مع فرض الرئيس دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 10% كحد أدنى على معظم السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، مع زيادة المعدل إلى 20% على الواردات من الاتحاد الأوروبي.
فإن هذه الرسوم التي تأتي كجزء من سياسة اقتصادية تهدف إلى تقليص العجز التجاري مع الشركاء التجاريين، بما في ذلك الدول الأوروبية، تشكل تصعيداً مباشراً جديداً في التوترات التجارية بين أمريكا ودول التكتل، وبما يثير قلقاً واسع النطاق بشأن تأثيراتها على الأسواق التجارية عبر الأطلسي.
ويواجه اقتصاد الاتحاد الأوروبي تأثيرات سلبية جراء هذه الرسوم، خاصة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على التصدير إلى السوق الأمريكية، وبما يشمل قطاعات صناعة السيارات والتكنولوجيا والمنتجات الزراعية، التي ستواجه صعوبة في المنافسة مع المنتجات المحلية الأمريكية بعد فرض الرسوم الجمركية المرتفعة.
ومن شأن هذا التحدي أن يؤدي إلى تراجع الصادرات الأوروبية، ما يشكل ضغطاً إضافياً على الشركات الأوروبية ويزيد من الفجوة التجارية مع الولايات المتحدة.
تدابير أوروبية
في هذا السياق، يخطط الاتحاد الأوروبي لاتخاذ تدابير مضادة للرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة «إذا فشلت المفاوضات مع واشنطن»، بحسب رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أول من أمس، والتي وصفت تلك الرسوم بأنها تشكل «ضربة قوية للاقتصاد العالمي».
ووفق فون دير لاين، فإن الاتحاد الأوروبي «يضع اللمسات الأخيرة على الحزمة الأولى من الرسوم الجمركية على ما يصل إلى 26 مليار يورو (28.4 مليار دولار) من السلع الأمريكية في منتصف أبريل رداً على الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألومنيوم التي دخلت حيز التنفيذ في 12 مارس».
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه متحدثة باسم الحكومة الفرنسية، الخميس، عن «إجراءات إضافية» تستهدف مجموعة أوسع من السلع والخدمات سوف تدخل حيز التنفيذ نهاية أبريل. لكنها أشارت إلى أنه لم يُحسم أي شيء بعد، ولكن من المرجح أن تكون الخدمات، ولا سيما الخدمات الرقمية، محور الاهتمام.
كذلك، أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، بعد الإعلان عن رسوم ترامب، عن أن الاتحاد الأوروبي سيسعى جاهداً للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لتجنب حرب تجارية، لكنها لم تستبعد رداً أوروبياً مناسباً.
ويواجه الاتحاد الأوروبي كذلك رسوماً جمركية أمريكية بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم، وعلى السيارات اعتباراً من 3 الجاري، وعلى أجزاء السيارات خلال شهر، مع احتمال فرض رسوم على الأدوية.
من روما، يقول كبير المستشارين بمؤسسة ميد أور الإيطالية، دانييلي روفينيتي لـ«البيان» إنه من الصعب التنبؤ بتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية بشكل حاسم؛ خاصة وأن تصرفات ترامب تبدو عشوائية وتفتقر إلى مبررات واضحة. لكن المؤكد هو أن هذه الرسوم ستضر بالاقتصاد الأمريكي نفسه.
ذلك أن بيانات حربه التجارية الأولى تُظهر أن الرسوم الجمركية تُمثل ضريبة على الشركات المستوردة، ما يُحمّل المستهلكين تكاليف أعلى، مما يُؤدي إلى التضخم وتباطؤ النمو. ويضيف: «في أوروبا، سيتفاوت التأثير.. من المرجح أن تكون ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا - وهي دول تعتمد بشكل أكبر على التجارة مع الولايات المتحدة - الأكثر تضرراً..
وتشمل القطاعات الأكثر تأثراً قطاعات الأغذية والزراعة والأدوية والفضاء.. ومن شأن حرب تجارية عبر الأطلسي، مصحوبة بردود انتقامية من الاتحاد الأوروبي، أن تُفاقم الضرر الاقتصادي».
ويشار إلى أن إجمالي حجم واردات الاتحاد الأوروبي من السلع الأمريكية بلغ نحو 334 مليار يورو (365.6 مليار دولار) في العام الماضي 2024، وذلك مقابل 532 مليار يورو من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة.
من لندن، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أنور القاسم لـ«البيان»: «أعتقد بأننا في خضم حرب اقتصادية عالمية حقيقة الآن، لكن فصولها ما زالت في بداياتها، ونحن في أول عهد الرئيس ترامب»، موضحاً أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمثلان معاً ما نسبته 60% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و33% من التجارة العالمية في السلع، و42% من التجارة العالمية في الخدمات، وأن نمو القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي أدى إلى عدد من النزاعات التجارية بين القوتين؛ رغم أن كليهما يعتمد على السوق الاقتصادية للطرف الآخر.
ويضيف: لقد شهدنا فصولاً مثل حرب المنتجات الزراعية وبعدها الحديد والصلب وكذلك بين شركات الطيران الأوروبية اير باص والأمريكية بوينغ وكذلك الفحم والسيارات، لكن هذه المعارك كان يتم احتواؤها، بشكل أو آخر وفق منظمة التجارة العالمية.
والآن يبدو أن الولايات المتحدة تقوض هذه المنظمة وتفرض نفسها قوة عسكرية واقتصادية وسياسية ضد كل دول العالم، وتنفذ أجنداتها دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف الأخرى، حتى لو كانوا أوثق الحلفاء.
ومن الواضح من خلال ردود فعل دول الاتحاد الأوروبي منفردة، وكذلك الردود الجماعية، أنها تريد «الرد بالمثل» على سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية، لكن ذلك قد يضر بشدة التجارة والتصدير بين الجانبين، ويخلق أزمات اقتصادية متبادلة، لكن في الوقت ذاته يبدو أن أوروبا تنظر للأمر كذلك من زاوية أخرى وتعتبر أن هذه الرسوم تمثل بداية مسيرة نحو الاستقلال لأوروبا، بحسب القاسم الذي يضيف:
«رئاسة المفوضية الأوروبية ورئاسة البنك المركزي الأوروبي يجهزان حزمة جديدة من التدابير المضادة» في حال فشل المفاوضات مع الإدارة الأمريكية، ويبدو أن اللمسات النهائية على الحزمة الأولى من الإجراءات المضادة رداً على التعريفات التي فرضت على الصلب جاهزة للإعلان».
ومن المرجح أن تكون طبيعة هذه الاستجابة الأوروبية موضوعاً لمناقشة وزراء التجارة بالاتحاد الأوروبي عندما يجتمعون في لوكسمبورج يوم الاثنين المقبل.
وأعلن رئيس لجنة التجارة الدولية في البرلمان الأوروبي، بيرند لانج، عن أن المفاوضات بين مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستبدأ الأسبوع المقبل. وكان الاتحاد الأوروبي، قد رد الشهر الماضي على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألمنيوم، بالإعلان عن تدابير مضادة على صادرات السلع الأمريكية بقيمة تصل إلى 26 مليار يورو (28 مليار دولار)، بما في ذلك الرسوم الجمركية على القوارب والدراجات النارية.
الاقتصاد الألماني
ومن برلين، يتحدث الكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، عبدالرحمن عمار لـ«البيان» عن مدى تأثر أكبر اقتصاد في أوروبا برسوم ترامب المتبادلة، ويوضح أنه «من المتوقع أن تؤدي الرسوم إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الألماني بحوالي نصف بالمئة على مدار عامين».
وكانت تقديرات سابقة للبنك المركزي الأوروبي تشير إلى أن فرض تعريفة جمركية أمريكية شاملة بنسبة 25% على الواردات الأوروبية سيخفض نمو منطقة اليورو بمقدار 0.3 نقطة مئوية في السنة الأولى. أما التعريفات الجمركية المضادة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة فسترفع هذا الانخفاض إلى نصف نقطة مئوية.
ودعت ألمانيا الاتحاد الأوروبي إلى أن يكون موحداً في رده على التدابير التجارية التي فرضها ترامب.
تعاون أو مواجهة
وقال المستشار الألماني، أولاف شولتز إن الاتحاد يمتلك «أقوى سوق داخلية في العالم، تضم 450 مليون مستهلك»، الأمر الذي من شأنه منح التكتل الأوروبي القوة لإجراء محادثات مع الحكومة الأمريكية لتجنب حرب تجارية. وقالت إن الأوروبيين «يريدون التعاون وليس المواجهة».
ويشير عمار في الوقت نفسه إلى أنه بالإمكان أن تستجيب دول الاتحاد الأوروبي بسرعة وحزم من خلال إصلاحات وبرنامج اقتصادي واسع النطاق يركز على تحديث البنية التحتية وزيادة الإنفاق الدفاعي. وبهذا، يمكن تحقيق هدفين في آنٍ واحد:
أولاً، التخفيف الفوري من تأثير تراجع الطلب على الصادرات، وثانياً، تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي وزيادة إمكانيات النمو، مما يعزز مناعته الاقتصادية.
ويعتقد بأنه من الممكن تماماً أن تدخل الولايات المتحدة في حالة ركود دون أن يتبعها الاتحاد الأوروبي، ذلك أن الأوروبيين سيقومون باتخاذ تدابير مضادة مدروسة تخدم مصالحه. ويمكن أن يشمل ذلك، على وجه الخصوص، فرض رسوم جمركية على المنتجات والخدمات التي يمكن استبدالها بسهولة والتي تتمتع فيها الشركات بهوامش ربح مرتفعة بشكل خاص.
قطاعات متأثرة
من برلين، يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي لـ«البيان» إنه من المتوقع أن يشهد العديد من القطاعات الصناعية الرئيسية، لا سيما في أوروبا، تأثيراً كبيراً جراء الرسوم الجمركية المتبادلة مع الولايات المتحدة.
يعد قطاع السيارات في مقدمة المتضررين، خاصة مع فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات غير المصنوعة في الولايات المتحدة، وهو ما يؤثر على الشركات الأوروبية، لا سيما الشركات الألمانية، حيث كانت الولايات المتحدة أكبر دولة مستوردة للسيارات الألمانية 2024 بنسبة 13% من إجمالي قيمة صادرات السيارات البالغة 135 مليار يورو.
ووفق الخفاجي، فإن الرسوم الجمركية من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب في الوقت نفسه، مما يهدد الوظائف في هذا القطاع الحيوي ويؤثر سلباً على نموه وأرباحه السنوية خاصة في ظل التقلبات الكبيرة التي يشهدها حالياً.