ليس من غير المعتاد للشركات استدعاء منتج تكنولوجي جديد، فالأجهزة الواعدة الجديدة لا تعمل دائماً على نحو مثالي عند خروجها للنور. لكن لا يحدث عادة أن يصطدم هذا المنتج التكنولوجي بالمارة ويجرهم لمسافة 20 قدماً في الطريق.

إن الحادث الكارثي الذي أوقف عمليات «كروز»، وهو قسم السيارات ذاتية القيادة داخل «جنرال موتورز»، يعد من نوع الانتكاسات التي لطالما خشيها المتحمسون للمركبات ذاتية القيادة. فمن شأن هذا الحادث إضعاف الثقة في هذه التكنولوجيا، واستدعاء تدخل تنظيمي صارم، لكن لا يجب أن يكون مبرراً لأن يأخذ قضية سيارات الأجرة ذاتية القيادة سنوات كثيرة للوراء، طالما أن «كروز» ومنافسيها يتصرفون بسرعة ويظهرون أنهم جديين في تعلم الدرس.

لقد دهست واحدة من السيارات التابعة للشركة، بداية أكتوبر الماضي، واحدة من المارة، بعدما ألقيت في طريقها عندما صدمتها مركبة أخرى. وتوقفت السيارة ثم تحركت 20 قدماً؛ في ما وصفته الشركة بأنها مناورة سلامة لضمان عدم تسبب السيارة في أي خطر، لكن المرأة المصابة بشدة ظلت عالقة تحت عجلاتها.

وقالت السلطات في ولاية كاليفورنيا، التي علقت تراخيص عمل الشركة منذ أسبوعين، بأن المسؤولين التنفيذيين لشركة «كروز» لم يكشفوا في بداية الأمر للجهات التنظيمية عن المناورة الثانية للسيارة وهو ما تنفيه الشركة.

وسلط الحادث الضوء على عدد من الحقائق المزعجة بشأن المركبات ذاتية القيادة، وأيضاً عن صناعة الذكاء الاصطناعي إذا مددنا الخط على استقامته. أولى هذه الحقائق هي توترات لا مفر منها، ناجمة عن هذا النوع من سباقات التكنولوجيا الجديدة التي يحتمل أن تغير العالم. فمن ناحية، لدينا ثقافة الانتشار السريع للتكنولوجيات الجديدة في «سيليكون فالي»، ومن ناحية أخرى، هناك هذا النوع من ثقافات السلامة والعمليات التي تستغرق أعواماً لكي تتطور في الأسواق.

وفي الولايات المتحدة، تتسابق «كروز» مع «تسلا» و«وايمو»، التابعة لـ «ألفابيت» لتطوير خدمات سيارات الأجرة ذاتية القيادة وقدأعلنت «جنرال موتورز»، الشركة الأم لـ «كروز»، هدفاً طموحاً للإيرادات قدره مليار دولار بحلول 2025.

وقررت الشركة وقفاً طوعياً لعملياتها وتعهدت بإصلاح شامل لعمليات السلامة وترتيبات الحوكمة لديها. وقد يكون هذا محل ترحيب، لكن القرار صدر بعدما منعت الجهات التنظيمية في كاليفورنيا، الشركة، من مواصلة العمل.

وثمة حقيقة مزعجة أخرى هي أن تكنولوجيا التعليم المتعمق، العنصر وراء أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدماً، ليست متقدمة بعد بما يكفي للتنبؤ بحوادث مثل تلك التي تعرضت لها «كروز» وقد لا تستطيع أبداً التنبؤ بها. وقد تكون الحادثة بمثابة تذكير بأن جودة أنظمة التعلم ترتبط كلياً بجودة البيانات التي تغذيها. ويستحيل تدريب الأنظمة على كل شيء قد تواجهه في  بغض الطرف عن مدى كثرة هذه البيانات.

لكن «كروز» تستطيع استخدام هذه الحادثة على الأقل في تدريباتها التي ستجريها مستقبلاً. وتشير تقديراتها إلى أن مثل هذه الحادثة على وجه التحديد كان احتمال حدوثها بين كل 10 ملايين إلى 100 مليون ميل من القيادة، لكن ستكون هناك دائماً مواقف جديدة لم تحدث من قبل.

ولاستعادة ثقة العامة سيتحتم على «كروز» ومنافساتها إثبات أن مركباتهم ليست فقط طرفاً في عدد أقل من الحوادث من تلك التي يتسبب بها البشر، لكن أيضاً أنها لا ترتكب في بعض الأحيان أنواع الأخطاء الجسيمة والخطيرة التي كان يمكن للبشر تفاديها بسهولة.

لكن هذا مستوى أعلى كثيراً على التكنولوجيا المتاحة اليوم. هناك أمر ثالث أثارته هذه الحادثة، ويتعلق باللوائح التنظيمية. ففي حين أن هناك الكثير من النقاشات عن كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي، كانت هناك نقاشات حول الجهة التي يتعين عليها الاضطلاع بوضع التنظيمات والدور الذي يلعبه المواطنون العاديون وممثلوهم المنتخبون على مستويات مختلفة من الحكومة تجاه تكنولوجيا قد يكون لها تأثير على حياتهم.

وفي حالة حادثة «كروز»، كانت موافقة الجهات التنظيمية في كاليفورنيا كافية لإتاحة سير سيارات الأجرة ذاتية القيادة بحرية في  سان فرانسيسكو، رغم احتجاج سلطات النقل في المدينة ومكتب العمدة ومجموعات تمثل المواطنين، على أن هذه المركبات لم تختبر كلياً بعد.

وقد يؤدي السماح بمراقبة ودور أكبر على مستوى المدينة، إلى التسبب في حزمة كبيرة من اللوائح التنظيمية التي تصعب على شركات السيارات ذاتية القيادة توسعة أعمالها.

وعموماً، لا يزال أمامنا مجال والوقت لم ينته بعد، فقد كانت استجابة «كروز» وإدارتها للأزمة مثالية، وبدلاً من مجرد اتباعها تدابير تحد من الأضرار، تحتاج «كروز» إلى إقناع العالم بأن ما حدث يمثل نقطة تحول حقيقية في أعمالها.