر إلى انضباطهم بوصفه شكلاً من أشكال الاستقصاء الفكري. ولا يشعر كثير منهم أيضا بالارتياح لافتراض أن الرياضيات تقدم «قيماً مطلقة» خاماً.

وهكذا، مثلما أجبرت نظرية النسبية العلماء على الاعتراف بأن المكان والزمان قد يتوسعان أو يتقلصان بطريقة نسبية، يميل كذلك رجال مثل الدكتور جونسون إلى التفكير بأن حسابات «الاحتمالات» قد تتغير وفقا للسياق.