إذا هبط أحد سكان المريخ في «وول ستريت» أو واشنطن خلال عطلة عيد الفصح، فقد يظن أن العملات المشفرة تتراجع.

فقد أصدرت محكمة في نيويورك مؤخرا حكماً بسجن سام بانكمان فرايد 25 عاماً بتهمة الاحتيال والتآمر عقب انهيار «إف تي إكس»، منصة العملات المشفرة التي كانت تهيمن على السوق سابقاً.

وفي الشهر المقبل، من المقرر أن يحكم على تشانجبينج تشاو، الرئيس السابق لأكبر منصة لتداول العملات المشفرة في العالم، «باينانس»، لفشله في تنفيذ سياسات مكافحة غسيل الأموال. في الوقت نفسه، فازت هيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية للتو بدعوى ضد «كوين بايز». وبعيداً عن المحاكم، شهد نجوم العملات المشفرة مثل مايك نوفوجراتز انهيار رموزهم الرقمية مثل «لونا» في السنوات الأخيرة.

ولكن إذا كنت تعتقد أن كل هذا ربما يكون أضعف محبي العملات المشفرة، فأنصحك بإعادة التفكير. فقد وصل سعر البيتكوين هذا الشهر لمستوى قياسي بلغ 73000 دولار، أي أربعة أضعاف مستواها أواخر 2022 عندما انهارت «إف تي إكس». ويعكس هذا جزئياً حقيقة تقليص المعروض من عملات البيتكوين بسبب التنصيف الوشيك بوتيرة «التعدين». على أية حال، يرجع هذا أيضاً لإطلاق عدد كبير من صناديق تداول البيتكوين بعد الحصول على موافقة الجهات التنظيمية.

الأمر الأكثر بروزاً من سعر البيتكوين، والذي يجذب الانتباه في العناوين الرئيسة، هو أن قطاع العملات المشفرة يطلق العنان لحملة ضغط قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024، لتشكيل معارك تنظيم القطاع مستقبلاً. وحجم هذه الحملات مذهل.

قم بإلقاء نظرة على البيانات التي تم جمعها بواسطة «أوبنسيكرت»، وهي منظمة غير ربحية. وتقول إنه في الدورة الانتخابية لعام 2020، كانت الأموال التي قدمتها مجموعات الضغط للعملات المشفرة إلى لجان العمل السياسي والمرشحين لا تتجاوز 1.5 مليون دولار. وفي انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 قفزت إلى 27 مليون دولار، وكانت «إف تي إكس» أكبر مانح على الإطلاق.

ولم يتوقف هذا مع انهيار «إف تي إكس». بل على العكس، قالت «أوبنسيكرت» إن تبرعات عام 2023 كانت أعلى بكثير من العام السابق، لأن «كوين بايز» أطلقت العنان لطفرة في الإنفاق، جنباً إلى جنب مع منصة «بينانس» ومنظمة «بلوك تشين أسوسيشن».

وهذا الأسبوع، كتب دينيس كيليهر، رئيس «بتر ماركتس»، وهي مؤسسة أخرى غير ربحية وناقد للعملات المشفرة، أن «مجموعة أموال مظلمة بصناعة العملات المشفرة»... تحت اسم «فير شايك»، جمعت نحو 80 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط من عام 2023.

وقال كيليهر إنها تستخدم لمهاجمة السياسيين الذين أعربوا عن تحفظاتهم بشأن العملات المشفرة، مثل عضوي مجلس الشيوخ الديمقراطيين إليزابيث وارين وشيرود براون. وفي الواقع، ساعدت الحملة على القضاء على أحد الأصوات المناهضة للعملات المشفرة، وهي كاتي بورتر، التي خسرت الانتخابات التمهيدية في كاليفورنيا.

وقال لي كيليهر إن خسارة بورتر جعلت المرشحين الآخرين يخففون من الحدة في وجهات نظرهم المناهضة للعملات المشفرة. إذا كنت ستستثمر 100 مليون دولار في النظام الانتخابي قبل 10 أشهر من موعد الانتخابات، فإن الناس ينتبهون لذلك.

ومن غير المستغرب أن تنفي صناعة العملات المشفرة أن هذه مشكلة. على سبيل المثال، يتغنى موقع فاير شايك الإلكتروني بالحاجة إلى دعم المبتكرين الذين يبنون الجيل القادم من الإنترنت، ويجادل بأن وجود إطار تنظيمي وقانوني أكثر وضوحاً أمر حيوي إذا كان لاقتصاد بلوك تشين المفتوح أن ينمو إلى أقصى إمكاناته في الولايات المتحدة.

ويشير المتحمسون للعملات المشفرة أيضاً إلى أن ضغوطهم متواضعة مقارنة بضغوط القطاع المصرفي السائد، أو مجالات الأعمال الأخرى مثل النفط والغاز. وهناك حقيقة في كلا الادعاءين.

إن الإطار التنظيمي الحالي يعاني من الفوضى، ويحتاج لإصلاح. وإذا نظرت إلى حجم الضغط الذي تمارسه العملات المشفرة، فمن المؤكد تقريباً أنه أصغر من سيل الدولارات الذي أطلقته البنوك بعد الأزمة المالية عام 2008 لمحاربة تنظيم القطاع.

ولكن الشيء الوحيد الذي يجعل حملة العملات المشفرة الحالية ملحوظة هو قوتها النارية المركزة، في حين أن حملة الصناعة المالية منقسمة بين أجزاء مختلفة من القطاع. والسبب الثاني هو أن العملات المشفرة تثير ردود فعل من الحزبين، لأن المعسكرين المؤيدين والمعارضين يشملان الجمهوريين والديمقراطيين.

النقطة الثالثة اللافتة للنظر أن ممارسة الضغط هذه تبدو متناقضة مع الشعار الذي يردده غالباً سكان عالم الأصول الرقمية. عندما تم إنشاء عملة البيتكوين أول مرة، قدمها المتحمسون أداة من شأنها تمكين المواطنين من تحدي المؤسسة - وكان من المفترض أن تكون على النقيض من مستنقع واشنطن، السياسي والمالي.

ولكن الأرقام التي كشفت عنها أوبنسيكرت تُظهر مدى عمق انغماس بانكمان- فرايد، الذي كان في يوم من الأيام الفتى الذهبي لقطاع العملات الرقمية، في مستنقع تمويل السياسيين. وهذا كثير على تلك المثل السامية.

ويبدو أن بلوك تشين اسوسياشن، من جانبها، تعترف بالتوتر، ولكنها تزعم أنه ليس لديها خيار سوى ممارسة الضغوط. وكتبت مؤخراً: إننا نرفع أصواتنا، ليس من أجل إقحام أنفسنا بلا داعٍ في عالم سياسي جديد بالنسبة للكثيرين منا، ولكن من أجل الدفاع عما تقول لنا تجربتنا إنه صحيح. إذا لم تتمكن من التغلب عليهم، عليك أن تنضم إليهم في المستنقع، أو هكذا تقول الحجة.

إذا لم يكن هناك شيء آخر، فإن هذه الحكاية تظهر كلاً من التناقضات في عالم العملات الرقمية والتأثير المدمر العميق للمال على صنع السياسة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين. الأولى مثيرة للاهتمام، وخاصة بالنظر إلى سقوط بانكمان فرايد المذهل. ولكن هذه الأخيرة هو ما يجب أن نقلق بشأنه مع اقتراب موعد الانتخابات.